الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الخطبة والعقد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
76 - رقم الاستشارة : 3144
02/11/2025
هل أتقدم للزواج رغم مسؤولياتي وأوضاعي غير المستقرة، عمري 24 سنة، وأنا مولود في دولة خليجية وأعيش فيها منذ صغري، ودرست وتعلمت فيها، والحمد لله كتب الله لي أن أفتح نشاطًا تجاريًا صغيرًا خاصًا بي، أعمل فيه ويدرّ عليَّ دخلًا أراه طيبًا برغم ما أجده فيه من تعب الحمد لله، ولا أزكي نفسي، ولكنني على قدر من الدين والعلم والأخلاق، وكذلك أحفظ كتاب الله بعدة قراءات.
لكن لديَّ مشاكل مع والديَّ في كثير من الأمور، إذ إن فهمهما قاصر لكثير من شؤون الحياة، ومؤخرًا اشتريت بيتًا في قريتنا في بلدي الأصلي، لأنني أعلم أنه مهما طال بي الوقت هنا، فقد أُرحَّل أو أترك البلد لأي طارئ، ففكرت أن يكون لي بيت خاص بي يضمن لي الأمان في مثل هذا الحال والدي لم يفكر في هذا الأمر، وللأسف أتعبنا، وتعلمت كثيرًا مما رأيته منه.
والداي يعيشان في شقة يدفعان لها إيجارًا شهريًا، وللأسف يتأخران في سداده، وقد اقترحت عليهما أن يتركا هذا البلد ويستقرا في بلدهما الأصلي في هذا البيت الجديد، وأنا أتكفل بمصاريفهما، ولكن للأسف لا يقبلان وما زالت الديون تتفاقم على والدي، وهو كبير في السن، وأنا لن أضيّع جهدي ومالي وتعبِي في إيجار شهري لا فائدة منه، ولا في بلدٍ أرى أنني قد أُطرَد منه لأتفه الأسباب في أي لحظة، أساعدهما في كثير من الأمور الأخرى، ولكنني نزعت يدي من موضوع إيجار البيت.
الآن أنا أريد الزواج، وسعيت للأمر وحاولت أن أرى إحدى قريباتي، ولكن الموضوع لم يتم، أريد الزواج، ونفسي تتوق إليه، وأخشى أن أقع في الحرام، فقد أصبحت على وشك، سعيت في البداية لأقربائي لأنني فكرت أنه لو اضطررتُ لتركها في بلدها لظروف طارئة، تكون قريبة من أهلها ولا تتعب أو تتبهذل، إضافةً إلى أنها قريبة لي، ولكن الموضوع لم يتم.
ومنذ يومين تقريبًا رشّح لي أحد الإخوة الحافظين لكتاب الله — وهو من جنسيتي — أخت زوجته، وهي من جنسية عربية أخرى، زواجه ناجح منذ ست سنوات، ولديه أولاد، وكذلك أخوه تزوج من صديقة زوجته ولديهما أولاد أيضًا، وقد حبّذوا لي هذا الأمر أنا ذاهب بعد يومين بإذن الله لرؤيتها رؤية شرعية، فهل تنصحونني أن أُقدِم في الموضوع، أم أتمهّل وأتريّث لعلّي أجد واحدة من قريباتي أو معارفنا؟ خاصةً أن حياتي حاليًا مضطربة، وعملي يحتاج مني تركيزًا وجهدًا، وهو مرهق بطبيعته، ولا أظن أن هناك وقتًا قريبًا سأهدأ فيه، فهل أُقدِم وأتوكل على الله وأبتغي الحلال الطيّب؟ أفيدوني أفادكم الله.
ابني الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
أسعدتني رسالتك فهي تنم عن شخصية ذكية تخطط لحياتها بدقة وفي الوقت ذاته وفق إطار أخلاقي وديني حاكم.
أنت شاب طموح أسست عملاً خاصًّا وأنت في هذا العمر واستطعت شراء بيت خاص بك في بلدك وتدرك احتياجاتك جيدًا، وأنت الآن بحاجة للزواج.. والزواج فطرة إنسانية حث الدين على تلبيتها وعدم تأجيلها طالما توفر الحد الآمن لإشباعها، وفي الحديث يقول النبي ﷺ: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج...".
شعورك بالتردد طبيعي، سواء لصعوبات وضغط العمل أو المشكلات المالية مع الوالد، وقلقك من الزواج من فتاة من جنسية أخرى غير بلدك مفهوم وطبيعي، ولكن هذا التردد والقلق لا يمنعك بصورة حقيقية من الزواج.. دعنا نناقش مخاوفك لعل الأمور تبدو لك أكثر وضوحًا.
مصروفات الوالدين
لعل التحدي المالي الأكبر بالنسبة لك هو تراكم الديون على والدك ورفضه ترك البلد الخليجي رغم أنه يتعثر في سداد الإيجار، ورغم أنك تساعد في كثير من الأمور فإنك نزعت نفسك من مصاريف الإيجار، ويبدو لي في قرارة نفسك أنك لا تشعر بالارتياح لا للقرار الذي أخذته ولا بشكل العلاقة مع الوالدين.
لا أخفي عليك -يا بني- أنني أشعر بالاستياء بالطريقة التي تتحدث بها عن والديك، أنت على قدر من العلم والدين والأخلاق وتحفظ كتاب الله، فهل يليق بك أن تقول عن والديك: "أن فهمهما قاصر لكثير من أمور الحياة"!!
هل لأن لهما نموذجًا مختلفا عنك في إدارة الأمور تقول ذلك؟ هل لأن والدك لم يشترِ بيتَا في بلده الأصلي تتهمه بذلك؟ هل لأنه متعثر في هذه اللحظة تتهمه بذلك؟
ألم يخطر ببالك أن والدك لم يدخر لينفق عليك وعلى إخوتك وتعيشوا موفوري الكرامة في هذا البلد؟ ألم يخطر ببالك وأنت الذي ولدت وتربيت في هذا البلد أنه بعد ربع قرن من المعيشة أصبحت بلد الغربة هي الوطن بالنسبة لهما وأن الوطن هو الذي يبدو غريبًا؟
حتى لو كان تفكيرك أفضل واستراتيجيًّا لم يكن عليك قول ذلك، وكان عليك التماس الأعذار أو المساهمة الفعالة في الحل.
هل فكرت أن تستأجر أنت شقة واسعة نسبيًّا وتستضيف والدك ووالدتك وتوفر عليهما ثمن الإيجار؟ هل فكرت في المساعدة الجزئية في دفع الإيجار حتى تتحسن الأحوال؟
أعتقد أنك بحاجة لحوار هادئ مع والديك تحاول فيه الفهم والتفهم وتساعد بشكل فعال في إدارة الحل.
أنت بحاجة لمصارحتهما بحاجتك الماسة للزواج وما قد يترتب على ذلك من التزامات مالية.. عليك أن تشركهما في الصورة حتى يدركا حدود قدراتك ويتم البحث عن حل واقعي وعادل في الوقت ذاته.
الزواج وضغط العمل
ابني الكريم، تقول إن عملك مرهق بطبيعته ويحتاج جهدًا وتركيزًا، وبالتالي فليس من المنتظر في الفترة القريبة القادمة أن تقل وطأته عليك، وأنت وعلى الرغم من انشغالك بالعمل تشعر بحاجة شديدة للزواج حد أنك تخشى على نفسك من الوقوع في الفتن، لذا فيجب ألا يكون ضغط العمل عائقًا يحول دون زواجك، فأنت كل ما تحتاجه زوجة متفهمة لظروفك وطبيعة عملك من ناحية، وإدارة جيدة منك لوقتك وأولوياتك بل وإدارة للضغوط التي تقع على عاتقك، فتوكل على الله وابتغِ الحلال الطيب.
جنسية أخرى
ابني الكريم، أنت بالفعل على موعد لرؤية شرعية مع فتاة ملتزمة ومن عائلة طيبة ومن جنسية أخرى، لذلك يجب أن تكون جادًّا وعلى قدر تحمل المسئولية وتُقيِّم الفتاة بشكل موضوعي بغض النظر عن موضوع الجنسية وإلا لما وافقت على هذه الجلسة؟ كان عليك التفكير في هذا مقدمًا.. لا يعني هذا أننا لن نضع موضوع الجنسية في الحسابات والأولويات، لكن هذا يعني أننا لن نجعل هذا يشوش على الجلسة القادمة.
ما الذي ستفكر فيه في جلسة الرؤية الشرعية؟
* جمال الفتاة، فالزواج هدفه هو العفة، ولن يتحقق هذا إلا إذا شعرت أن الفتاة كافية بالنسبة لك (فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما).
* الارتياح النفسي، وهذا يختلف عن الجمال، هو شعور بالسكينة عندما نلتقي أشخاصًا أول مرة.. لون من ألوان التلاقي الروحي.
* فكرها الديني.. يمكنك سؤالها عن رأيها في قضية دينية معاصرة، وانظر مدى توافقها أو اختلافها معك في الفكر.
* طريقة تفكير الفتاة، فمن خلال الحوار اسألها بعض الأسئلة بطريقة غير تحقيقية.. حدثها عن طبيعة عملك وما يسببه من ضغط وانظر لرد فعلها.
* حدثها أن هناك احتمالاً أن تترك بلد الإقامة وتعود لبلدك الذي تمتلك فيه بيتًا، فهل هي تقبل بذلك إن اضطرتكم الظروف؟
صلِّ بعدها يا بني صلاة استخارة ثم قم بتقييم الأمر، فإن شعرت بانشراح الصدر فتوكل على الله واخطبها، وفترة الخطبة فترة إضافية تستطيع فيها أن تتعرف عليها بشكل أوضح.
وإن كنت تشعر بالقلق، فلا بأس اعتذر بلباقة وابحث مرة أخرى عن فتاة متدينة ومن عائلة طيبة ومن بلدك الأم، فهذا قد يريحك أكثر لو أنك قمت بخطة طوارئ مستقبلية لإقامتك وعملك.. يسر الله أمرك وأصلح حالك وأسعد قلبك ورزقك بر والديك ورزقك الزوجة الصالحة التي تقر عينك بها.
روابط ذات صلة:
طموحي المهني أم الزواج.. أيهما أختار؟