الإستشارة - المستشار : أ. عزة مختار
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
458 - رقم الاستشارة : 1892
10/05/2025
السلام عليكم ورحمة الله
أنا أ. م، عمري 37 سنة تزوجت منذ عشر سنوات بعد رحلة عذاب في محاولة الفوز بها مع كثرة الراغبين فيها وتمنع أهلها نظرًا لظروفي التي دفعتني للعمل بشكل مضاعف، ولا أحصل على فترات راحة كالتي يحصل عليها الرجال كي أكون لائقًا بها، وأوفر ما يمكن توفيره ليرضى أهلها عني ويزوجوني إياها.
كنت شغوفا بها وبأخلاقها وتميزها بين الفتيات بالالتزام والتدين والحياء، وبالفعل استطعت أن أوفر المهر الذي طلبوه، واشتريت الشقة التي اشترطوا أن تكون بنظام التمليك وليس الإيجار، سافرت وتعبت حتى قدمت لها ما يليق بها، وقضيت معها في بداية زواجنا أسعد أيام عمري.
كنت كملك داخل مملكته، لا تهدأ حتى أستريح، ولا ترضى حتى أرضى، ولا تنام حتى تطمئن، والآن، صرت على هامش كل شيء، منذ أن جاءنا الطفل الأول، وهو الآن في عمر الثمانية ، وهو ثالث ثلاثة أصغرهم عامين، أكاد ألا أراها، حياتنا بين بكاء الأطفال واحتياجاتهم، فأضطر في كثير من الأوقات لتناول طعامي وحدي بعدما انصرف كل اهتمامها بأولادها وحدهم، وأقضي أمسياتي أمام التلفاز وحدي.
لست أنكر أنها تعد أفضل أنواع الطعام الصحي، لكن هذا من أجل الأولاد وليس من أجلي، ولست أنكر أنهم متميزون في تربيتهم ودروسهم وحفظهم للقرآن وترتيب حياتهم، فهم موضع فخر أي أب، بالرغم من انشغالي عنهم.
أفتقدها كثيرا، أفتقد اهتمامها بي، أفتقد أحاديثنا معا بينما أنام قبلها لانشغالها بهم وببكاء الصغير، أو تنام قبلي منهارة من تعب اليوم حرصًا على يقظتها مبكرا لتوقظني وتبدأ يومها من جديد.
فهل أنا أناني حين اتهمها بالإهمال في حقي؟ هل أتزوج غيرها من تقوم بالاهتمام بي وتضعني في المكانة التي عشتها يومًا؟ هل أطالبها بحقي وأقيم عليها الحجة لتقع في الإثم وتشعر بالذنب تجاهي فيتحسن سلوكها معي؟ دلوني بالله عليك ماذا أفعل؟
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم آياته: "{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21)، والصلاة والسلام على رسول الله محمد نبي الرحمة والقائل في حديثه الشريف: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي)، والقائل فيما رواه مسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله"، ثم أما بعد:
أهلاً بك أخي الكريم على صفحة استشارات بمجلة المجتمع، ومرحبًا بك في كل وقت بين أسرتنا الطيبة.
ما تمر به سيدي يعتبر هو النمط الشائع في العلاقات الزوجية خاصة بعد الإنجاب والانشغال مع الأولاد،، فتنتقل كافة اهتماماتها من زوجها وحياتها ونفسها، إلى أبنائها الذين يحتاجون إليها في كل مرحلة من مراحلهم، خاصة الطفولة المبكرة، تنشغل بصحتهم وبكائهم وسهرهم وتغذيتهم، ثم دراستهم، ومتابعة دروسهم وخروجهم وعودتهم.
كما أن كل طفل فيهم يحتاج لها منفردة، فتبدأ يومها مبكرًا لتنتهي في نهايته وقد أنهكت تمامًا بين طلباتهم وطلبات والدهم الذي لا يقدر غالبًا المسئوليات الجسام التي تقع على عاتقها، خاصة إن كان مشغولاً في عمله بساعات عمل مطولة، ولا يستطيع أن يعطيها بعض وقته ليشاركها تلك المسئولية الكبيرة.
ونلاحظ في هذه المشكلة ومثيلاتها ما يلي:
- غياب فكرة التوازن بين دور المرأة كأم، ودورها كزوجة.
- غياب نفس التوازن عند الرجل في دوره كأب، ودوره كزوج، وحقوقه كذلك.
- عدم المصارحة بين الزوجين عن احتياج كل منهما للآخر في المهمة التي يفتقده فيها، هي تريد دعمه في مهمتها التربوية، وهو يريد اهتمامها كزوجة يستأثر بها، وحين يستمر السكوت، تتباعد المسافات وتتهاوى العلاقة فجأة دون أن يبوح أحدهم للآخر.
وإليك الحل أخي الكريم:
والحل لمشكلتك -أخي الكريم- يجب أن يتفق عليه الطرفان معًا، يجب أن يعلم كل منكما واجباته تجاه الآخر حسب كل مرحلة من مراحل حياتكما؛ فبداية الزواج، غير مرحلة تربية الأبناء، غير مراحل تقدمهم في العمر، كل هذا لا ينفي أن هناك حدًّا أدنى من الحقوق والواجبات يجب مراعاته، وبالرغم من أن الإهمال بين الزوجين في مرحلة ما يكون عادة غير مقصود، فإنه يجب الانتباه جيدًا لذلك العقد الذي ينفرط من بين أيديهما بالتدريج ليفاجآ بنهاية تجعلهما كالغرباء.
- يبدأ الحل بجلسة حوار صريح تمامًا، يطرح كل طرف منكما أفكاره ومشكلاته وتصوره للحل (وذلك بالطبع بعد الاعتراف أن هناك ثمة مشكلة).
- من حق الأم المطحونة والمتفرغة تمامًا للأبناء أن يكون لها وقتها الخاص، تتنفس فيه الصعداء، هدنة من العصبية والمسئولية الكبيرة، كي تستطيع أن تجدد طاقتها بصورة دورية فتوزعها بين أبنائها وزوجها.
- يمكن أن تستعين أنت كزوج بجليسة للأطفال، أو خادمة إن كان في قدرتك ذلك كي تخفف عنها بعض المهام التي تقوم بها فتجد وقتًا كافيًا لتقضيه معك براحة.
- إن لم يكن لديك تلك القدرة على توفير خادمة فلتقم أنت بنفسك بالأمر، تقاسم معها مسئولية الأبناء، فبالطبع التربية مسئولية مشتركة في الأساس، وكونها تحملت الجانب الأكبر منها وكفتك تلك المهمة يعني أن هذا هو الصواب، فقد رأيت بنفسك كيف أن تلك المسئولية قد أثرت على علاقتكما بشكل مباشر وأخذتها كلية منك، فماذا إذا قسمنا تلك المسئولية؟ فعلى الأقل سوف توفر لها نصف الوقت المستهلك.
- اتفقا معًا على عدة أمور يجب أن تكون أساسية بينكما لا يمكن التنازل عنها، منها على سبيل المثال أن تتناولا العشاء معًا كل يوم مهما كانت الظروف، وذلك يعني أن تعود للبيت في وقت مبكر، ويعني أيضًا مشاركتها المهام المسائية للأولاد، مثل مراجعة بعض الدروس وتحضير مهام اليوم التالي، وبعض التوجيهات التربوية، ومنها أيضًا أن يكون لكما يوم بنهاية الأسبوع تخرجا فيه بمفردكما أو على الأقل كل أسبوعين، إما بالخارج وإما بالبيت، المهم أن يكون وقت مخصص لكما معًا تتصارحان فيه بكل ما يجد ولا تدعا فرصة للسكون أن يتسلل لعلاقتكما معًا.
- وأخيرًا، راجع علاقتك بزوجتك وكيف كانت، وتذكر أنها لم تقصر بحقك متعمدة أو رغبة في التقصير أو قصدًا له، وإنما هي تقوم بمهمة إنسانية ودينية مكتملة، فباهتمامها بأبنائك هي تقدم خدمة للأمة، وليس لك وحدك كأب تريد أن تطمئن على أبنائك الذين هم في كنفك ورعايتك ومسئوليتك، فكم من امرأة يتمنى زوجها أن تتفرغ لتربية أبنائه وتترك عملها خارج البيت، وكم من أم تخلت عن دورها واهتمت بنفسه أنانية منها بحجج كثيرة، فضاع البيت وضاع الأبناء، وكم من زوجة عاشت دون قضية ودون شعور بالمسئولية فضيعت من تعول.
وإن كان اليوم ثمة تقصير، فأنت شريك في المسئولية، ولا تُلقي باللوم عليها وحدها، فضلاً عن أن تشكر لها صنيعها في تلك الفترة الصعبة من حياة الأبناء الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية، أي أنهم يحتاجون لها في كل دقيقة، فضلاً عن الإرهاق ومشقة التربية، تواجد ببيتك يومًا كاملاً لترى بنفسك ما تلاقيه زوجتك من تعب، تعايش معهم لتدرك حجم ما تعانيه وسوف تلتمس لها ألف عذر.
أما أنك تتساءل، هل تتزوج بامرأة أخرى تهتم بك، أو تطالبها بحقك فتقيم عليها الحجة؟ فتلك ليست بحلول، وإنما هي تعقيدات جديدة تضيفها لحياتك، تريد الزواج لتلقي عنك عبء أبنائك ومسئوليتهم لتقع على عاتق أمهم وحدها، بينما أنت تستمتع بحياتك بعيدًا عنها؟ فأي رجل يفكر بتلك الطريقة ويتخلى عن مسئوليته لمجرد أنه لا يستطيع الصبر على القيام بها؟ أي مروءة تلك؟
الأمر بيدك أخي الكريم لتستعيد حياتك وتعيد لها رونقها وبهجتها، وتحافظ على زوجتك وأبنائك، وطالما أنك قادر على الزواج بأخرى، فلتنفق في بيتك وتريح زوجتك لتتفرغ لك، أصلح الله لك بيتك وشأنك كله، وبارك لك في زوجك وأبنائك.