Consultation Image

الإستشارة 01/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب لكم وكأني أضع رأسي بين أيديكم ضاق صدري بندم ما أقدر أتحمله لوحدي كنت متزوج من امرأة بسيطة لكنها كانت حياة تمشي على قدمين مثقفة نشيطة تملأ البيت بالحركة والضحك والكلام، لو تكلمت غيرت هواء الغرفة، ولو ضحكت ضحك قلبي حتى لو كنت غاضب كانت تمزح وتشاكس وتحكي يومها بتفاصيله الحلوة والمجنونة.

كانت تصحى وتقول لي صباح الخير أنا صحيت وتعد الطعام وتقول أفرم البصل الآن تصفف شعرها وتهمس ضفرت شعري ضفيرتين وتحدثني عن جارتها فاطمة ومشاكلها اللي ما تخلص مع زوجها حسن.

كانت تصنع جو في البيت حياة تفاعلية لا تهدأ، وأنا كنت أطفئها بالصمت والبرود والسخرية أراها ساذجة كثيرة الكلام تافهة التفاصيل وأقول في نفسي وش دخلني بالبصل والضفائر وفاطمة وحسن.

تدريجيا بدأت أبتعد صرت أضايق من وجودها من كلامها من حيويتها فطلبت من أخواتي يدورون لي على عروس هادئة قليلة الكلام وبالفعل بعد بحث طويل زوّجوني بأخرى فجأة علمت زوجتي الأولى بزواجي ما صرخت ولا غضبت ولا توسلت بس طلبت الطلاق بهدوء ومشيت.

وقتها ظننت أني انتصرت وأني ارتحت من مشاكل الغيرة والعدل بين الزوجات قلت في نفسي الحين أعيش مع عروستي الجديدة بهدوء بدون صداع، لكن الزوجة الجديدة وإن كانت تطيعني في كل شيء كانت باهتة بليدة عندها ضعف استيعاب ما تحاورني ولا تناقشني ولا تشاركني معها كنت وحيد حتى وهي جنبي أغرق في الصمت وأشتاق لشيء ما كنت أعرف اسمه حتى فهمت أخيرًا أن الذي أشتاق إليه هو الحياة التي كانت تصنعها زوجتي الأولى

كنت أواسي نفسي وأقول بعد سنة أو سنتين إذا شبعت من الجديدة برجع للأولى بس بعد ما تكسرها الحياة ويركعها الفقر ستقبل ترجع لي حتى لو معها ضرة لأنو بتكون مكسورة ساكتة بدون طلبات بس بدها الستر ولقمة العيش.

لكن خابت كل ظنوني هي التي نهضت ورفعت رأسها ومشت وتزوجت من رجل آخر رجل عرف قيمتها واحترمها واحتفل بتفاصيلها أظنه هو الآن الذي يضحك إذا قالت أفرم البصل ويسألها عن فاطمة ويهتم بضفيرتي شعرها وبضحكتها وبضجيجها.

أما أنا فأعيش في غربة حتى وأنا في بيتي أدخل هاتفي لا لأكلم أحدا بل لأفتش في رسائلها القديمة أقرأها كأني أفتش عن الدفء كأني أسترجع نفسي التي ضيعتها بيدي أعاقب نفسي كل يوم وأقول كيف ما شفت النعمة وهي بين يدي كيف حسبت الحياة مجرد هدوء وسكون ونسيت أن الحياة ضحك وكلام وجدال وضوضاء وتفاصيل صغيرة تصنع الفرح أنا الذي سخرت من تفاصيلها صارت التفاصيل حلمي اليوم

هل من طريق يخرجني من هذا الندم؟ هل هذا عقوبة بسبب من احتقار النعمة حتى طارت مني؟ أم أنني صرت رجل عمره وما بقي له إلا صوت داخلي عالي يكسره

الإجابة 01/05/2025

أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.

 

قرأت رسالتك أكثر من مرة واستشعرت عمق ما تعاني منه من ألم وحزن وندم وكلها مشاعر موجعة مرهقة للروح، والاستسلام لها سيجعلك تفتقد أي متعة في الحياة وتزهد أي نعمة فيها؛ لذلك عليك أن تستجمع نفسك وتستجمع قوة الصمود داخلك حتى لا تنزلق قدمك في دوامة لو سقطت فيها فسوف تهدر سنوات من عمرك ومن طاقتك النفسية حتى تستطيع الوقوف مرة أخرى على مشارفها.

 

المتعة المفقودة

 

أخي الكريم، للأسف الشديد نحن البشر مولعون بالبحث عن المتعة المفقودة في حياتنا.. قد تكون متعة حقيقية مفقودة وقد تكون متعة متوهمة مفقودة، وفي الحالتين نزهد في بقية النعم والمتع أو نتعامل معها بفتور وعدم تقدير أو حتى نضيق بها ونشعر أنها عثرة في طريقنا..

تستطيع القول إنه أحد العيوب البشرية الشائعة منذ انشغل آدم عليه السلام بفكرة الخلود والملك الذي لا يبلى بدلا من الامتنان لكل النعم والمتع التي كان يعيش فيها.

 

الامتنان وشكر النعمة هو دلالة صريحة على الإيمان ﴿مَا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾، ولكن قلة من البشر هي من تمارس هذا الشكر ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.

 

ولكي يستطيع الإنسان أن يشكر هذه النعمة فعليه أن يشعر بها أولاً ويدرك قيمتها وأهميتها، وهنا يقوم الشيطان بممارسة لعبته الأثيرة التي تأخذ مسارين:

 

الأول: التشويش على النعمة حتى يبخسها صاحبها قيمتها.. فهي عادة شائعة عند كل البشر.. وفي حالة أن تكون لدى الإنسان نعمة متمثلة في علاقة إنسانية يتم تسليط الضوء على نقاط الضعف البشرية كوسيلة للتقليل من العلاقة، وقد يصل الأمر للتعسف في البحث عن نقاط الضعف هذه.

 

الثاني: تسليط الضوء وتركيزه على النعمة المفقودة حتى تبدو مبهرة، كما شرحت لك من قبل.

 

لذلك فإن الشعور بالنعمة وتأملها وتصور الحياة دونها هو المفتاح الذهبي لشكرها والحفاظ عليها والاهتمام بها ورعايتها.

 

بين نعمتين

 

لو أردنا أن نحلل تجربتك -أخي الكريم- في التعامل مع النعم في ضوء الشرح السابق فسنجد أنك كنت تعيش في علاقة إنسانية مشبعة وثرية مع زوجة تتوهج بالحياة والحيوية، لا يعني هذا أنها كانت امرأة كاملة، فربما كنت في بعض الأوقات تبحث عن بعض الهدوء والسكون وتنزعج من كمية الحوارات والحكايات...

 

أنت بالطبع قد تنكر ذلك في اللحظة الراهنة؛ فالذاكرة قد تقوم بإسقاط لبعض التفاصيل المؤلمة عندما ترغب في وضع قصة ما في صورة ذهبية براقة نموذجية، أو لعلك تذكر بعض التفاصيل ولكن دون شعور أو إحساس حقيقي بالانزعاج، أو لعله الشيطان يريد أن يحزنك بتهويل النعمة التي فقدت حتى تستهينً بالنعمة التي حظيت بها.

 

أخي الكريم، كانت زوجتك الأولى نعمة جميلة في حياتك تستشعر الآن مدى ما مثّلته من أهمية وقدر ما منحت حياتك حيوية، إلا أنك زهدتها وذهبت تبحث عن امرأة أخرى على النقيض منها عاشقة للهدوء لا تعبر عن نفسها بالكلمات، وكنت سعيدًا أن وجدتها، وبلغ بك الأمر للشعور بالسعادة كون الأولى طلبت الطلاق فسارعت به حتى لا يعطل شيء سعادتك بالثانية، ويبدو لي أنك رجل المرأة الواحدة، فهناك عدد لا بأس به من الرجال لا يشعر بالراحة النفسية ولا تحيطه السعادة إلا مع أمرأة واحدة فيتعذر عليه الجمع بين زوجتين وإن فعل فلن يعدل وسيميل كل الميل لذلك سارعت أنت بإجابتها للطلاق..

 

ثم ماذا حدث بعد ذلك، بمجرد أن مر العام الأول وقد اكتفيت من السعادة مع الزوجة الجديدة الهادئة المطيعة التي كنت تحلم بها، بدأ الشيطان يكرر معك نفس اللعبة التي أثبتت نجاحها المرة السابقة، بل إنها أثبتت نجاحها مع ملايين البشر غيرك.. اعتدت على النعمة الجديدة التي تطلعت إليها التي منحت حياتك طعم السكينة ثم بدأت تزهد فيها وقد تحولت السكينة لفتور والهدوء لبلادة.

 

ومن ثم فلم تعد تشعر أنها نعمة تستحق الشكر، وفي الوقت ذاته عدت تسترجع تفاصيل حياتك مع زوجتك الأولى، وقد تلونت بكل ألوان البريق فبدت في غاية الجمال والمثالية، حتى أن المنغصات فيها والملاحظات قد تبخرت كأن لم تكن.. وكأن الشخص الذي طلب من أخواته البحث عن زوجة هادئة لم يكن أنت أو كأنه أنت وقد اكتنفتك الضلالات فوقعت في دوامة الندم القاسية..

 

والآن -أخي الكريم- أريدك أن تستخدم قوة العقل والوعي في تحليل تجربتك بين زوجتين أو نعمتين لتدرك أن رحمة الله قد أحاطت بك لتحظى بفرصة ثانية في زوجة طيبة القلب مطيعة (حلم كثير من الرجال وكنت أنت منهم في يوم ما) بعد أن أهدرت فرصتك الأولى مع زوجة تضج بالحيوية والتألق.. نعم هي فرصة مهدرة تمامًا، فالسيدة قد تزوجت بالفعل فهل تنتظر حتى تضيع فرصتك الثانية أيضًا؟

 

أخي الكريم، مفتاح طمأنينة قلبك يكمن في التقبل والرضا.. تقبل تجربتك كلها؛ فنحن بشر نخطئ، وأنت أخطأت عندما تخلصت من زوجتك الأولى، ولا يوجد علاج لهذا الخطأ، فتقبل ما حدث بنفس راضية بقضاء الله وقدره.

 

وعليك بالرضا بما تعيشه من نعمة رائقة في اللحظة الراهنة، فامتن لما تعيشه واشكر الله عليه حتى لا يتسرب من بين يديك.. وإن كان هناك ثمة ما يزعجك فخفف تسليط الضوء عليه.. تغافل عنه.. وتقبل أننا كبشر لا نمتلك الكمال، لا في الصفات الشخصية ولا في العلاقات الإنسانية؛ ففي كل علاقة نقاط قوة وضعف، والذكي فقط من يعزز نقاط القوة ويتجاهل ويهمل نقاط الضعف. أسعد الله قلبك ومنحك الرضا والقبول، وتابعني بأخبارك دائما.

الرابط المختصر :