Consultation Image

الإستشارة 27/04/2025

أخي شابٌّ في عمر الزهور، كثير السفر إلى بلدانٍ متعددة، ورغم ما يبدو عليه من الطيبة والمحبّة لنا كعائلة، فقد بلغني -من مصادر موثوقة- أنه صار يُقيم علاقاتٍ محرّمة مع فتياتٍ في تلك البلدان.

يحزنني ذلك كثيرًا.. وأشعر بأن قلبه الطيّب يمكن أن يعود يومًا إلى الله، لكن لا أدري من أين أبدأ؟ ولا كيف أصِل إليه دون أن ينفر؟ أحبّ له الخير، وأخاف عليه من غضب الله، ومن العواقب التي قد تَحرِق قلبه وقلبنا من بعده..

فكيف أتعامل معه؟ وبأي طريقة أنصحه دون أن يخسرني أو يزداد بعدًا؟ دلّوني على طريقٍ رحيمٍ، يجمع بين النُصح والحكمة.

الإجابة 27/04/2025

أختي الكريمة..

 

لقد طرقتِ بابًا من أوسع أبواب الرحمة والوفاء.. حين حرّككِ حبّكِ لأخيكِ وخوفكِ عليه، لا من عقوبة الناس، بل من سخط الله، وضياع القلب، وخسارة الآخرة، كما أنّ سؤالكِ نابعٌ من صدق النية، حرارة الأخوّة، وهو بابٌ عظيمٌ إلى الجنة، فقد قال النبي ﷺ: "الدالُّ على الخيرِ كفاعلهِ"؛ فأنتِ الآن تسعين لتكوني سببًا في هداية روح.. وردّ قلبٍ إلى طريق الطهارة والنور.

 

وإليك الجواب في نقاط محددة

 

أولًا: لماذا ينحرف بعض الشباب رغم خلفيتهم الطيبة؟

 

* لأن السفر -خاصة إذا خلا من الصحبة الصالحة- كشف الضعف ويُغري بالشهوات.

 

* ولأن النفس الأمّارة بالسوء تُزيِّن البعيد وتُغفِل العواقب.

 

* ولأن الفراغ القلبي قد يجعل من العلاقات العابرة سُكرًا وقتيًّا يُخدّر الجراح ويُطفئ الملل.

 

لكن.. الله فتح أبواب الرجوع، ولم يغلقها في وجه عبدٍ أخطأ، وفي كتاب الله المجيد نداء الحنان والأمان والطمأنينة، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 53 - 55].

 

ثانيًا: كيف أتعامل مع أخي دون أن يُصدّ أو ينفر؟

 

1) ابدئي بالدعاء الخفيّ، والمناجاة الصادقة، قال النبي ﷺ: "دعوةُ المرءِ لأخيه بظهر الغيبِ لا تُردُّ"؛ فاسألي الله أن يُطهّر قلبه، ويكفّ شرّ الفتن عنه، ويحبّب إليه التوبة والطهر.

 

2) اقتربي منه لا لتُراقبيه، بل ليشعر بالحبّ لا الحكم، حدّثيه بلغةٍ دافئةٍ.. لا تكشفي له ما بلغكِ مباشرة، بل ازرعي في قلبه حديثًا عن الكرامة، والعفاف، والعاقبة، بغير اتهام.

 

3) اهديه مقاطع أو رسائل غير مباشرة عن التوبة، وعِفَّة الشباب، بأسلوب عصري مؤثر، مثل مقاطع الدكتور عمر عبد الكافي أو نبيل العوضي أو غيرهما.

 

4) اصنعي قدوةً حوله، بصحبةٍ أو أخٍ صالحٍ قريبٍ إليه، دون أن يشعر أنكِ من دبّرتِ ذلك.

 

5) لا تواجهيه بنبرة "أنت تفعل"، بل "أنا أخاف عليك"، "قلبي يتوجّع لأجلك"، "أنت غالٍ ولا أرضى لك هذا الطريق"؛ فالله جعل الكلمة الطيبة "كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ" كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24].

 

6) ذكّريه بلُطفٍ بأن الحرام لا يبقى حلوًا، بل يسرقُ بركة العمر، وكما قال بعضهم: "إني لأحسب أن الرجل يُحرَم الرزق بالذنب يصيبه".

 

ثالثًا: أدوات دعوية في التغيير:

 

* كان النبي ﷺ لا يُحرج المخطئ، بل يقول: (ما بالُ أقوامٍ) فيُشير دون أن يفضح، ويُصلح دون أن يكسر.

 

* لا تكن في النهي عن المنكر جبّارًا، ولكن كن حكيمًا رفيقًا.

 

* فمن أراد أن يُغيّر إنسانًا، فعليه أن يُجَمِّل النصيحة كما يُجمَّل الدواء ليُقبَل.

 

واسمحي لي أن أقدم لكِ بعض الوصايا العملية أيتها الأخت المباركة:

 

1. لا تيأسي من هدايته؛ فالهداية لا توقيت لها.

 

2. اجعلي تواصلكِ معه مليئًا بالمحبّة، لا بالتأنيب.

 

3. استثمري لحظات السفر: رسالة، دعاء، وصيّة غير مباشرة.

 

4. تابعي دعاء الأم أو الأب أو من تحبين أن يدعو له.

 

5. تذكّري أن كل كلمة منك قد تكون سببًا في عودة، أو نفور.. فاختاري كلماتك كأنك تبنين بها جسرًا للنجاة.

الرابط المختصر :