الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
122 - رقم الاستشارة : 1681
19/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرًا على هذا الموقع المبارك، وأسأل الله أن يجعل ما تقدمونه في ميزان حسناتكم.
أنا طالبة جامعية في رحلة سعيٍ جادّة للتقرّب من الله تعالى، وأسأله أن يثبتني ويزيدني هدى ونورًا. منذ مدة وأنا أحرص على قراءة القرآن بتدبّر، وأشعر أنه صار رفيق قلبي في محطات كثيرة من حياتي.
وخلال قراءتي لبعض الآيات، لفتني قول الله تعالى عن الملائكة أنهم «يستغفرون للذين آمنوا»، وكم تأثرت بهذا المعنى الجليل! أن يكون هناك مخلوقات من نور، لا يعصون الله ما أمرهم، يدعون لي وأنا لا أشعر. هذا أمر يملأ القلب طمأنينة وحياء في الوقت نفسه.
لكن هذا الخاطر طرح في نفسي سؤالًا: كيف أكون من أولئك الذين تدعو لهم الملائكة؟
هل هناك أعمال أو صفات أو حالات خاصة تُحرّك دعاء الملائكة للمؤمن؟
وهل ورد في القرآن أو السنة ما يبيِّن متى يدعون؟
أرجو منكم توضيح ذلك لي، لعلّ الله يفتح لي بها بابًا من القرب إليه.
جزاكم الله عنّا خير الجزاء.
ابنتي الغالية، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وجزاكِ الله خيرًا على رسالتك الرائعة وأسئلتك النافعة، التي نطقتْ عن قلبٍ حيٍّ نابضٍ بالإيمان، وسعيٍ مباركٍ للقُرب من الرحمن. أسأل الله أن يجعلكِ من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصَّته، وأن يثبِّت قدمكِ في درب النور، ويزيدكِ رشدًا وهُدى، ويُفيض عليك من واسع رحمته وفضله، وبعد...
ابنتي المباركة، حين يتأمَّل القلبُ المؤمن آياتِ الله، تتفتَّح في داخله نوافذ على الغيب، ويبدأ السماع بأذن الروح، ويبصر بنور البصيرة. ووقوفكِ عند هذا المعنى الجليل -أن الملائكة تستغفر لكِ- يدل على إحساسٍ إيمانيٍّ راقٍ، فسبحان الله! ملائكةٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، مشغولون بأمرٍ عظيم من أجلكِ: يدعون لك، ويستغفرون! نعم، لكِ أنتِ... وأنتِ قد لا تشعرين.
دعاء الملائكة للمؤمنين حقيقة قرآنية
إن الآية التي فتحت لكِ باب هذا التأمل، هي قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: 7]، وتأملي يا ابنتي، من هؤلاء الملائكة؟ إنهم أشرفُهم، حملةُ العرش، ومن حوله من المقربين، هؤلاء يسبِّحون ويؤمنون ويستغفرون! ولمن؟ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾.
ثم يستعرض القرآن نصَّ دعائهم: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وعَدتَّهُمْ ومَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وأَزْوَاجِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ إنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [غافر: 7 و8].
فأنتِ أمام دعاء شامل، يستغفر، ويشفع، ويرجو الجنة، ويحوط المؤمنين وأهليهم، ويدعو لهم بكل خير.
من الذين تدعو الملائكة لهم وتستغفر؟
ابنتي الفاضلة، إن الملائكة تدعو وتستغفر لكلِّ مؤمن؛ لكنّ هناك مواطن خاصة، وأعمالًا بعينها، تجعلهم يخصُّونكِ بالدعاء والاستغفار بين يدي الله، منها:
1- التوبة واتباع سبيل الله
كما في آية سورة غافر السابقة، يقول الملائكة: ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾؛ فالاستغفار هدية من الملائكة للذين تابوا، وصدقوا، وساروا في طريق الطاعة.
2- تعليم الخير للناس
فقد قال ﷺ: «إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ» [رواه الترمذي]. والمراد بصلاة الله ثناؤه جل وعلا ورحمته، وصلاة الملائكة وغيرهم الدعاء، فاحرصي على سلوك سبيل دعوة الناس إلى الله، وتعليمهم الخير بكل أنواعه، دينيا ودنيويا، لتنالي هذا الفضل الكبير.
3- صلاة الجماعة في الصف الأول
قال ﷺ: «إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ يصلُّونَ على الصَّفِّ الأوَّلِ» [رواه ابن ماجة]. فالمبادر لصلاة الجماعة، الساعي ليكون في الصف الأول، تحوطه الملائكة دعاءً وصلاة.
4- المكث في المصلَّى بعد الصلاة
قال ﷺ: «المَلَائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دَامَ في مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فِيهِ، ما لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» [رواه البخاري]. فمن جلس بعد صلاته للذكر أو التفكُّر، أرسلت الملائكة دعواتها إليه.
5- الصلاة على النبي ﷺ
قال ﷺ: «ما مِنْ عبدٍ يُصَلِّي علَيَّ إلَّا صَلَّتْ عليه الملائكةُ، ما دامَ يُصَلِّي علَيَّ، فلْيُقِلَّ العبدُ مِنْ ذلِكَ، أوْ لِيُكْثِرْ» [رواه ابن ماجة]. فكل مرة تصلين فيها على النبي ﷺ تنشط الملائكة للدعاء لك.
6- زيارة المرضى:
فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: «ما مِن رجلٍ يعودُ مريضًا مُمسيًا، إلَّا خرجَ معَهُ سَبعونَ ألفَ ملَكٍ يستَغفرونَ لَهُ حتَّى يُصْبِحَ، وَكانَ لَهُ خريفٌ (بستان) في الجنَّةِ، ومن أتاهُ مُصبحًا، خرجَ معَهُ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يستغفرونَ لَهُ حتَّى يُمْسيَ، وَكانَ لَهُ خَريفٌ في الجنَّةِ» [رواه أبو داود]. فاحرصي على زيارة مَن تعرفين من المرضى، لتنالي هذا الفضل العظيم.
كيف أكون من الذين تُحبّهم الملائكة وتدعو لهم باستمرار؟
ابنتي الكريمة، إنَّ الملائكة تحب الأماكن الطيبة الطاهرة، وترافق أهل الذكر والنقاء. فإذا أردتِ أن يُحبوك وتنالي دعاءهم باستمرار، يدعوا لك صبح قلبكِ مأهولًا بهم، فعليك بالآتي:
- نقاء النية، وصدق الإقبال على الله.
- صحبة القرآن بالتدبّر والعمل.
- الخشوع في الصلاة، والمكث بعدها.
- الدعاء للناس بالخير، فإن الملَك يقول: «ولك بمثل».
- التسبيح والاستغفار والتوبة المستمرة.
- المحافظة على طهارة ونظافة البدن والمكان.
- حين تقرئين: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾، قولي: اللهم اجعلني منهم، وارزقني نصيبًا من هذا الدعاء الطاهر.
وختامًا -يا ابنتي- لا تستهيني أبدًا بخاطرة أشرقتْ في قلبكِ أثناء تدبُّركِ، فلعلَّها نفحة من نفحات الرحمن، ترتقي بك، وتزيد إيمانك، كتلك الخاطرة الطيبة التي شاركتِها معنا،
أسأل الله أن يفتح لكِ أبواب رحمته، وأن يُسمَع اسمُكِ في السماوات دعاءً جميلًا من ملائكته، وأن يكتبكِ من أهله وخاصته، الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.