Consultation Image

الإستشارة 27/01/2025

أنا يا سيدتي فتاة في الثالثة والعشرين من عمري عندما كنت في الصف الأول الثانوي تقدم لي لخطبتي معلم اللغة الأجنبية الثانية الذي يدرس لنا في المدرسة وكان تقريبا في ضعف عمري وتم رفضه من قبل أهلي لفارق السن بيننا ولأنهم كانوا يرونني مجرد طفلة بينما أنا كنت معجبة به أشد الإعجاب وعندما كرر طلبه أكثر من مرة تحول إعجابي به لحب جارف كتمته في قلبي ولم أخبر به أحدا. وعندما كنت في الصف الثالث الثانوي تزوج هذا المعلم من فتاة أخرى ومن وقتها وأنا أشعر بانهيار عاطفي فأنا لم أستطع نسيانه أبدا وكلما اشتدت مشاعري دخلت إلى صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به أتابعها. هذا المعلم لم يتحدث معي أبدا بصورة شخصية ولا حاول الاتصال بي ولا أنا حاولت الكلام معه أبدا لكنني أحبه حد العشق وهذا يجعلني أرفض أي خاطب يتقدم لي بأي حجة.. فكيف أرتبط بأي إنسان وقلبي معلق بآخر.. أصلي وأصوم قدر ما أستطيع وتهدأ مشاعري بعض الشيء ثم تعاود الاشتعال؟ أخشى ألا أستطيع الاستمرار في رفض الخطاب وفي الوقت ذاته لا أريد أن أكون خائنة.. فهل من نصيحة تجنبني هذا الضياع الذي أعيشه؟

الإجابة 27/01/2025

ابنتي الحبيبة أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك غاليتي على صفحة استشارات المجتمع، وخيرًا فعلت أن كتبت إلينا وأخرجت جزءًا مما يعانيه قلبك بين السطور، وليتك تحدثت لنا أو لغيرنا منذ سنوات طويلة مضت، ولكن قدر الله وما شاء فعل، المهم أنك أخيرًا قمت بالبوح والفضفضة وهذا في حد ذاته إنجاز عظيم.. أن نقوم بلمس مخاوفنا وما يؤرقنا وإخراجه إلى حيز الضوء.

ابنتي الغالية لمست من كلماتك مشاعر إيمانية عالية تدعوك للصلاة والصيام، وضميرًا يقظًا يرفض استغلال الفرصة والارتباط برجل بينما قلبك لا يزال ينبض باسم آخر، وعقلاً واعيًا يسعى وراء البحث عن حل، وإن شاء الله تصلين لبر الأمان.

أعلم يا ابنتي ما تعني المشاعر لقلب غض لم يكمل السادسة عشرة من عمره، إنها تكون عنيفة جارفة تحفر العلامات قوية غائرة بالغة العمق في سويداء القلب يغذيها الخيال الخصب ويمدها بمدد لا ينضب من التفاصيل الصغيرة المليئة بالحياة والتي أصبحت جزءًا من شخصيتك بمرور الوقت تحمل لك هوية عاطفية تتحدى الواقع، ولكن في الوقت نفسه فعقلك يدق لك أجراس الخطر أن الخيال يلتهم حياتك فتسعين لوقفه تستعينين بالصلاة والصيام.. تنجحين بعض الوقت ولكنك سرعان ما تنجرفين لهويتك العاطفية فتفتحين صفحاته على مواقع التواصل تضخين الدماء للخيال وهكذا.. فما هو الحل؟

قبل أن نتحدث عن الحل دعينا نتكلم عن المشكلة، فالسطور السابقة كانت تصف شعورك أنت وليس حقيقة المشكلة، فأنت في الحقيقة لم تعرفي هذا الرجل كي تحبيه كل هذا الحب.. لقد أحببت يا ابنتي الحب، أحببت شعور التلميذة حين ينجذب إليها أستاذها من بين العشرات، أحببت الاهتمام، أحببت صورتك في عينه، أحببت إصراره وتمسكه بك...

لقد كنت معجبة به كما يحدث عادة مع طالبات الثانوي، ولكن تقدمه إليك وإصراره على التقدم المرة تلو الأخرى هو ما حوّل هذا الإعجاب إلى حب أو ما توهمت أنت أنه حب وزاده الخيال وهجًا، وعلى الرغم من أنه تزوج بالفعل ومضى في حياته، وعلى الرغم من أنه لم يتكلم معك أبدًا، وأنت لم تتكلمي معه أبدًا، فإن الخيال أنطق على لسانه ولسانك عشرات الجمل وحوّلها عقلك اللاواعي إلى حقائق كأنها حدثت بالفعل فقد تعرفت عليه جيدا في خيالك...

إنك لا تحبين الأستاذ بل تحبين الصورة الخيالية التي رسمتها للأستاذ، لا يختلف أمرك كثيرًا عمن تحب ممثلا أو لاعب كرة أو بطل إحدى الروايات العاطفية أو حتى شخصية من نسج الخيال، الفارق الأساسي أنه كان شخصية حقيقية في محيطك وأنه تقدم بالفعل وأنه كان هناك ثمة فرص للقاء في الواقع أنت على يقين أنه لم يكن ليشبه ذلك الذي رسمته في صفحات الخيال...

تخيلي نفسك وأنت ابنة السادسة عشرة تقومين بمهام ومسئوليات ربة البيت وتنجبين الأطفال ويصرخ في وجهك لأمر ما أو يسخر منك لأمر آخر أو يوجه لك النصائح بتعالٍ أو تشتبكين مع أهله لأمر ما.. تخيلي صورتك وأنت عاجزة عن إكمال دراستك أو شعورك بالحسرة وأنت ترين زميلاتك قد التحقن بالجامعة بينما أنت مسحولة حرفيًّا في أداء المهام الأسرية.

قد تقولين هذه صورة متشائمة وكان من الممكن أن يساعدني ويدعمني وأعيش الحب وأنجح في استكمال تعليمي. نعم أقول لك كان من الممكن أن يحدث ما تقولين، ولكن عليك أيضًا أن تقتنعي أنه كان من الممكن أن تقعي في السيناريو الأسوأ لم تكن هناك ضمانات...

لم نعرف الرجل حتى نحكم عليه.. أنت أحببت المجهول هو حتى لم ينتظر أن تلتحقي بأولى سنواتك الجامعية ثم يعاود طلبه، ولا ألومه فهو بحث عن منفعته تمامًا كما آن لك أن تفكري فيما ينفعك.

الحب يا ابنتي ليس محرمًا ونحن لا نملك قلوبنا حقًّا، ولكنه يا ابنتي قد يكون مؤذيًا أشد الإيذاء قد يعيق حياتنا ويحرمنا أجمل سنوات عمرنا ثم نكتشف أنه لم يكن سوى وهمًا كبيرًا أسر قلوبنا، فهل أنت على استعداد للمقامرة بقلبك وحياتك؟!

يا ابنتي أنت بحاجة لاتخاذ قرار واع أن تعيشي حياتك وتستردي قلبك من غيابات الوهم.. تعلمين نحن نتحول لما نفكر فيه.. نتحول للطريقة التي نفكر بها.. نتحول لما نقوله لأنفسنا فإن قلت لنفسك أنا عاشقة متيمة ولا أمل في نجاتي فستصبحين هكذا، وإن قلت لنفسك لقد عشقت وهمًا عندما كنت مراهقة وآن أوان التحرر فستتحررين إذا أصابك الحنين، قد تقولين لنفسك لا أستطيع مغادرة هذه المشاعر، وقد تقولين ما أمرُّ به أمر عادي آثار انسحاب، فلقد كنت مدمنة على الوهم، قد أنتكس لكني سأتعافى مرة أخرى.. الخيار بيدك فاختاري حياتك أرجوك.

إذا عزمت على اختيار حياتك فالخطوة الأولى لطي صفحة الماضي أن تقومي بعمل حظر وحذف لكل صفحاته على مواقع التواصل، ولا تتبعي أخباره بأي طريقة كانت.

الخطوة الثانية أن تشغلي حياتك بكل ما هو هادف ومفيد، فالفراغ عدوك الأول الذي يخلق البيئة التي تنسج شباك الوهم حول قلبك.

الخطوة الثالثة أن تمنحي كل خاطب يتقدم فرصة تنظرين له بعين مختلفة دون مقارنة مع الصورة الوهمية التي جسدتها للحب.. تعاطي بإيجابية مع أي خاطب لك.. افرحي.. اشتري الملابس الجديدة.. امنحي قلبك الأمل في فرصة جديدة.. اجعلي لعقلك الواعي السيطرة على اللقاء وعلى التفكير وعلى اتخاذ القرار.

أريد أن أقول لك إن الذكريات العميقة المحفورة داخلك قد تظل حية بعض الوقت وقد تستدعينها خاصة في أوقات الفراغ أو الإحباط حتى لو تزوجت فلا يفزعك ذلك.. فقط دعيها تمر، استعيذي بالله من الشيطان الرجيم قومي توضئي وصلي فستجدينها قد ذهبت وقد تعود مرة أخرى هذا أمر وارد جدًّا ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (الأعراف: 200 - 201).

إنه طائف الشيطان الوسواس الخناس لن نوقف حياتنا على وسوسته هل تفهمينني؟

وأخيرا أهمس في أذنك يا ابنتي ضعي هذا الحديث نبراسًا لك في أيامك القادمة "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي.

وفي رواية الإمام أحمد: "احفظ الله تجده أَمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك، وما أَصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أَن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسرِ يسرًا".

فما حدث في الماضي يظل من الماضي انتهى، فما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولكن تذكري دائما أن النصر في معارك الحياة وفي معارك النفس مع الصبر، كما أن الفرج مع الكرب، فاحفظي الله في السر والعلن يكن معك وييسر لك أمرك.

لمزيد من الفائدة راجعي هذه الاستشارة أيضًا:

المتدينون والحب.. ما نملك وما لا نملك

الرابط المختصر :