الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
127 - رقم الاستشارة : 1367
19/03/2025
أنا دايمًا أحرص في رمضان على الإكثار من الدعاء، خصوصًا في أوقات الاستجابة، بس مرات أحس إن دعائي صار مجرد كلام أكرره من غير ما يكون طالع من قلبي، وكأنه صار روتين أكثر من كونه تضرع صادق.
هالشي يضايقني، لأني ودي أحس إني قريبة من الله بدعائي، وأعيش حلاوة المناجاة والخشوع، مو بس أردد كلمات محفوظة.
شلون أقدر أخلي دعائي نابع من إحساس صادق؟ وشلون أخليه أكثر تأثيرًا عشان أحس باستجابته في حياتي؟
أهلاً وسهلاً بكِ أختي الكريمة، وأسأل الله أن يرزقكِ قلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا، ودعاءً مستجابًا، وبعد...
فالدعاء ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو همس الأرواح إلى خالقها، وهو صلة العبد بربِّه، به تفيض القلوب، وتعظم الآمال. وقد وصفه النبي ﷺ بقوله: «الدعاء هو العبادة» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وأمرنا الله به فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]. فكيف نجعل هذا الدعاء حيًّا، نابضًا بالمشاعر، صادقًا في معانيه؟
أولًا- إدراك معنى الدعاء وثمرته
أحيانًا يعتاد الإنسان على تكرار الأدعية، فيتحول الدعاء إلى عادة، ولكنه يبقى مفتاحًا للقرب من الله متى ما أُحسن استعماله.
تأملي -أختي الكريمة- كيف أن الله يُحبُّ أن يسمع صوتكِ، يُحبُّ أن تناجيه، يُحبُّ أن تبثِّي له همومكِ وآمالكِ، وهذا وحده كفيل بأن يملأ قلبكِ بحبِّ المناجاة. جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر» [رواه مسلم].
تذكري أن الدعاء ليس فقط وسيلة لقضاء الحوائج، بل هو قربة، ورابط يجعلكِ في معية الله دائمًا. لذا، لا تجعلي همّكِ فقط أن يُستجاب، بل اجعليه وسيلةً لحضور قلبكِ بين يدي الله، وستجدين أن الراحة تنزل عليكِ ولو لم يتحقق المطلوب في الحال.
ثانيًا- كيف تجعلين دعاءكِ نابعًا من إحساس صادق؟
1- استشعار الحاجة إلى الله بصدق:
فقبل أن تدعي، خذي لحظة للتأمل في حاجتكِ لله، استشعري فقركِ إليه، استشعري أن قلبكِ يشتاق إليه، وأنه أقرب إليكِ مما تتخيلين: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].
حاولي أن تتخيلي نفسكِ بين يديه، كما يقف الفقير بين يدي الملك، متضرعة، راجية، مستسلمة له وحده.
2- التفكُّر في معاني الدعاء قبل قوله:
فحين تقولين: «يا رب اغفر لي»، توقفي لحظة وتذكري ذنوبكِ، واشعري بندم صادق.
حين تطلبين: «يا الله ارزقني»، استحضري كم أنتِ محتاجة إليه، وكيف أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
لا ترددي الدعاء كلماتٍ محفوظة؛ بل اجعليه تعبيرًا عن أحوال قلبكِ، وما تشعرين به حقيقة.
3- الدعاء بأسماء الله الحسنى المناسبة للحاجة:
اجعلي لكل حاجة اسمًا يناسبها، كأن تقولي: «يا رحيم ارحمني»، «يا لطيف الطف بحالي»، «يا فتاح افتح لي أبواب الخير»، وهذا مما يزيد في الخشوع والتأثر، فقد قال الله: ﴿وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].
4- التضرّع والتذلُّل أثناء الدعاء:
فلا تجعلي دعاءكِ مجرد كلمات؛ بل أظهري حاجتكِ بملامحكِ، بخفض صوتكِ، بالبكاء، قال الله تعالى: ﴿ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًۭا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55].
5- التنويع في الأدعية بين المأثور والمرتجل:
فلا بأس بأن تدعي بأدعية مأثورة أحيانًا، وفي أحيان أخرى بأدعية مرتجلة نابعة من شعور اللحظة، متأثرة بالحال التي أنت عليها. عبِّري عن مشاعركِ بحرية، قولي: «يا رب، تعبتُ من هذا الأمر، فأنتَ حسبي»، أو: «يا الله، لا أدري كيف أدعوكَ، لكنك تعلم ما في قلبي، فاستجب لي».
ثالثًا- كيف تجعلين دعاءكِ أكثر تأثيرًا:
1- اليقين بالإجابة: فالنبي ﷺ قال: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» [رواه الترمذي وصححه الألباني]. لا تدعي وأنتِ مترددة أو شاكَّة؛ بل استشعري أن الله يسمعكِ، وأنه سيستجيب.
2- الإلحاح وعدم استعجال الإجابة: فالله يحبُّ الإلحاح في الدعاء، وقد قال النبي ﷺ: «يُستجابُ لأحدكم ما لم يعجَل، يقول: دعوتُ فلم يُستجَبْ لي» [متفق عليه].
3- تحرِّي أوقات الاستجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند الإفطار في رمضان.
4- الدعاء بأدعية جامعة: مثل دعاء النبي ﷺ: «اللهمَّ إنِّي أسألُك من الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمتُ منه وما لم أعلمُ، وأعوذُ بك من الشرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمتُ منه وما لم أعلمُ. اللهمَّ إنِّي أسألُك من خيرِ ما سألَك به عبدُك ونبيُّك، وأعوذُ بك من شرِّ ما عاذ به عبدُك ونبيُّك. اللهمَّ إنِّي أسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، وأعوذُ بك من النارِ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألُك أنْ تجعلَ كلَّ قضاءٍ قضيتَه لي خيرًا» [رواه أحمد وصححه الألباني].
5- الإكثار من الاستغفار والصلاة على النبي ﷺ: لأنهما من أسباب تفريج الهموم وإجابة الدعاء، فقد قال ﷺ: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وختامًا -أختي الكريمة- الدعاء ليس لحظةً عابرة؛ بل هو حياةٌ تُعاش، وكلما كنتِ على صلةٍ دائمةٍ بالله، أحسستِ بحلاوة القرب، وأصبح الدعاء لسان قلبكِ قبل أن يكون لسانكِ. اجعلي قلبكِ يدعو حتى وأنتِ صامتة، اجعلي همساتكِ حديثًا بينكِ وبين الله.
أسأل الله أن يرزقكِ لذَّة المناجاة، وأن يملأ قلبكِ طمأنينة، ويجعل لكِ من دعائكِ خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة.