شخصية المنافق كيف عالجها علم النفس؟

<p>ضغوط الحياة وغيرها من الضغوط بررت للبعض اللجوء للنفاق كوسيلة للنجاة أو الربح والمكاسب.. فكيف نظرت الفلسفة الأخلاقية إلى النفاق؟ وكيف شرح علم النفس شخصية المنافق؟</p>

أخي الكريم، النفاق من الأخلاق الذميمة التي رفضها الإسلام ورفضتها الأديان، وهو أنواع ودركات منها ما يرتبط بالاعتقاد، ومنها ما هو أخلاقي سلوكي، وفيما يتعلق بسؤالكم عن الطبيعة السيكولوجية لشخصية المنافق، فإن سؤالكم ذو أهمية، خاصة أن الموقف الديني والأخلاقي واضح وصريح في تأثيم النفاق.

 

سيكولوجيا المنافق

 

النفاق كما توضح معاجم اللغة هو النفق والسرب والجحر، أي أنه يرمز للخفاء، وتلك الفكرة دارت حولها التعريفات اللغوية، حيث يُظهر الشخص شيئًا ويبطن شيئًا آخر.

 

التعريفات الحديثة تراه "خطيئة التظاهر بالفضلة والخير"، ومن أشكاله ألا يلتزم الفرد بالمعايير الأخلاقية التي يُعلنها، ومن أشكاله كذلك إعلان الولاء الظاهري لجهة ما، لكن حقيقته تخالف ما يعلن.

 

ومن ثم فالنفاق هو التظاهر بمعايير أخلاقية لا يتوافق معها السلوك الشخصي؛ لذا أصبح مجالاً لاهتمام علم النفس، وتنظر بعض التحليلات في علم النفس إلى النفاق أنه حيلة دفاعية يلجأ إليها الفرد لحماية نفسه، أو سعيًا للحصول على منافع ومكاسب معينة.

 

النفاق يؤشر لحالة من عدم الأمان المتأصلة في نفس الشخص، والتي تسبب له مخاوف، فيلجأ إلى النفاق كنوع من الحيلة الدفاعية عن نفسه، فيظن أن النفاق يوفر له درعًا في مواجهة تلك المخاوف.

 

النفاق دليل على تدني الاحترام للذات، والضعف، ومشاعر الخوف والجبن، ورغبة الشخص في تحقيق القبول الاجتماعي من خلال التظاهر بالتمسك بمعايير أخلاقية يقبلها المجتمع ولا يستطيع الفرد الالتزم الحقيقي بها؛ لذا يلجأ إلى التظاهر بالفضيلة والأخلاق أمام الناس، لكنه ينتهكها مع غيبة أعين الناس.

 

المنافق والتعقيد الذاتي

 

بعض الدراسات النفسية تؤكد أن للنفاق عواقب سيئة على الإنسان نفسه، حيث يؤثر سلبًا على صحته النفسية لأن التنافر والتناقض المعرفي بين ما يقوله الشخص وما يتظاهر به، وبين ما يضمره في حقيقة نفسه يُسبب الشعور بالدونية والخزي والقلق، كما أنه يستهلك الطاقة النفسية والذهنية في إخفاء حقيقة الذات وضمان عدم ظهورها في تعبيرات الوجه وفلتات اللسان، هذا الضبط القاسي له تبعاته النفسية المرهقة، حتى وإن كان الشخص متمرسًا في النفاق.

 

عالمة النفس الأمريكية "باتريشيا لينفيل" ابتكرت مصطلح "التعقيد الذاتي" ويمكن الاستفادة من النظرية في فهم شخصية المنافق، وملخصها أن بعض الأفراد يميلون إلى تعريف أنفسهم من خلال الأدوار التي يؤدونها، وهذا التعريف يجعل تعريفهم لذواتهم محدودًا جدًّا، ويتسبب في اضطراب نفسي.

 

النفاق هو نوع من اختلال الذات، وهو ناتج عن التعارض بين الرغبات والمعايير، وتشير دراسة مطولة للمجلة الأوروبية لأبحاث علم النفس أن "النفاق يُمكن اعتباره فشلًا في تعزيز الأهداف والمعايير السامية والمجردة، لصالح إشباع النزوات الفورية الناجمة عن السعي وراء الأهداف أو المعايير القريبة والواقعية، وأن أولئك الذين يمتلكون مهارة كبح جماح دوافعهم سيكونون قادرين على تجنب التصرف بنفاق".

 

في العام 2023م نشرت مجلة "السلوك الاقتصادي والتنظيم" وهي علمية محكمة، دراسة مهمة بعنوان "نظرية النفاق"، ذكرت أن النفاق نوع من تزييف الذات، حيث يتظاهر أكثر الناس نبذًا للمجتمع بأنهم الأكثر تبجيلاً لهذا المجتمع، سعيًا وراء الحصول على التقدير وبعض من المكافآت الأخرى، الدراسة تقول إنه "كلما بذل الشخص جهدًا أكبر ليظهر بمظهر الشخص المثالي، قلّت مثاليته في حياته الخاصة"، لكنها أشارت إلى أن النفاق في بعض الأحيان قد يكون سعيًا لإيجاد حالة توازن بين ما يريد أن يراه المجتمع وبين ما عليه حقيقة الشخص، فيأتي هذا "التوازن" الموهوم من خلال النفاق أو التظاهر بالفضيلة والمثالية.

 

من الأسئلة التي طرحتها الدراسة: لماذا يتصرف الأشخاص الأكثر انحرافًا عن المعايير بشكل معياري؟ أو بمعنى آخر لماذا يتصرف الأشخاص الأكثر انتهاكًا للأخلاق بشكل أخلاقي ومثالي؟

 

المنفعة الذاتية من الأسباب التي تكمن وراء النفاق، فكلما زاد تزييف المرء لحقيقته تحصل على التقدير الاجتماعي؛ لأن المرء إذا تصرف بصدق ونزاهة فإنه سيحصل حتمًا على تقدير منخفض، ولتجنب ذلك فإنه يلجأ إلى النفاق؛ لأن الالتزام الظاهري بالمعايير الأخلاقية يحقق منافعه.

 

موضوعات ذات صلة:

النفاق الاجتماعي.. كيف تحمي قلبك ولسانك؟

بين المجاملة والنفاق.. كيف أجمع بين الصدق واللطف؟

هل أنا منافقة؟

عذاب الذين مردوا على النفاق مرتين

لا تقلق من المخاوف.. وانطلق إلى التغيير