Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 169
  • رقم الاستشارة : 1341
18/03/2025

أنا فتاة عشرينية..أرغب في التوقف عن مراقبة شخص كان جزءًا من حياتي، ولكن لم يُكتب لنا الاستمرار معًا بسبب عدم توافق الأهل. ورغم انتهاء العلاقة بيننا، لا أستطيع نسيانه أو تجاوز الأمر، كما أنني أعاني من التفكير المستمر فيه. أشعر بالإرهاق النفسي نتيجة لهذا التعلق، وأجد صعوبة في تقبّل فكرة ارتباطه بشخص آخر. أريد التخلص من هذه المشاعر والتمكّن من المضي قدمًا في حياتي، لكنني عاجزة عن ذلك. أرجو منكم النصح والإرشاد لكيفية نسيانه وتجاوز هذه المرحلة الصعبة.  

الإجابة 18/03/2025

ابنتي العزيزة، أعلم تمامًا أن قلبك يمرّ بصراع داخلي مرهق، وأن الألم العاطفي الذي تعانين منه الآن قد يبدو كأنه لا نهاية له، ولكن اسمحي لي أن أضع يدك على طريق التعافي من خلال رؤية أكثر واقعية وحكمة.

 

أولًا: لا بد من فهم طبيعة المشاعر والتعلّق العاطفي

 

فالتعلّق العاطفي هو حالة نفسية تنشأ نتيجة الارتباط العميق بشخص ما، خصوصًا عندما يكون هناك ارتباط بالأمل في مستقبل مشترك.

 

وعندما تنتهي العلاقة، فإن الدماغ يواجه صعوبة في التأقلم مع هذا الفراغ العاطفي؛ ما يدفعكِ إلى التفكير المستمر فيه، بل ومراقبته كوسيلة لا إرادية لملء هذا الفراغ.

 

من المهم أن تدركي أن ما تمرّين به هو جزء من مرحلة الفقد النفسي (Psychological Grief Process)، التي قد تتضمن الحزن، الإنكار، الغضب، التفاوض، ثم القبول.

 

والتعافي لا يعني فقط نسيان الشخص، بل يعني إعادة توجيه العاطفة والاهتمام نحو نفسكِ ومستقبلكِ.

 

ثانيًا: وفي هذا الوقت يتعين على الإنسان المؤمن أن نذكره بالتصالح مع الواقع والإيمان بالقضاء والقدر..

 

قال الله تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، فربما كان في عدم اكتمال هذه العلاقة خيرٌ لا ترينه الآن. فالله، بحكمته، يدفع عنكِ ما قد يضرّكِ أو يؤخركِ عن تحقيق السعادة الحقيقية.

 

وفي الحديث الشريف، قال النبي ﷺ: "واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك".

 

لذا، عليكِ أن تؤمني بأن هذا الانفصال كان مكتوبًا، وأن تعلقكِ به لن يغيّر ما قدّره الله لكِ.

 

ثالثًا: وهنا سأضع لك بعون الله –تعالى- استراتيجية لتجاوز التعلق النفسي والعاطفي، لكي تتمكني من تجاوز هذه المرحلة، إن شاء الله تعالى، وأتمنى أن تتبعي خطواتها الآتية:

 

1- إيقاف المراقبة وقطع مصادر التذكير بهذا الشخص:

 

هذا لأن التعلق العاطفي يزداد كلما استمررتِ في مراقبته. لذا، ابتعدي تمامًا عن أي وسيلة تربطكِ به، سواء وسائل التواصل الاجتماعي أو السؤال عنه عبر الأصدقاء المشتركين.

 

2- إعادة توجيه التركيز نحو نفسكِ:

 

استثمري وقتكِ في تطوير ذاتكِ، سواء كان ذلك من خلال ممارسة هوايات جديدة، أو القراءة، أو التعلم، أو حتى التركيز على الجوانب الروحية كالصلاة والتأمل وقراءة القرآن.

 

3- إعادة برمجة العقل الباطن :(Cognitive Reframing)

 

حاولي تغيير نظرتكِ للعلاقة، فبدلاً من اعتبارها خسارة، انظري إليها كتجربة تعليمية. تعلمي مما حدث، واجعلي من التجربة فرصة لنضجكِ العاطفي والنفسي.

 

4- كذلك من المهم التحكم في الأفكار (Thought Stopping):

 

عندما تجدين نفسكِ تفكرين فيه، قولي بصوتٍ داخلي حازم: "توقف!" ثم حوّلي تفكيركِ فورًا إلى شيء آخر إيجابي.

 

5- من الجيد أيضًا أن تدربي نفسك على ممارسة "العلاج بالتعرض التخيلي" (Imaginal Exposure Therapy):

 

تخيّلي نفسكِ بعد عام أو عامين، وقد تجاوزتِ هذا الشعور، وأصبحتِ أقوى، وأكثر نضجًا، أي يجب أن تكوني صاحبة نظرة بعيدة ولا تنظري فقط تحت قدميك.

 

هذا التمرين يساعد العقل الباطن على التكيّف مع الفكرة الجديدة.

 

6- كما أوصيك بديمومة الاستعانة بالله تعالى، والالتزام بالصلاة وكثرة الدعاء:

 

قال النبي ﷺ: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا".

 

ادعي الله دائما أن يمنحكِ القوة والسكينة والرضا، وأن لا يعلق قلبك بما ليس لك، وثقي أنه سيستجيب.

 

رابعًا: هناك حقيقة لا بد وأن ندركها حول العلاقات العاطفية..

 

أحيانًا، نحن لا نتعلق بالشخص نفسه، بقدر ما نتعلق بصورة مثالية رسمناها له في أذهاننا. ولكن الحقيقة أن العلاقات الزوجية الناجحة تقوم على التوافق بين الأسر والمجتمعات أيضًا، وليس فقط على المشاعر الشخصية. فعدم توافق الأهل ليس مجرد عقبة، بل ربما كان إشارة على أن العلاقة لم تكن لتستمر بسعادة حتى لو تم الزواج، فاحمدي الله على انتهائها قبل الزواج والإنجاب.

 

* حبيبتي، أتمنى ألا تلتفتي إلى الوراء، وألا يكون تفكيرك إلا في المستقبل بدلًا من الماضي، حتى وإن عاد بك الماضي لتعودي إليه، فأنت ما زلت صغيرة والمستقبل أمامك كبير، والقادم أجمل وأفضل لك، لأن الخير فيما يختاره الله..

 

فكما قال الله عز وجل: {...فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

 

ثم تعلمي من كلمات الشاعر جبران خليل جبران حين كتب: "لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء... إما أن يكون كله، أو لا يكون". فالشخص الذي لم يكتبه الله لكِ، لم يكن أبدًا نصيبكِ، والمستقبل يحمل لكِ ما هو أجمل.

 

* ثم همسة أخيرة لابنتي الحبيبة:

 

الحزن لا يدوم، والمشاعر تتغير مع الزمن، والأيام القادمة تحمل لكِ فرصًا جديدة لم تعيشيها بعد.

 

ثقي أن ما ينتظركِ أجمل، وكوني على يقين أن الله يُعد لكِ الأفضل، فقط كوني قوية وصبورة، وتأكدي أن السعادة ليست في الماضي، بل في المستقبل الذي لم يُكشف لكِ بعد.

 

رزقك الله الهدى والرضا والتقى والعفاف والغنى والزوج الصالح المحب.

الرابط المختصر :