الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
235 - رقم الاستشارة : 3259
13/11/2025
نواجه ظاهرة مقلقة في مجتمعاتنا، وهي لجوء أحد الزوجين أو كليهما إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لبث وإفشاء تفاصيل الخلافات أو الأسرار المتعلقة بحياتهما الزوجية الخاصة والعلاقة بينهما.
فما الحكم الشرعي والمبدأ الديني والأخلاقي الذي يحكم مسألة إفشاء الأسرار الزوجية الخاصة، ونشر الخلافات العائلية على الملأ عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؟
ونرجو من فضيلتكم التكرم ببيان وتفصيل ما يلي، ولا سيما في حالة الأزواج المعروفين والمشهورين في المجتمع (كالعلماء والدعاة):
1- ما ضوابط التعامل مع الأسرار الزوجية في الشريعة الإسلامية؟ وهل هناك نصوص تحرم إفشاءها؟
2- ما التكييف الشرعي إذا ترتب على إفشاء الأسرار الزوجية عبر وسائل الإعلام مفسدة عامة، مثل: النيل من سمعة الزوج أو الزوجة المعروفين في المجتمع (خصوصًا إذا كان الزوج داعية أو شخصية عامة). واستغلال هذه القضايا لتشويه صورة الدين والطعن في المتدينين بشكل عام.
3- بخصوص الطرف الذي يشعر بالظلم الشديد والقهر وعدم القدرة على تحصيل حقه عبر الوسائل التقليدية أو القضائية، هل يشفع له هذا الشعور بالظلم واليأس في اللجوء إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لكشف مظلوميته؟ وما البدائل الشرعية التي يجب أن يسلكها المظلوم قبل هذا المسلك؟
وهل يختلف الحكم في حالة كون الزوجين غير معروفين، عنه في حالة الأزواج الذين يتابعهم الناس ويتخذونهم قدوة؟
جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم.
مرحبًا بك أخي الكريم، وأشكرك على ثقتك بنا وتواصلك معنا، وعلى حرصك على معرفة الحكم الشرعي فيما ينزل بنا من نوازل العصر. أسأل الله أن يشرح صدرك، ويصلح شأنك، وبعد...
فقضية إفشاء الأسرار الزوجية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت من أخطر الظواهر في زمن الانفتاح الرقمي؛ حيث صارت الحياة الخاصة مكشوفة، وفتنة الشهرة تدفع كثيرًا من الناس إلى نشر ما كان يجب أن يبقى خلف الأبواب المغلقة. ومن رحمة الله أن الشريعة جاءت بمنهج مفصَّل في صيانة البيوت، وستر العورات، وحفظ الأعراض. ولذلك فإن الوقوف على الحكم الشرعي والأخلاقي لهذه الظاهرة ضرورة تربوية ومجتمعية.
ضوابط حفظ الأسرار الزوجية في الشريعة
لقد جعل الله حفظ الأسرار من مكارم الأخلاق، ومن دلائل الأمانة. قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34]. والزوجية عهد عظيم؛ بل وصفه الله في سورة النساء بأنه «ميثاق غَلِيظ». ومن لوازم حفظ هذا الميثاق ستر ما يدور داخل البيت.
وقد قال النبي ﷺ: «إنَّ من أشرِّ الناسِ عند الله منزلةً يومَ القيامةِ الرجلُ يُفضِي إلى امرأتِه، وتُفضِي إليه، ثمَّ ينشرُ سرَّها» [رواه مسلم]، ولا شك أن هذا التحذير يشمل الزوجة أيضًا التي تفضي إلى زوجها ويفضي إليها، ثم تنشر سره.
وهذا الحديث أصل قاطع في تحريم نشر أي تفاصيل زوجية، سواء كانت حميمية أو خلافات أو كلامًا قيل داخل البيت على سبيل الثقة.
ويقول النبي ﷺ: «إذا حدَّث الرجلُ حديثًا ثم التفت فهي أمانة» [رواه أبو داود]. فإذا كان هذا في كلام عابر، فكيف بما يُبنى عليه شرف الأسرة، ومكانتها، وسكينتها؟
إن نصوص الشريعة تؤكد أن الستر فضيلة عظيمة، ومنها قوله ﷺ: «ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» [رواه مسلم]. والزوج أحق بالستر على زوجته، والزوجة أحق بالستر على زوجها؛ لأن ستر كل منهما متعلق بعِرض الآخر.
إفشاء الأسرار الزوجية تترتب عليه مفاسد عامة
عند نشر الخلافات الزوجية على الملأ، يخرج الأمر من مجرد خطأ شخصي إلى باب الضرر العام والمفسدة الاجتماعية، وتتضاعف الحرمة؛ خصوصًا إذا كان الزوج أو الزوجة من أهل العلم أو القدوات.
وقد يدخل الأمر في باب البهتان وإشاعة الفاحشة، إذا ترتب على نشر الخلافات: إساءة لسمعة أحد الزوجين المعروفين، أو زعزعة الثقة بالعلماء والدعاة، أو توهين الدين في أعين الناس. وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 19]. كما أن ما ينشره المعروفون والمشاهير يتلقاه الناس على أنه حقيقة موثقة، فتزداد الفتنة، ويزداد الاضطراب في المجتمع.
وإذا استغل أهل السوء هذه الخلافات للتشكيك في التدين أو الطعن بالمتدينين، فقد شارك الزوج أو الزوجة في فتح باب فتنة، والنبي ﷺ يقول: «من سَنَّ سنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» [رواه مسلم]. فكيف بمن يجعل حياته الخاصة مادة للطعن في الدين والانتقاص منه ومن أتباعه والملتزمين به؟
إن هذا الفعل في هذه الحالة محرم شرعًا، وقد يبلغ حد الكبيرة إن ترتب عليه إيذاء مؤمن، أو نشر فتنة، أو تشويه سمعة. ويعتبر من «الإفساد في الأرض» بحسب حجم الأثر وتبعاته.
هل الشعور بالظلم يبرر اللجوء إلى الإعلام؟
إن الشريعة راعت حال المظلوم، وسمحت له بأن يبوح بما يثبت حقه، قال تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء: 148]. لكن هذا الاستثناء له ضوابط دقيقة، منها: أن يكون القصد تحصيل الحق، لا التشهير ولا الانتقام، وأن تقتصر الشكوى على الجهات المختصة، مثل: القضاء، والوسطاء الثقات. وأن يتجنب المظلوم كل ما يؤدي إلى مفسدة أكبر من مظلمته، فالقاعدة الفقهية: «لا يُزال الضرر بالضرر».
البدائل الشرعية قبل اللجوء إلى الإعلام:
أ. الإصلاح الداخلي، عن طريق: الحوار المباشر المنضبط بين الزوجين، ثم تدخُّل الحَكَمين من أهلهما، أو المصلحين من أهل العلم والديانة.
ب. الوسائل الخارجية، مثل: طلب الاستشارة النفسية أو الأسرية أو القانونية من المختصين، أو التوجُّه إلى القضاء.
والقاعدة أنه لا يجوز الانتقال إلى العلن إلا إذا كان الأمر متعلقًا بمفسدة عامة تمسُّ الأمة، وهو استثناء نادر جدًّا ومقيَّد، وليس متروكًا لاجتهاد الأفراد.
لماذا لا يصح نشر المظلمة الزوجية على العامة؟
لأن نشرها يفتح أبواب الفتنة، ويعرض الأسرة كلها للضرر، ويسيء للدين إذا كان أصحاب القضية من أهل العلم والدعوة.
ثم إن نشر المظلمة للعامة لا يستعيد حقًّا في الغالب؛ بل يضاعف الخلاف ويوسِّعه، ويجعله مادة إعلامية شهية لأصحاب النفوس المغرضة. هذا غير أن الإعلام ليس جهة قضائية؛ بل يقود عادةً إلى انتشار الفضائح واتساع المفسدة، ويولِّد ردود فعل مضادة وإهانات متبادلة بين الطرفين، ويفتح الباب للتأويلات والزيادات واختلاق الأحداث.
هل يختلف الحكم بين الأزواج المعروفين وغير المعروفين؟
إن كشف الأسرار الزوجية وإعلانها على الملأ تشتد حرمته في حق العلماء والدعاة والشخصيات المؤثرة؛ لأن الضرر لا يصيبهم وحدهم؛ بل يصيب المجتمع عامة. فالنشر إذا فعله شخص مشهور تحوَّل إلى فتنة عامة، وبلبلة، وتشكيل رأي خاطئ عن أهل الدين، وهذا يزيد الإثم.
أما من غير المعروفين فيبقى الفعل محرمًا؛ لكنه أقل أثرًا وأخف من جهة الضرر المجتمعي، مع بقاء المسؤولية الشرعية كاملة.
وختامًا أخي الكريم، إن حفظ الأسرار الزوجية من أهم مقاصد الشريعة في بناء الأسرة، ومَن هتك ستر بيته فقد هتك ستر نفسه، وقد يخسر الأسرة والدين والسمعة معًا.
ومع تطور وسائل الإعلام وتضخم تأثير المشاهير، أصبحت مسؤولية الستر والسكوت عن الأسرار أعظم من أي وقت مضى.
كما أنوِّه بأنه ينبغي للدعاة والعلماء أن يستحضروا دائمًا أنهم قدوة للناس، وأن الناس تقرأ في أخلاقهم وسلوكهم صورة الشريعة ومقاصدها؛ ولذلك يلزمهم التعامل مع خلافاتهم الزوجية بما تقتضيه أحكام الشرع وآدابه من ستر وحكمة وضبط للنفس. ومع ذلك، فإن ظهور أي خطأ منهم لا يجوز أن يُتَّخذ مطعنًا في الدين أو منقصة في الشريعة؛ فهم بشر يخطئون ويصيبون، وتبعة الزلَّة تقع عليهم وحدهم، أما الشريعة فباقية في صفائها وكمالها لا تتأثر بزلات أهلها، والحمد لله رب العالمين.
أسأل الله أن يحفظ بيوت المسلمين، وأن يستر عيوبنا، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال.
روابط ذات صلة: