فقه الموازنة بين دعوة الأقارب والغرباء

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. عادل عبد الله هندي
  • القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 23
  • رقم الاستشارة : 3315
16/11/2025

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا داعية لي نشاط واسع عبر الإنترنت وفي المسجد، ولكني أواجه تحدياً خاصاً: صعوبة دعوة الأقارب والأصدقاء المقربين الذين هم في محيطي اليومي. غالباً ما تكون محاولاتي معهم محدودة التأثير، وقد تؤدي إلى الحرج أو التوتر في العلاقة، لأنهم ينظرون إليّ كـ "الشخص الذي يعرفونه" لا كـ "الداعية" أو "الشيخ” بينما أجد استجابة أكبر من الغرباء الذين لا يعرفونني إلا كداعية.

كيف أوازن بين واجب دعوة الأهل والأقربين (التي هي أولى الواجبات) وبين الدعوة للغرباء؟ وما هي المنهجية الصحيحة للتعامل مع حساسية العلاقة القريبة دون الإخلال بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أرجو الإطالة في الإفادة. جزاكم الله خيراً.

الإجابة 16/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أيها الداعية الحريص على أهله، وشكر الله لك صدقك في هذه المهمة الشاقة. إن دعوة الأقربين هي أولى الواجبات وأصعبها، كما قال العلماء: "إنهم يرونك في حال غضبك، ويرون تقصيرك، فيرونك بشرًا كاملاً، وهذا يقلل من قبول موعظتك".

 

إنكم تسألون عن "فقه الأولوية والكياسة في دعوة الأقربين: وهو موضوع في غاية الأهمية والضرورة، وأسأل الله أن يرزقك التوفيق في دعوتهم وأن يصلح بك الأهل والأحباب. وما سألت عنه يتضمن منهجية دعوة الأقربين والأصدقاء (الجمع بين الأولوية والكياسة)، والمنهج هنا يقوم على الفصل بين "واجب التبليغ" و"مفاسد النفرة"، مع التركيز على الدعوة الصامتة (القدوة).

 

الأصل الشرعي (أولوية الأقربين)

 

الواجب الشرعي هو البدء بدعوة الأقربين.

 

1) الإنذار الأولي: أول أمر نزل على النبي في الدعوة كان للأقربين. قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، وقد ثبت في السنة: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول".

 

2) الموازنة في الأولوية: الإقبال على دعوة الغرباء ينبغي ألّا يكون على حساب التفريط في دعوة الأقربين. الأولوية الزمنية وأولويات الجهد يجب أن تُعطى للأقربين، مع العلم أن طبيعة عملك كداعية قد تتطلب تفرغًا لدعوة الغرباء أيضًا.

 

منهجية التعامل مع حساسية القرب (الكياسة)

 

تختلف طريقة الدعوة مع القريب عن الغريب.

 

1) القدوة الصامتة (الأقوى): كن قدوة في العبادة: كن أكثرهم حرصًا على الصلاة، صدقًا في المعاملة، وبرًّا بالوالدين، وكن قدوة في المهنية: كن ناجحًا في دراستك وعملك وحياتك الاجتماعية. حين يرى القريب أن تدينك سبب سعادتك ونجاحك، سيتأثر دون كلمة منك.

 

2) النصيحة السرية جدًّا: التوجيه الفردي: إذا اضطررت للنصح المباشر في أمر كبير (كترك الصلاة)، فليكن سرًّا تمامًا، وبلطف ورفق شديدين، واستخدم صيغة "التذكير" لا "التوبيخ" (مثال: "هل تذكرت أن هذا الوقت هو وقت الصلاة؟")، وتجنب النصح الجماعي: لا تنصح قريبًا أمام أقارب آخرين لئلا تسبب له حرجًا ينفره من الدين.

 

3) استخدام "الطرف الثالث": استخدم مواد دعوية لأناس آخرين يحبهم القريب أو يثق فيهم. (مثال: أرسل له رسالة: "شاهدت هذا المقطع للداعية [فلان]، وفيه نقطة أثرت فيّ، أحببت أن تراها"، دون أن توجه له الخطاب مباشرة).

 

إدارة التوتر في العلاقة

 

1) الفصل بين العلاقة والدعوة: لا تجعل علاقتك الأسرية أو الصداقة متوقفة على استجابة المدعو لدعوتك. استمر في صلة الرحم والمحبة، حتى لو لم يستجب.

 

2) الإكثار من الدعاء والابتهال: الإكثار من الدعاء في السجود لهم بالهداية. تذكر أن قلب القريب بين يدي الله، وأن الدعاء أقوى من أي كلمة، والدليل الشرعي على ذلك أن نوحًا عليه السلام لم ينقطع عن ابنه، وقد نبه القرآن إلى الدعاء، قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾، ولم يقل أبداً: "يا قومي أنا نوح".. 

 

وختامًا:

 

أيها الداعية الرفيق، كن رحيمًا بأهلك وصبورًا عليهم. "الناس منجذبون إليك، لكن أهلك منجذبون إليك كأخ أو ابن، وليس كشيخ أو داعية" استثمر في علاقتك الإنسانية معهم، فـ "المحبة قبل الموعظة"، وكن على يقين بأنك إذا أديت واجبك بالحكمة، فقد أبرأت ذمتك.

 

وأسأل الله العظيم أن يرزقك الحكمة والرفق واللين في دعوتك لأهلك، وأن يفتح على قلوبهم، وأن يجعلك مباركًا عليهم، وأن يكتب لك أجر الصبر وحسن الخلق معهم، وأن يجمعك بهم في جنات النعيم.

 

 

روابط ذات صلة:

أهلي بيتي يصدون دعوتي.. فهل أبدأ بغيرهم؟

كيف أوازن بين الدعوة للناس وداخل بيتي؟

كيف أُوفِّق بين بيتي وعملي ودعوتي؟

المرشد الأسري.. داعية بصمت وإصلاح بالحكمة

الرابط المختصر :