Consultation Image

الإستشارة 26/03/2025

أنا داعية إلى الله، وأحب الدعوة حبًا شديدًا، وأسعى للتميز في كل مجال أسلكه، لكن مع ضيق المعيشة، وكثرة المسؤوليات، وتراكم الأعمال، أشعر بالاختلال وعدم التوازن في حياتي. كيف أوازن بين عملي وعلمي وطلب العلم؟ كيف أوفق بين الدعوة وبين علاقتي بأهلي وزوجي وأولادي؟ أريد وسائل عملية لتحقيق التوازن في حياتي الدعوية، حتى أكون صورة حسنة عن الإسلام والمسلمين.

الإجابة 26/03/2025

أيها الداعية المبارك، لا يغيب عن شريف علمك أنّ الدعوة إلى الله شرف عظيم، وهي رسالة الأنبياء والصالحين، لكنها تحتاج إلى حكمة وتوازن، فينبغي ألا يكون الانشغال بها سببًا لإهمال حقوق أخرى، وقد قال النبي ﷺ: "إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ" [رواه البخاري].

 

أولًا: ترتيب الأولويات.. مفتاح التوازن

 

كلنا نملك 24 ساعة في اليوم، لكن الفارق بين الناجحين وغيرهم هو حسن إدارة هذه الساعات. فما هي الأولويات؟

 

1) علاقتك بالله هي الأساس: فلا تنشغل بالدعوة عن إصلاح نفسك وروحك وعبادتك.

 

2) بيتك قبل دعوتك: فأنت مسؤول عن أهل بيتك أولًا، فكما أنك تدعو الناس، ادعُ زوجتك وأولادك بالقدوة الحسنة.

 

3) عملك مصدر قوتك فلا تهمله: فهو وسيلة لاستمرار دعوتك؛ فالداعية القوي اقتصاديًّا أكثر تأثيرًا واستقلالية.

 

4) طلب العلم لا يتوقف: العلم زاد الداعية، لكنه يحتاج إلى تنظيم.

 

ثانيًا: كيف توازن بين الدعوة والعمل وطلب العلم؟

 

هذه نصائح عملية مُجرَّبَة، وهي على النحو التالي:

 

1) دمج الدعوة في حياتك اليومية: اجعل الدعوة جزءًا من عملك، فليست الدعوة منحصرة في المساجد فقط، بل يمكن أن تكون في محيط عملك، وأحاديثك اليومية.

 

2) التخطيط الذكي لطلب العلم: خصص وقتًا ثابتًا ولو يسيرًا للقراءة والاستماع إلى العلماء، استفد من وقت القيادة أو التنقل في سماع الدروس الصوتية، وركّز على العلم الذي تحتاجه مباشرة في دعوتك.

 

3) استثمار التكنولوجيا: استخدم وسائل التواصل لنشر الخير دون أن تأخذ من وقتك الكثير.

 

ثالثًا: كيف توازن بين الدعوة والعائلة؟

 

1) اجعل أسرتك شريكة في الدعوة: فيمكنك أن تُشرك زوجتك وأولادك في بعض الأنشطة الدعوية، حدّثهم عن قصص الصالحين بطريقة شيقة، فاجعل الدعوة أسلوب حياة داخل بيتك.

 

2) خصص وقتًا أساسيًّا لعائلتك: ولا تجعل بيتك يشعر أنه في المرتبة الثانية بعد الناس، وخصص وقتًا للجلوس مع زوجتك وأبنائك، ولو كان قليلًا لكنه مليء بالمودة والتقدير.

 

3) كن قدوة في أخلاقك في بيتك: فالداعية الحقيقي هو الذي يبدأ بإصلاح بيته، فلا يكن حالك خارج البيت كالملاك، وداخله كالغريب.

 

رابعًا: كيف توازن بين الدعوة وصحتك النفسية والجسدية؟

 

* لا تحمل نفسك فوق طاقتها: فالله لم يكلّفك بدعوة العالم كله! قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].

 

* خذ قسطًا من الراحة: لا بأس أن تأخذ وقتًا للاسترخاء والرياضة، فهذا يعينك على العطاء.

 

* تعلم التفويض: لا تلزم نفسك بكل شيء، بل شارك المهام مع غيرك من الدعاة.

 

خامسًا: اجعل الدعوة جزءًا من شخصيتك

 

فالدعوة ليست وظيفة محددة بوقت، تأخذ عليها الراتب آخر الشهر؛ بل هي حياة يومية، فكن داعية بأخلاقك، بتعاملك، بكلامك، بابتسامتك، واجعل كل حياتك رسالة لله.

 

وعلى هذا فإنّ التوازن ليس رفاهية، بل ضرورة لاستمرارك في طريق الدعوة. فالداعية المتزن هو الأكثر تأثيرًا واستمرارية. أعطِ كل ذي حق حقه، واستعن بالله، وخذ بالأسباب، وتذكر أنك في طريق الأنبياء، فاثبت وواصل المسير. وأسأل الله التوفيق والسداد.

الرابط المختصر :