الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
264 - رقم الاستشارة : 1168
01/03/2025
وايد يشغل بالي موضوع قبول أعمالي عند الله، خصوصًا مع بداية رمضان، دايمًا أحاتي وأخاف إن عباداتي ما تنقبل، وأحس إني مقصر، سواء من ناحية عدد العبادات اللي أسويها أو جودتها وإخلاصي فيها. يزيد هالشعور إني كنت واقع في بعض الذنوب، ومع إني تبت عن بعضها - والحمد لله - وأحاول أجاهد نفسي بالباجي، إلا إنه أحيانًا لما ألتزم وأجتهد في الطاعة، تجيني وساوس إن الله يمكن ما يقبل مني، فيخليني هذا الشعور أتراخى وأتكاسل عن العبادة. شلون أقدر أتغلب على هالمشاعر وأتعامل معاها بطريقة صحيحة عشان أواصل سعيي لرضا الله بدون ما يأثر هالقلق علي؟
مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وبارك الله لك في حرصك على قبول أعمالك عند الله، فهذا في حد ذاته علامة خير، ودليل على حياة قلبك، وبعد...
فإن قبول الأعمال عند الله هو من أشرف ما يسعى إليه المؤمن، وهو غاية العبادات وثمرة الطاعات، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27]. وهذه الآية تبعث في القلب رجاءً وأملًا، فما دام العبد يسعى في التقوى والإخلاص، فإن الله أكرم وأرحم من أن يرده خائبًا.
وتعالَ نتناول ما طرحته في عدة نقاط:
أولًا- الشعور بالتقصير بين الخوف والرجاء
شعورك بالتقصير والخوف من عدم القبول هو شعور محمود إن كان دافعًا لك لمزيد من الاجتهاد والحرص على الإخلاص، ولكن إن تحوَّل إلى قلق يثبط عزيمتك أو يمنعك من الطاعة، فهنا يحتاج الأمر إلى تصحيح.
وقد كان السلف الصالح أشد الناس خوفًا من عدم القبول، حتى روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: «كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا من العمل، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)».
لكن هذا الخوف ينبغي ألا يتحول إلى وسواس يقعدك عن الطاعة، بل ينبغي أن يُرافقه حسن ظن بالله، كما في الحديث القدسي: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي» [رواه البخاري]. فاجعل ظنك بالله حسنًا، وأحسن العمل، والله لن يضيع أجرك.
ثانيًا- هل قلة العبادات تؤثر على القبول؟
لعلك تقصد بقلة العبادات هنا تقصيرك في النوافل؛ لأن الفرائض ينبغي ألا ننتقص أبدًا من عددها شيئًا؛ إلا بدليل ورخصة. وعمومًا ليست العبرة بكثرة العبادات فقط، وإنما بإخلاصها وصدقها. تأمل قول النبي ﷺ: «سبق درهم مائة ألف درهم» [رواه النسائي]، فالعبرة بصدق القلب لا بكمية العمل. قد تكون ركعتان بخشوع وخضوع خيرًا من قيام ليلة بقلب غافل.
لذلك، لا تحتقر عبادتك، فالله ينظر إلى قلبك وجهدك، وليس فقط إلى مقدار ما تقوم به.
ثالثًا- ماذا عن الإخلاص؟
الإخلاص هو مفتاح القبول، وهو أمر يحتاج إلى مجاهدة. لكن تذكَّر أن الله كريم، لا يعذب عبدًا يجاهد نفسه ليكون صادقًا معه. قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69]. فاستمر في نيتك الصادقة، ولا تدع الوساوس تحبطك.
رابعًا- ماذا عن الذنوب الماضية؟
ما دمت قد تُبت، فلا تُقعدك ولا تحبطك الذنوب السابقة، ولا تلتفت إليها إلا للندم والعزم على الاستدراك؛ فالله غفور رحيم. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222]. ويقول النبي ﷺ: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» [رواه ابن ماجة].
خامسًا- كيف تتعامل مع الوساوس؟
إذا جاءتك وساوس بأن الله لن يقبل منك، فاعلم أن هذا من الشيطان يريد تثبيطك. ولذا، لا تسترسل مع هذه الوساوس، بل استعن بالله، واستغفر، واستمر في العمل الصالح، قال الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر: 6].
سادسًا: كيف تحافظ على الاستمرارية؟
للمواصلة في الطاعة دون أن يثبطك القلق، إليك بعض الأمور العملية:
1- الاستعانة بالله والدعاء: اسأل الله القبول بصدق، واسأله الإخلاص، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته.
2- التركيز على العبادات القلبية: الإخلاص، والخشوع، وحسن الظن بالله، فكلها تزيد من جودة عبادتك وتطمئن قلبك.
3- التدرج وعدم تحميل النفس ما لا تطيق: لا تُلزم نفسك بما يفوق طاقتك، حتى لا تمل سريعًا وتفتر همتك.
4- الصحبة الصالحة: لتجد من يعينك على الطاعة، ويذكِّرك بالله دائمًا.
5- عدم مقارنة نفسك بالآخرين: فالله يعامل كل إنسان حسب طاقته هو ووسعه هو وإيمانه هو ونيته هو؛ لذا فلكل منا ميزان يخصه عند الله، فاشغل نفسك بنفسك، وما بينك وبين ربك، ولا تنظر إلى أعمال غيرك ممن هو أفضل منك إلا على سبيل التأسي به حسب الاستطاعة، ولا إلى من يبدو أقل منك إلا على سبيل الاتعاظ والاعتبار.
وختامًا -أيها الحبيب- ثق برحمة الله، واستمر في السعي، ولا تلتفت للوساوس، وتذكَّر أن الله كريم، أرحم بنا من أنفسنا. ما دمت تسأل الله القبول وتسعى إليه، فهذه علامة خير، فاستمر واسأل الله الثبات، وأبشر، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
أسأل الله أن يرزقك الطمأنينة والقبول، وأن يعينك على طاعته في رمضان، وأن يكتب لك فيه براءة من النفاق وعتقًا من النار. آمين. ولا تنسنا في دعائك.