الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : روح العبادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
90 - رقم الاستشارة : 2550
30/08/2025
بحاول ألتزم وأقرب من ربنا قدر الإمكان، لكن بلاقي جوايا شعور كده بالفخر والرضا عن نفسي، لما أصلي في الوقت جماعة، وأحافظ على ورد القرآن، أو أعمل أي عمل خير سواء في العبادة أو لأي حد من الناس، كأني عملت إنجاز عظيم. ساعات كمان ببص للناس اللي حواليا، سواء في الشغل أو في الجامعة، ولما أشوفهم مقصرين في الحاجات اللي باعملها، أقول في سري: "أكيد أنا أفضل منهم عند ربنا"، ويزيد جوايا شعور الفخر.
أنا عارف إن الشعور ده غلط، وإن اسمه العُجب، بس بحاول أدفعه عن نفسي وأستغفر، لكنه بيرجع تاني.
فإزاي أقدر أفصل بين الفرح بالطاعة والعُجب اللي ممكن يفسد عملي؟ وأعمل إيه لما أحس الإحساس ده؟
مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وشكرًا جزيلًا لك على ثقتك بنا وتواصلك معنا، وأسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يتقبل منك صالح أعمالك، وأن يطهِّر قلبك من كل ما يكدر صفو إيمانك، وأن يجعلك من أحب عباده إليه، وبعد...
فإنك -أخي الفاضل- في صراع داخلي فطري يواجهه كل سالك لطريق الله؛ صراع بين النفس الأمارة بالسوء التي تحاول أن تسيطر عليك من مدخل العُجب، وبين النفس اللوامة التي تحميك وتدفعك لتصحيح المسار والعودة إلى الله. وكذلك هي إحدى حيل الشيطان التي يحاول أن يحبط بها عمل المؤمن، فيجعله يرى عمله ويعجب به، ويغفل عن حقيقة توفيق الله له، وما يستوجبه من إخلاص العبادة له سبحانه.
ولتحمد الله يا أخي أن وفقك لهذه الوقفة مع هذا الشعور، فمجرد إدراكك له ومحاولتك التخلص منه هو بحد ذاته جهاد عظيم، وتلك أول خطوة لتطهير القلب وتزكية النفس.
خيط رفيع
إن سؤالك عن كيف تفرِّق بين الفرح بالطاعة والعُجب؟ يكشف عن فطنة ووعي، والأمر فعلًا أشبه بخيط رفيع يفصل بين شعورين متناقضين:
الفرح بالطاعة: هو شعور إيماني راقٍ، ناتج عن توفيق الله لك. هو فرح بفضل الله وكرمه، فرح بأن الله اختارك لتكون من عباده الطائعين. هذا الشعور يدفعك إلى الشكر والاستزادة من الطاعة، ويزيدك قربًا من الله. وكما قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، فالفرح هنا هو بفضل الله وحده، لا بقدرتك ولا بجهدك.
أما العُجب: فهو شعور مَرَضي، نابع من تقدير النفس والإعجاب بالذات. هو شعور بأنك أنت من قمت بالعمل العظيم بجهدك وقوتك، دون أن تنسب الفضل لله. هذا الشعور يدفعك إلى رؤية نفسك أفضل من الآخرين، ويورثك الكبر والتعالي. وقد حذرنا منه النبي ﷺ حيث قال: «ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» [رواه الطبراني في الأوسط].
ولتبسيط الأمر، تخيل أنك طالب نجحت بتفوق؛ الفرح الإيماني هو أن تقول: «الحمد لله الذي وفقني وأعانني وسهَّل لي هذا النجاح»، فتنظر إلى النجاح على أنه توفيق منه سبحانه. أما العُجب فهو أن تقول: «أنا نجحت بتفوق لأنني مجتهد وذكي، ذاكرت وتعبت، فأنا أفضل من زملائي الذين لم ينجحوا». فتنظر إلى النجاح على أنه إنجاز شخصي محض، وتنسى فضل الله وتوفيقه.
وهكذا هو الأمر في الطاعة، فالعُجب يرد الطاعة على صاحبها غير مقبولة، بل يجعلها وبالًا عليه؛ لأنها تتحول من وسيلة للتقرب إلى الله إلى وسيلة للتعاظم والتفاخر والرياء والسمعة.
كيف تتعامل مع هذا الشعور؟
ما تصفه من شعور العُجب إذا لم تعالجه فقد يتفاقم ويورثك آفات أخرى كالغرور والكبر والرياء. ولكن العلاج يسير لمن يسَّره الله له. فإليك بعض النصائح العملية للتغلب على هذا الشعور:
1- استشعر فضل الله عليك دائمًا:
دائمًا حدث نفسك بأن الطاعة التي تقوم بها هي بفضل الله عليك وحده، ولولا توفيقه لما قمت بها. كلما أحسست بفخر بالطاعة، قل لنفسك: «لولا أن الله أيقظني لما صليت، ولولا أن الله وفقني لما قرأت، ولولا أن الله يسَّر لي لما ساهمت في الخير».
2- تذكَّر عيوبك وتقصيرك:
لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، فالنظر إلى عيوب النفس وتقصيرها يبعدك عن رؤية نفسك أفضل من الآخرين. فكِّر في ذنوب الخلوات التي لا يعلمها إلا الله، وفي لحظات الغفلة، وفي تقصيرك في حق من حولك. هذا التذكير المستمر يجعلك ترى نفسك محتاجًا إلى رحمة الله وعفوه، لا مستغنيًا بطاعتك.
3- اعلم أن الأعمال بالخواتيم:
مهما بلغت طاعتك، فإنها لا تضمن لك القبول. فكم من عابد ختم حياته بسوء، وكم من عاصٍ تاب في آخر عمره ودخل الجنة. الأمر كله بيد الله، فلا تدري أين تكون خاتمتك.
«إنَّما الأَعْمالُ بالخَواتِيمِ» [رواه البخاري]. هذه القاعدة النبوية هي حجر الزاوية في دفع العُجب. فعندما تنظر إلى من حولك وتراهم مقصرين، تذكَّر أن الله قد يكتب لهم توبة في لحظة، ويختم لهم بخير، بينما قد تُفتن أنت في أي وقت، عافاك الله وإيانا.
4- ادعُ الله بالثبات والتواضع:
ادعُ الله أن يرزقك الإخلاص في العمل، وأن يطهر قلبك من الرياء والعُجب. قل في دعائك: «اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه». وادعُ دائمًا: «اللهم اجعلني في عيني صغيرًا، وفي أعين الناس كبيرًا».
وختامًا -أيها الحبيب- إن التخلص من العُجب جهاد إيماني مستمر لا ينتهي. فلا تستسلم له إذا عاودك الشعور به؛ بل جاهد نفسك وادفعه بالاستغفار والدعاء، وتذكَّر دائمًا أن الفضل كله لله.
استمر في عباداتك وطاعاتك، وافرح بها فرح العبد بفضل ربه، لا بجهده. ولتكن نظرتك للآخرين نظرة رحمة، وادعُ لهم بالهداية بدلًا من أن تحكم عليهم بالتقصير. وتذكر أن قلبك هو أغلى ما تملك، فاحرص على تطهيره من كل ما يفسد علاقته بالله.
وفقك الله وسدد خطاك، وجعلنا وإياك من عباده المخلصين.