Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 128
  • رقم الاستشارة : 1658
19/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ الكريم، جزاكم الله خيرًا على وقتكم.

أعاني من ضعف الإرادة في تنظيم نومي، رغم معرفتي بأهمية النوم المبكر على صحتي وقدرتي على العبادة. أعزم على النوم مبكرًا، لكنني أضعف وأستسلم للسهر، خاصة مع الجوال، وأحيانًا دون سبب واضح. يتسبب ذلك في تأخري عن صلاة الفجر وأحيانًا عن قيام الليل، مما يسبب لي ضيقًا شديدًا.

سؤالي: كيف أضبط نفسي وأقوّي إرادتي بنية إرضاء الله؟

هل السهر دون حاجة يُعد من الإسراف أو الإعراض؟

ما هو السبيل الشرعي لتثبيت الإرادة أمام المغريات اليومية؟

بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة 19/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بك أيها السائل الكريم، وجزاك الله خيرًا على مراسلتك وثقتك بنا، وعلى حرصك الصادق على تهذيب نفسك، وتنظيم وقتك، والسمو بهمَّتك إلى مراد الله عز وجل.

 

أسأل الله العظيم، الذي جمعنا وإياك على محبته، أن يجعل هذه الكلمات سببًا في صلاح قلبك وثباتك، وأن يملأ حياتك بركة وسكينة، ويعينك على ذكره وشكره وحُسن عبادته، ويرزقك علوّ الهمة وصدق العزيمة، وبعد...

 

الإرادة طريق السير إلى الله

 

أخي المبارك، ما سألتَ عنه نابعٌ من قلب حيٍّ، ونفس لوَّامة تريد أن تتطهَّر وتستقيم. وكفى بهذا علامة خير. فشعورك بالتقصير، وتألمك من فوات صلاة الفجر وقيام الليل، هو بإذن الله من الإيمان؛ إذ قال النبي ﷺ: «من سرَّتْهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سيِّئتُهُ فهو مؤمنٌ» [رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني].

 

وما دمتَ تسأل: كيف أضبط نفسي وأقوي إرادتي بنية إرضاء الله؟ فأبشر، فقد وضعت قدمك على الطريق، والطريق -وإن كان طويلاً- فإن الله يعين من أقبل عليه بصدق. وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69].

 

كيف تضبط نفسك وتقوِّي إرادتك؟

 

الإرادة يا أخي هي ثمرة المحبة، وإذا عظُمت المحبة في القلب قويت الإرادة. فإذا أردتَ أن تقوِّي إرادتك، فلا تشتغل أوّلًا بتقوية النفس؛ بل اشتغل بتقوية المحبَّة لله، وتعظيمه في قلبك.

 

حين تستشعر أن نومك مبكرًا هو طاعة لله، وأنك بذلك تُهيِّئ نفسك لقيام الليل ولفجرٍ حاضرٍ في المسجد، فإنك تنام؛ لا لأنك متعب، بل لأنك تحب الله، وتريد أن تُرضيه، فتغلب شهوة السهر بحب الطاعة.

 

قال الله تعالى: ﴿قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وأَبْنَاؤُكُمْ وإخْوَانُكُمْ وأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ومَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24]، أي أن حبّ الله مقدَّمٌ على كل محبوب، ومن غلب حبه لأي شيء أو شخص حبَّ الله، كان في خطر.

 

إذًا، اجعل كل نية لتنظيم لنومك، وترك للجوال، وتحديد لوقتك: الطاعة لا الراحة، والحب لا التنظيم فقط. قل لنفسك: أنا أترك هاتفي الآن حبًّا لله، وأغالب النعاس حبًّا لله، وأقوم للفجر حبًّا لله. وفي كل مرة تقاوم السهر، أخبر قلبك أن هذا جهاد. والله لا يُضيع جهاد المحبين.

 

هل السهر دون حاجة يُعد إسرافًا وإعراضًا؟

 

نعم يا أخي الفاضل، السهر الطويل دون فائدة، لا سيما إن أدى إلى فوات الواجبات، هو من صور الإسراف في استعمال الوقت والعمر، وقد نهى الله عن ذلك. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 141]. والإسراف لا يكون في المال فقط، بل في كل نعمة، ومن أعظمها نعمة العمر والوقت.

 

أما الإعراض، فمتى كان السهر سببًا في الإعراض عن ذكر الله، وعن الصلاة، فهو داخل في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [طه: 124].

 

والضيق الذي تشعر به بعد فوات صلاة الفجر أو قيام الليل، هو أثر من آثار هذا الإعراض؛ فالمؤمن لا يسعد إلا بالقرب، وكل بُعدٍ عن الله يُورثه كدرًا وضيقًا في الصدر.

 

السبيل لتثبيت الإرادة

 

المغريات –خصوصًا فيما يخص الهواتف والشاشات– هي فتنة هذا العصر، وكما قال النبي ﷺ: «إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ» [رواه مسلم].

 

وإليك هذه السُّبل العملية لتثبيت إرادتك:

 

1- الاستعانة بالله على نفسك

 

قال الله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، فابدأ كل ليلتك بدعاء صادق: اللهم أعنِّي على نفسي، وقوِّ عزيمتي، وخذ بناصيتي إلى ما تحب وترضى.

 

ولا تستهن بهذا الدعاء، فقد قال ﷺ: «احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ» [رواه مسلم].

 

2- التدرج في المجاهدة

 

لا تتوقع أنك ستترك السهر كلِّيًا من أول مرة، ولكن خذ الطريق بالتدريج، مثلاً:

 

- ضع وقتًا ثابتًا لغلق الجوال (9 أو 10 مساءً).

 

- قلِّل من الإضاءة، فالضوء الشديد يُبقي الدماغ يقظًا.

 

- جهِّز مكان نومك وملابس النوم قبل الساعة المحددة، كأنك تستعد لعبادة.

 

- قل لنفسك: كل دقيقة سهر بعد الموعد هي خسارة من رصيد عبادتي غدًا.

 

3- ضبط العادات النهارية

 

من المهم أن تُراقب نفسك نهارًا:

 

- هل تأخذ قسطًا من الراحة؟

 

- هل تتناول المنبِّهات مساء؟

 

- هل ترهق نفسك بأنشطة متأخرة؟

 

إن الإرادة لا تُبنى في الليل فقط؛ بل هي حصيلة اليوم كله.

 

4- صحبة صالحة تنبِّهك

 

إن استطعت أن تتفق مع أخ لك أو جار، على أن يذكِّرك بالنوم مبكرًا أو بصلاة الفجر، أو أن تتواصيا على قيام الليل، فهذا باب خير، يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود].

 

5- استحضار النية الصادقة عند النوم

 

حين تضطجع، اجعل نيتك أن يكون نومك مبكرًا عبادة، وقل كما علَّمنا الحبيب ﷺ: «باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا» [رواه البخاري].

 

وختامًا -أخي الكريم- كلما جاءك الهوى يهمس في أذنك: "ابقَ قليلاً، شاهد قليلاً، لا بأس بتأخير النوم قليلًا"، تذكَّر يومًا ستتمنَّى فيه فجرًا حضرته، أو ركعةً قمت بها ليلًا لله، فاختر ما يُرضي الله اليوم يكن لك غدًا نورًا في قبرك وفي عرصات القيامة.

 

أخي الحبيب، ما دمتَ صادق النية، وتسعى نحو رضا الله، فأبشر، فإن الطريق موصل، وإن تعثَّر السائر. لا تيأس من لحظة ضعف، ولا تستسلم لهزيمة مؤقتة، وقل دائمًا: اللهم اجعلني لك كما تُحب، وإذا رضيتَ فثبِّتني على رضاك.

 

بارك الله فيك، وشرح صدرك، وقوَّى إرادتك، وبلَّغك مرادك من الطاعة، وجعل قيامك ونومك وقعودك كلَّه في ميزانك يوم تلقاه.

الرابط المختصر :