بين أم متخلية وجد عاجز.. طفلتان على حافة الهاوية!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 270
  • رقم الاستشارة : 1906
11/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا دكتورة،

أنا أخت في غاية الحيرة والتعب النفسي، وقررت أكتب لحضرتك يمكن ألقى عندك حل ينقذ بنات أخويا.

أخويا مغترب برا مصر بقاله سنتين، وعنده بنتين صغيرتين: واحدة عندها ٤ سنين، والتانية ٦ سنين، وخليني أقول لحضرتك بصراحة: البنتين شقيتين جدًّا، ومفيش حد بيعرف يسيطر عليهم بسهولة، يمكن عشان اتعودوا على التدليل الزايد وعلى الصريخ والعناد، خصوصًا الكبيرة.

زوجة أخويا للأسف من فترة حصلت بينها وبين أخويا مشاكل كبيرة، وقررت تسيب البيت وسابت البنات عند والدي (جدهم والد أبوهم)، وهو راجل كبير في السن، شبه عاجز، لا عنده طاقة ولا قدرة يتحمل دوشة طفلتين بالشكل ده، ولا بيعرف يتعامل معاهم أساسًا.

المصيبة الأكبر إن العيلة كلها مش عارفة تتصرف، وكلهم بيرموا المسؤولية على التاني.

أنا شخصيًا قلبي بيتقطع عليهم، لكن عندي في بيتي شابين مراهقين، ومينفعش البنات يقيموا معانا، خصوصًا إنهم في سن لازم فيه خصوصية وحدود في التربية والمعيشة، ومش دايمًا بكون فاضية لهم.

دلوقتي البنات ضايعين بين أم رفضت تتحملهم، وأب مسافر ومضغوط، وجدّ مش قادر، وأنا مش عارفة أعمل إيه، ولا إيه الحل التربوي والواقعي اللي ممكن يتنفذ!

أسألك بالله يا دكتورة، تساعديني برأي واضح وعملي، لإن خلاص الأعصاب باظت من كتر الصراخ والخناقات والمشاكل حوالين البنات دول.

الإجابة 11/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أختي الفاضلة،

 

أشكر لكِ غيرتكِ على البنات، وحرصكِ على السؤال رغم تعقيد الموقف.

 

دعيني أبدأ بردٍّ منهجي مقسّم قد يساعدكِ وذويكِ على احتواء هذه الأزمة بأقل الخسائر النفسية والسلوكية إن شاء الله تعالى.

 

أولًا: إن شخصنا الحالة من منظور تربوي نفسي، فسوف نجد أن ما تمر به الطفلتان هو نتاج ما يُعرف في علم النفس الأسري بـ "اضطراب البيئة الحاضنة" (Disrupted caregiving environment)، أي أن الطفلتين تُركتا دون وجود من يحتضنهما احتضانًا نفسيًّا وتربويًّا آمنًا.

 

وهذا يُحدث ما يُعرف بـ "الارتباك السلوكي" (Behavioral Dysregulation)، الذي يظهر غالبًا في صورة فرط حركة، عناد، وعدوانية.

 

بمعنى آخر، الشقاوة الزائدة ليست "عيبًا خلقيًّا" فيهما، بل استغاثة صامتة بلغة غير مباشرة تقول: "أين من يحبنا؟ من يرعانا؟ لماذا نُعاقب على ذنب لم نرتكبه؟".

 

ثانيًا: إن نظرنا للمشكلة من منظور ديني.. فالأم أُمٌّ ما دامت الحياة قائمة، والمسؤولية لا تسقط بالخلاف، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فخلافها مع الأب لا يُبرر هجْر الصغيرتين، ولا التفريط فيهما. يجب أن تُطالَب قانونيًّا وأخلاقيًّا وشرعيًّا بأن تعود للبنات أو تُسهم في رعايتهن حتى في غير بيتها إن اقتضى الأمر.

 

ثالثًا: في ظل غياب الأم، وسفر الأب، وكِبَر سن الجد، فإن الحل التربوي الأسري العملي والواقعي هنا ينبغي أن يكون جماعيًّا تشاركيًّا، وهذا يتطلب الآتي:

 

1- تشكيل فريق دعم عائلي (Family Support Unit) من الأقارب: يُوزّع فيه وقت الحضانة والرعاية على أخواتك عمّات البنتين المؤهلات لذلك. مثلًا: كل واحدة تتكفّل بيوم أو يومين أسبوعيًّا – إن لم يكن بالإقامة، فبالرعاية النهارية.

 

2- الاستعانة بمربية مؤهلة تحت إشراف الجد أو أحد الأقارب، تكون مسؤولة عن رعاية البنات مع متابعة سلوكياتهن.

 

3- إدخالهما روضة أو نشاط يومي منتظم: مثل الحضانات، المراكز التربوية، أو فصول الرسم والحركة، وذلك لضبط السلوك وبناء المهارات الاجتماعية.

 

4- التواصل المستمر مع الأب عبر المكالمات المصوّرة (Video Calls)، حيث يجب أن يبقى حاضرًا في وجدانهما كـ "أب داعم"، ولو كان بعيدًا، وهذا ما يعرف بـ "التعويض العاطفي عن بُعد" (Remote Emotional Compensation).

 

5- لا بد إعادة تأهيل سلوكي تربوي (Behavioral Reframing) للبنتين: فيجب أولا ألا توصف البنتان بالشقاوة أو الإزعاج، بل يُعاد بناء المفردات حولهن باستخدام أسلوب "النمذجة الإيجابية" (Positive Labeling)، مثل: "نحتاج نعلّمهما بهدوء"، "همّا فيهما طاقة محتاجة توجيه".

 

رابعًا: بالنسبة لكِ أنتِ شخصيًّا: أقدّر ظرفك ووجود شابين مراهقين في بيتك، وهذا أمر له وجاهته التربوية. فإن لم يكن بالإمكان استضافتهما، فيكفي أن تُسهمي برأيك، وربما بأيام محددة في الأسبوع، أو بالدعم المعنوي للأسرة؛ فالمسؤولية ليست حكرًا على أحد، لكنها مشتركة وفق الطاقة والاستطاعة.

 

وكل ما سبق ذكره لا بد أن يكون بشكل متواز مع محاولات الصلح بين أخيك وزوجته لإعادة المياه إلى مجاريها، فقد يكون تصرف الزوجة هنا نوعًا من الضغط على الزوج للاهتمام بها وبهما وأن يتحمل مسؤولية البنات معها بشكل ما، بعدما ألقاها على عاتقها وحدها بعد سفره. وعلى أخيك سرعة التدخل لحل هذه الأزمة، فهو المسؤول قبلكم جميعا.

 

* وهمسة قلبية أخيرة:

 

لا تهوني من دورك، فالله يرى، والرسول ﷺ قال: "من لا يَرحم لا يُرحم"..، وقال أيضًا: "إنما يُرحم الله من عباده الرحماء". فكل لحظة اهتمام منك، وكل كلمة حنان، قد تكون ميزان رحمة لهاتين الصغيرتين.

 

فالطفلتان لا تحتاجان إلى "عقاب"، بل إلى "احتواء". ولا أحد يُلام وحده، لكن يُطلب من الجميع أن يسعى بحسب وسعه.

الرابط المختصر :