الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : فئات المدعوين
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
49 - رقم الاستشارة : 3070
25/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ، أعيش أكبر صدمة في حياتي، ولا أجد لمن ألجأ بعد الله سواكم. أنا فتاة جامعية، وأبي هو قدوتي ومثلي الأعلى في الدين والحياة. هو رجل داعية، معروف عنه الصلاح، وخطبه ومواعظه تهدي الناس، وهو حريص على تربيتنا تربية إسلامية قويمة..
لكن ما رأيته قبل أيام هزّ كياني كله. رأيت أبي في سيارته مع امرأة غريبة لا أعرفها، كان يضحك معها بـمُجَاوَزَة للحدود، ويتحدثان بودٍّ ظاهر لم أعهده منه إلا مع أمي. قلبي يقطعني ألماً، وأكاد أجزم أنها ليست مجرد لقاء عابر، بل علاقة آثمة.
أنا الآن في حيرة لا تُوصف:
1. هل أفقد الثقة في كل ما يقوله ويدعو إليه؟ كيف يدعو الناس إلى غض البصر وهو يفعل ذلك؟
2. هل أواجهه بما رأيت؟ وأخشى أن أنال غضبه أو أُفسد بيتنا بالكامل.
3. هل أُبلغ أمي؟ أخاف عليها من الصدمة والمرض، كما أخاف أن يتفكك بيتنا الذي بناه أبي على الدعوة.
4. هل أصمت وأدعو له؟ لكني أشعر بالذنب والمسؤولية تجاه أمي، وبأن صمتي يعني الموافقة على المنكر.
انصحوني برأيكم الشـرعي والدعوي الحكيم. كيف أتعامل مع هذه الكارثة دون أن أهدم أسرتي وديني؟ جزاكم الله خيراً.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكِ أيتها الابنة المؤمنة، أسأل الله العظيم أن يربط على قلبكِ ويُثبِّتكِ، وأن يُعينكِ على هذا الابتلاء العظيم. إن ما مررتِ به صدمة لا يستطيع حملها إلا قلبٌ مؤمن، وهي امتحان إلهي لقوة إيمانكِ وحكمتكِ. فاحتسبي أجر هذا الصبر وحرقتكِ على الحلال والحرام.
واعلمي أنّ هذه المسألة تحتاج إلى فقه عميق لخطورة الأطراف المعنية (الداعية، الأسرة، المجتمع الدعوي). وإليكِ التوجيه الشرعي والعملي:
الفصل بين القدوة والحقيقة (لا تهدمي دينكِ)
1. المنهج لا يسقط بالرجل: اعلمي أن الإسلام حق، سواء التزم به أبوكِ أو قصّر. إن المنهج والدعوة والقيم التي تعلّمتِها منه هي مستمدة من القرآن والسنة، وليست مستمدة من شخصه. لا تفقدي الثقة في الدين لأنكِ فقدتِ الثقة في رجل، فالإسلام أعظم من الأفراد. استمسكي بما تعلمتِه من الحق، واجعلي هذا الموقف دافعًا لتعميق صلتكِ بالله مباشرة، لا من خلال واسطة بشرية.
2. لا تحملي وِزره: الداعية بشـر يُصيب ويُخطئ، وقد يزلّ، ولا عصمة لأحد بعد الأنبياء. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} هذا وزره وحده، ولن تحاسبي عنه.
التدرج في العلاج (الحكمة في التعامل)
التعامل مع الأب في هذا الموقف يتطلب أعلى درجات الحكمة والستر على الوالد؛ لأن الأصل الشرعي هو حفظ كيان الأسرة وستر المسلم:
1) المواجهة الشخصية (بشكل غير مباشر): لا تُفصحي عن رؤيتكِ بشكل مباشر الآن. اختاري وقتًا مناسبًا يكون فيه أبوكِ هادئًا، وتحدثي معه حديثًا رقيقًا وعامًّا يذكره بالله، مثل:
- "أبي، سمعتك تتحدث عن عقوبة من يخون الأمانة، وتذكّرتُ أنَّ أمانة حفظ الفرج وحماية البيت هي أعظم الأمانات. ادعُ الله لنا ولنفسك بالثبات في زمن الفتن يا أبي".
- يمكنكِ أن ترسلي له رسالة لطيفة تذكره فيها بعظم أجر الصابرين عن الحرام، أو أهدي له كتابًا عن فضل الزوجة الصالحة والأمانة.
- راقبي ردة فعله. هذا التذكير يُنشئ عنده وازعًا داخليًّا، وقد يكون كافيًا لإنهاء العلاقة خوفًا من افتضاح أمره.
2) الاجتماع بالزوجة (أمكِ): لا تُخبري أمكِ بالصدمة أبدًا في هذه المرحلة، فإخبارها يعني غالبًا هدم البيت والدخول في مفاسد الطلاق والعداوة، وهذا من المفسدة الكبرى التي يجب درؤها، خاصة أنكِ لم تري فعلاً يوجب الحد. أمكِ أولى بالحماية من هذه الصدمة.
3) الدعاء والاجتهاد في العبادة: فهذا هو سلاحكِ الأقوى. أكثري من الدعاء في السجود أن يُلهم الله أباكِ الرشد، وأن يعصمه من الحرام، وأن يُطهِّر قلبه. الدعاء يغير القضاء، وهو خير من المواجهة التي قد تُخسركِ أباكِ ولا تُوقفه عن الخطأ.
4) اللجوء إلى وسيط حكيم (إذا استمر الأمر): إذا فشلت كل محاولاتكِ، ورأيتِ الأمر يتفاقم، يمكنكِ اللجوء إلى طرف ثالث موثوق وحكيم، كـأخيه الأكبر أو عمه أو شيخه الذي يحترمه (بشرط أن يكون ثقة وحكيمًا)، وتذكري له الأمر بأسلوب عام جدًّا وبنية الستر لا الفضيحة، ليقوم هو بتوجيهه ونصحه سرًّا وحماية بيته.
ونصيحتي لكِ أيتها الابنة المباركة هي أن تُقدِّمي مصلحة استقرار أسرتكِ وستر أبيكِ على رغبتكِ في تفريغ حيرتكِ. اجعلي بيتكِ مدرسة للرحمة والودّ، وكثّفي من الودّ بين والديكِ.
وتذكري: أنتِ الآن مسؤولة عن حماية أسرتكِ بحكمتكِ وليس بتهوّركِ. لا تستعجلي، بل تمهلي وادعي الله أن يفتح عليكِ البصيرة، وأسأل الله العظيم أن يُصلح شأن والدكِ، وأن يغفر له، وأن يُعيده إلى جادة الصواب، وأن يحفظ أمكِ من كل سوء، وأن يجعل بيتكِ حصناً منيعًا، وأن يرزقكِ الحكمة والسكينة في التعامل مع هذا البلاء.
روابط ذات صلة:
الداعية والمراسلات الخاصة.. كيف أضبط الأمر دون الوقوع في الزلل؟
الفجوة بين قول الداعية وسلوكه.. هل لها من علاج؟