ما هي فلسفة العيد في الأديان؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 6729
  • رقم الاستشارة : 1450
27/03/2025

ما فلسفة العيد في الأديان والإسلام؟ وهل الأعياد باعتبارها من شعائر الأديان لها أبعاد فلسفية؟

الإجابة 27/03/2025

منذ أول احتفال للمسلمين بعيد الفطر في العام الثاني من الهجرة، والعيد يحتل مكانته في وجدان المسلمين، ولكن العيد بالنسبة للمسلمين ليس جانبًا احتفاليًّا، ولكن تكمن وراءه فلسفة عميقة غيّرت مفهوم الاحتفال والابتهاج من الارتباط بالحصاد والأمطار والخصب والنماء، إلى مجال آخر هو الانتصار على النفس وامتلاك الإرادة، والتحرر من الخضوع لعالم الأشياء؛ لذا جاءت الأعياد في الإسلام بعد عبادة شاقة كالصوم والحج.

 

وقد اقتضت سنة الله تعالى في الأعياد الدينية الكبرى كما يقول العقاد: "أن تأتي بعد فترة يمتحن فيها الإنسان في فضيلتين من ألزم الفضائل له في حياته الخاصة وحياته العامة، وهما التضحية وضبط النفس"، ويقول مصطفى صادق الرافعي، في كتابه "وحي القلم": "العيد في الإسلام هو عيد الفكرة العابدة".

 

فالعيد هو موسم الفرح؛ لأن الإنسان نجح في المجاهدة وارتقى عن مرتبة الغرائز والشهوات إلى مرتبة امتلاك الإرادة في الفعل والكرامة والحرية، والقدرة على مقاومة حاجات الطبيعة في نفسه وجسده، ومغالبة الجوع والشهوة بنفس راضية، وما دام المسلم نجح في تحقيق ذاته وإرادته في الصوم، وأثبت هذا النجاح على مدى ثلاثين يومًا، حق له أن يقيم يومًا للاحتفال بتحقيق إنسانيته.

 

كلمة العيد لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة في الحديث عن مطلب الحواريين من عيسى عليه السلام أن ينزل عليهم مائدة من السماء، يأكلون منها ويجعلون من يوم نزولها عيدًا لهم على مدار الزمان، يقول أهل اللغة كما يذكر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب: "والعيد في اللغة اسم لما عاد إليك في وقت معلوم، واشتقاقه من عاد يعود فأصله هو العود، فسُمِّي العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح جديد".

 

العيد في تاريخ الإنسان

 

الاحتفال بالأعياد من الأمور الفطرية التي أجمعت عليها البشرية على اختلاف الأديان والأجناس والبلدان، فلا توجد أمة ولا جماعة ولا دين بلا عيد، وقد ارتبطت فكرة احتفال الإنسان بالعيد بتطورين كبيرين:

 

الأول: استقرار المجتمعات البشرية في شكل تجمعات مستقرة تحترف الزراعة في الأساس.

 

الثاني: توصل الإنسان إلى التقويم الفلكي ومعرفته أوقات الزراعة وفصول السنة ومواعيد الخصب والحصاد.

 

وأدى تفاعل هذين التطورين إلى ارتباط احتفالات الإنسان بالعيد بمواسم الخصب والنماء والحصاد ومواسم الزراعة واعتدال المناخ ووفرة الأرزاق.

 

ومن هنا كانت أعياد بني إسرائيل توافق مواسم الاعتدال الربيعي كما في عيد الفصح، أو توافق موسم الحصاد كما في عيد "المظال"، أو تساوي النهار على الليل كما في عيد النور.

 

وقد عرف العرب -قبل الإسلام- الأعياد إذ كانوا يصومون من أسبوع إلى أسبوعين في موعد الانقلاب الصيفي الذي يوافق شهر القيظ أو شهر رمضان، وكان هؤلاء يصفون شهر رمضان بأنه شهر "الناطل" الذي يدل على كثرة إنتاج النوق من الألبان، أو شهر "الناتق" الذي يدل على كثرة إنتاج الإبل في الولادة والتكاثر.

 

أما الهنود فربطوا احتفالهم بالعيد بالسلامة والشفاء من الأمراض والآفات والشرور، فكان هناك عيد السلامة من الجدري والحصبة، إضافة إلى أنواع أخرى من الأعياد ارتبطت بالآلة والأداة التي يستخدمها الصانع في صناعته، فكان هناك مثلا عيد المغزل.

 

وعندما جاءت الأديان السماوية استطاعت أن تُخرج العيد من ارتباطه بالزراعة والحصاد وسلامة الأبدان إلى معاني الخلاص وانتصار الإرادة والتضحية، وكان هذا الارتقاء بالعيد من المادية إلى الروحانية ذا أثر بالغ في إضفاء صبغة من المقاصد العليا التي تناسب الإنسان في الاحتفال بالعيد، ليحتفل بروحه وضميره قبل معدته وجسده.

 

وللأعياد جانب مقدس معتبر في الأديان، فهو وسيلة تعزز الهوية والانتماء وتدعم علاقات الترابط في المجتمع، لكنّ الجانب الهوياتي في العيد ذو دلالة مهمة؛ لأن الناس تعبر عن رموزها ومعتقدها وكذلك جانب من سلوكياتها الدينية في العيد.

 

وقد حاولت بعض الاتجاهات المادية أخذ الاحتفال بالعيد عن طابعه الديني والشعائري، نحو احتفالات سطحية تركز على القشور بلا روحانية؛ فمثلا الفيلسوف "جون جاك روسو" تحدث عن الاحتفال كبديل للعيد الديني، فقال: "اغرس عمودًا مزينًا بالزهور في وسط مكان مفتوح، واجمع الناس معًا، وستحصل على احتفال"، لكن الفيلسوف الألماني الكاثوليكي "جوزيف بيبر" (المتوفى: 1997م) رأى في هذا الرأي سذاجة وسطحية؛ لأن العيد يختلف عن العطلة.

 

الاحتفال بالعيد أحد الطقوس التي تقاوم الفلسفة العدمية، تلك الفلسفة التي لا تؤمن بالخالق سبحانه، ولا ترى غاية للإنسان في الوجود، وتدعو للتدمير، أما العيد فهو مساحة من الأمل والمعنى في حياة الإنسان، والاحتفال به دليل على توقع الخير والاستبشار.

الرابط المختصر :