الإستشارة - المستشار : د. موسى المزيدي
- القسم : إدارية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
113 - رقم الاستشارة : 1766
28/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كثيرًا ما يزور الإنسان منا أماكن كثيرة في حياته، قليل من هذه الأماكن ما يترك أثرًا في نفوسنا، فما أثر الأماكن على تحفيز نفسية الإنسان؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بك أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:
فبعض فالأماكن تسكن القلوب كما يسكنها بعض الأشخاص، ويظل أثرها في قلوبنا وذاكرتنا مهما افترقنا عنها وابتعد لقاؤنا بها، تظل مواقنا الجميلة بها حاضرة أمام عيوننا، ومن التقينا بها وأسروا قلوبنا فيها بحسن معاملتهم وكرمهم، فالأماكن بمن يسكنها تزيد حلاوة وغلاوة.
وإليك أخي الفاضل بعض الذكريات والمواقف في أماكن أثرت فينا وعملت على تحفيز نفوسنا.
مقبرة البقيع
البقيع هي المقبرة الرئيسية لأهل المدينة المنورة منذ عهد النبي محمد ﷺ ومن أقرب الأمكنة التاريخية إلى مبنى المسجد النبوي حاليًا، وتبلغ مساحته الحالية 180 ألف متر مربع.
يضم البقيع رفات الآلاف المؤلفة من أهل المدينة، ومن توفي فيها من المجاورين والزائرين أو نقل جثمانهم على مدار العصور الماضية، وفي مقدمتهم الصحابة الكرام. ويروى أن 10 آلاف صحابي دفنوا فيه، منهم ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه - ثالث الخلفاء الراشدين - وأمهات المؤمنين زوجات النبي محمد ﷺ عدا خديجة وميمونة رضي الله عنهما، كما دفن فيه ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام، وابنه إبراهيم الطيب، وعمه العباس رضي الله عنه، وعمته صفية رضي الله عنها، وزوجته عائشة رضي الله عنها، وسبطه الحسن بن علي وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق عليهم السلام.
استمعنا في ذلك اليوم إلى تاريخ مقبرة البقيع، وقد تركت فينا أثرًا طيبًا ولمسات إنسانية محفزة لأشخاص تركوا بصماتهم في هذا العالم، وما زالت آثار تلك البصمات باقية إلى يومنا هذا.
إن زيارة آثار أشخاص مشهود لهم بالبطولات، كفيلة بتحفيز النفس ورفع همتها.
مطعم الفيل الأزرق
مطعم الفيل الأزرق معروف بتقديم "البوفيه" التايلاندي ذي المأكولات البحرية مع مشروبات عشبية وفوارة.
السيد "ميلفن" هو المدير العام لمطعم الفيل الأزرق في منطقة المنقف بدولة الكويت. وصلت أنا والأولاد في ذلك اليوم إلى المطعم لتناول الغداء فيه، فاستقبلنا السيد "ميلفن" استقبالا حارا، وأجلسنا في ركن متميز فيه.
طلبنا الطعام وصرنا نأكل، ثم دخلت عائلة أخرى المطعم، واستقبلها السيد "ميلفن" بحرارة، وأجلسهم في موقع متميز بقربنا. ثم فوجئنا بأحدهم يشعل سيجارته ويدخن.
فاستدعيت السيد "ميلفن" وسألته: هل نحن في منطقة المدخنين؟ نحن لا ندخن! فدهش قائلا: أنتم لا تدخنون! أنا آسف، هذه منطقة المدخنين، ألا ترى اللافتة المعلقة على الحائط؟ مكتوب فيها "منطقة المدخنين"، ولكن لحظة من فضلك، لدي حل. قلت: وما هو الحل؟ أرجوك لا تنقلنا إلى موقع آخر، لقد صرنا نأكل الطعام! قال: راقبني من فضلك، سترى بعينك الحل. ثم ذهب السيد "ميلفن" إلى لافتة التدخين، وقلبها إلى الوجه الآخر، فصارت "ممنوع التدخين"، ثم ذهب إلى العائلة الأخرى، وأشار بيده نحو اللافتة قائلا لهم: أنا آسف، هذه المنطقة صارت الآن لغير المدخنين، تعالوا معي إلى ركن المدخنين!
إن قرار السيد "ميلفن" كان قرارًا حكيمًا، وترك في نفسي أثرًا طيبًا، وحفزني إلى أن أنهج نهجه في احتواء مواقف شبيهة.
إن اتخاذ القرارات الحكيمة والسليمة في الحياة، يلهمك ويحفزك.
ثلوج السويد
على الرغم من أن الشتاء في السويد هو فصل العمل بكل أشكاله ومجالاته، فإن بعض المواطنين يفكّر في كسر جليد الروتين اليومي الذي يصيبه في أطول فصول السنة، فيحلم بإجازة في مدينة يغمرها الثلج ليمارس هواية التزلج إذا كان يتقنها، أو ممارسة أي رياضة شتائية لا تتطلب مهارة، وبعضهم يفضّل بكل بساطة أن يجلس أمام المدفأة ويراقب من نافذة الفندق تساقط الثلج، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية.
وفي العالم مدن وبلدات تستقبل الشتاء على طريقتها، فترتدي ثوب الثلج بكل فخر لتستقبل زائريها بالأبيض فتبعث فيهم روح التفاؤل ليعيشوا أيامًا جميلة لا يمكن لسحب الشتاء الرمادية أن تمحوها من ألبوم ذكرياتهم. المصدر: (http://www.b7rfree.com).
أخبرني صديقي يعقوب يوسف - المدير في إحدى شركات النفط في الكويت - أنه جرى عقد إحدى الدورات التدريبية التابعة للشركة على سفوح جبال السويد الخلابة والمغطاة بالثلوج. ويصف لي صديقي يعقوب الدورة بأنها من أروع الدورات التدريبية التي حضرها في حياته، وتركت آثارًا إيجابية في نفسه.
كنت أستمع إليه وهو يحكي تفاصيل حضور تلك الدورة، وشعرت يومها بعلو في الهمة لزيارة تلك الجبال، وزيارة مدينة "كيرونا" Kiruna التي تتمتع بما يسمى بشمس منتصف الليل؛ حيث ترى الشمس مشرقة 24 ساعة دون أن تغيب في فصل الصيف، وتراها تشرق ثم تغيب مباشرة في الموقع نفسه. والمسافة بين "كيرونا" و"ستوكهولم" نحو ألف كيلومتر شمالاً، وتستغرق الرحلة نحو 18 ساعة بالقطار أو ساعة واحدة بالطائرة.
إن عقد اللقاءات وسط المناظر الطبيعية يلهم النفس.
الخلاصة:
الأماكن تسكن في قلوب الإنسان، وتحفر في ذاكرته، ولها أثر كبير في تحفيز النفس، ولا تقتصر العلاقة بينهما على التفاعل والانسجام، وعلاقة الإنسان بالمكان تبدأ من خلال معرفته به ليجد بعدها ذاكرته مليئة بالمواقف والأحداث التي لا يمكن أن ينساها ويظل أثرها فيه.