<p>أنا شاب 26 سنة، والحمد لله متربي كويس وبحاول أكون بار بأهلي على قد ما أقدر، ومقدر جدًا تضحيتهم وحبهم الكبير ليا<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكن للأسف، الحب ده بيتحول لفرض سيطرة كاملة على كل قراراتي المصيرية، وبيستخدموا معايا سلاح الزعل وغضب الوالدين عشان أوافق على اختياراتهم، وده مخليني حاسس إن أنا مش عايش حياتي، أنا بعيش الخطة المرسومة بتاعتهم<span dir="LTR">.</span></p> <p>يعني مثلًا، أجبروني أدخل كلية معينة، رغم إن ميولي كانت في مجال تاني خالص. وبعد التخرج جت لي فرصة سفر للخارج مستقبلها مضمون بمرتب ممتاز، لكنهم رافضين تمامًا وبشكل قاطع، بحجة الخوف عليا والقلق المبالغ فيه!</p> <p>غير كده، لقيت بنت محترمة وعلى خُلق ودين وفيها كل المواصفات اللي ترضيني، لكنهم رفضوها لمجرد إنها من عائلة مستواها الاجتماعي أقل منا، وفي المقابل بيضغطوا عليا عشان أتجوز بنت قريبتنا اللي أنا مفيش بيني وبينها أي قبول أو تفاهم<span dir="LTR">!</span></p> <p>فهل من بر الوالدين إني لازم أسمع كلامهم في كل حاجة، حتى في المسائل المصيرية اللي بتخصني أنا لوحدي زي الشغل والسفر والزواج؟</p> <p><span dir="RTL">وإزاي أقدر أوازن بين إرضاءهم وبين إني أعيش حياتي وأختار لنفسي، بحيث إني ماقعش في ذنب العقوق ولا أضيع مستقبلي وأظلم نفسي؟</span></p>
مرحبًا بك ولدي الكريم، وأشكرك جزيل الشكر على ثقتك بنا وتواصلك معنا، سائلًا المولى -عز وجل- أن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يلهمك الرشد والصواب في أمرك كله، وأن يرزقك بر والديك على الوجه الذي يرضيه، وأن ييسر لك الخير حيث كان، وبعد...
فإني أدرك تمامًا حجم الألم والحيرة التي تعيشها، فالصراع بين بر الوالدين -وهو ركن أصيل من ديننا- وبين حقك في اختيار مسار حياتك هو صراع حقيقي ومؤلم، ويُحسَب لك يا بني إدراكك لتضحيات والديك وحبهم، فهذا هو منطلق النبلاء.
ولا شك في أن قلب والديك مليء بالحب والخوف عليك، ولكن أحيانًا كثيرة، هذا الحب الفياض يتحول إلى قلق مفرط، وهذا القلق يدفعهم إلى محاولة رسم خريطة حياتك كلها، ظنًّا منهم أنهم بذلك يحمونك من عثرات الحياة.
بر الوالدين وحدود طاعتهما
من أهم الأمور التي يجب أن أوضحها لك هي حدود طاعة الوالدين في الإسلام. فبر الوالدين واجب مقدس، وهو قرين عبادة الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]. والإحسان يشمل الطاعة في المعروف، وتجنب الإساءة إليهما بالقول أو الفعل.
ولكن، هل هذه الطاعة مطلقة وتشمل كل أمر، حتى في المسائل المصيرية الشخصية؟ الجواب الشرعي القاطع هو: لا.
إن طاعة الوالدين تكون في كل ما فيه مصلحة لهما أو لك، وليس فيه معصية لله. أما المسائل المصيرية التي تخص حياة الشاب البالغ المستقل في دينه وعقله، مثل الزواج والعمل والسكن، فالأصل فيها هو الاختيار الرشيد للابن، بعد مشاورة الوالدين.
فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والقاعدة الفقهية هي أن الحكم يختلف بين الأمور التي لا ضرر على الابن فيها، والأمور التي يترتب عليها ضرر أو فوات مصلحة عظيمة له.
- الدراسة:
فما حدث معك في أمر اختيار الكلية، رغم أنه كان فيه فوات لميولك، لكن بما أنه مضى وتخرجت منه، فنسأل الله أن يجعله خيرًا لك. لكنه يمثل مثالًا لفرض الرأي، فالأصل هو أن يختار الشاب التخصص الدراسي والعملي الذي يجد فيه نفسه ليبدع وينتج، وهذا ليس من الأمور التي تجب فيها الطاعة المطلقة، إلا إذا كان اختيار الوالدين في شيء يتعلق بصلاح دينك.
- السفر:
أما رفضهما لسفرك من باب الخوف والقلق، فهو تصرف عاطفي يُحترم، ولكنه ليس سببًا شرعيًّا يسقط حقك في السفر لطلب الرزق والمستقبل المضمون. فالسفر لطلب الرزق أمر مشروع لا حرج فيه.
- الزواج:
ورفضهما للفتاة التي اخترتها للزواج، لمجرد أنهما يرون تفاوتًا بينكما في المستوى الاجتماعي وضغطهما عليك للزواج بغيرها دون قبول منك، هو لب المشكلة التي يجب أن تقف عندها بشدة ولكن بحكمة.
فالزواج حقك واختيارك، والأصل الشرعي هو أن القرار الأول والأخير في الزواج هو للشاب والفتاة المعنيين. فلا يحق للوالدين إجبار الابن على الزواج بمن لا يريدها، أو منعه من الزواج بمن يريدها، ما دامت ذات دين وخلق. ودينها وخلقها أهم من حسبها ونسبها وغناها، ولقد بيَّن لنا النبي الكريم ضابط اختيار الزوجة: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» [رواه البخاري].
إن الزواج دون قبول أو تفاهم هو مشروع فشل وظلم للنفس وللطرف الآخر. فلا تظلم نفسك ولا قريبتك بالزواج دون اقتناع، فالزواج مودة ورحمة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]. والزواج إجبارًا لا يورث السكن والمودة؛ بل يورث الشقاق.
كيف تتعامل مع تحكمات والديك؟
- ناقشهما بـ«تطمينات»: لا تقل لهما «سأسافر» وحسب؛ بل قدم لهم خطة واضحة ومفصلة عن العمل والراتب ومكان السكن، وطريقة تواصلك الدائم معهما.
- استحضر لهما نماذج إيجابية: اذكر لهما قصصًا لأبناء سافروا وبقوا بارين بآبائهم، بل أصبحوا عونًا وسندًا لهم ماديًّا ومعنويًّا.
- استخدم الترغيب: بيِّن لهم أن نجاحك في الخارج يعني تأمين مستقبلك ومستقبلهما بشكل أفضل.
كيف توازن دون عقوق ولا ضياع؟
الموازنة يا بني تكمن في ثلاثة محاور:
1. من الطاعة المطلقة إلى الإحسان:
في حالة تعارض رغبتك في أمر مصيري مع رغبتهما، عليك الانتقال من مرحلة الطاعة المطلقة العمياء إلى مرحلة «الإحسان»، وهو أوسع وأشمل من الطاعة.
- الإحسان في القول: لا ترفع صوتك، ولا تستخدم عبارات الرفض القاطع بحدة. استخدم عبارات مثل: «أتفهم قلقكما، ولكن...»، «أنا أحترم رأيكما، ولكن أرى أن مصلحتي في...»، وتذكر قول الله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].
- الإحسان في الفعل: استمر في خدمتهما وقضاء حوائجهما، والتقرب إليهما بالهدايا والحديث الودي. هذا سيُليِّن قلوبهم وسيشعرهم بأنك لم تتخلَّ عنهم بسبب قراراتك.
2. الحوار الهادئ:
لا تيأس من محاولة إقناعهما. ووسِّط بينك وبينهما من يثقان فيه ويحترمان رأيه، كعم أو خال أو صديق للعائلة، ليشرح لهما وجهة نظرك بحكمة.
وفي مسألة الزواج والسفر، إذا لم يقتنعا، فأعلن موقفك الثابت بوضوح ولكن بأدب: «لن أتزوج من لا أُحب حتى لا أظلمها وأظلم نفسي، ولن أسافر دون إذنكما، ولن أتزوج إلا من أريدها». واجعل الأمر يمر ببطء حتى يعتادا على فكرة استقلالية قرارك.
3. اللجوء إلى الله تعالى:
في كل خطوة تخطوها، خصوصًا في الزواج والسفر، استعن بالله، فصلِّ صلاة الاستخارة، وإذا شرح الله صدرك لشيء، فامضِ فيه، وتوكل على الله، ثم برِّر لوالديك قرارك بهدوء. فبرُّك ليس رهنًا بتلبية كل رغباتهما؛ بل في إحسانك إليهما بعد اتخاذ قرارك.
وختامًا يا ولدي، كن شجاعًا وحكيمًا في آن واحد. حقك في حياة خاصة مبنية على اختياراتك هو حق أصيل منحه الله لك، ونجاحك في حياتك هو أيضًا جزء من برِّك بوالديك، لأنه يريحهما من القلق على مستقبلك.
ابدأ بالحوار، لا بالصدام. اشرح لهم أنك لم تعد طفلًا، وأنك قادر على تحمل المسؤولية. تذكر دائمًا أن حبل المودة لا ينقطع مهما اختلفت وجهات النظر. ادعُ لهم بصدق، وخذ بأسباب الإقناع، فإذا لم يقتنعوا في النهاية، فاتخذ قرارك المصيري بهدوء وأدب، واستمر في برهما والإحسان إليهما.
وفقك الله وسدد خطاك، وجعل لك من أمرك رشدًا.
روابط ذات صلة:
مخالفة الوالدين في تسمية الولد
أيهما أولى خدمة الوالدين أم الجهاد في سبيل الله؟
بين بري لأمي وعلاقتي بزوجة أبي.. أقف حائرة!!