في زمن «الفتن الرقمية».. كيف أحمي أبنائي من الانحراف؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه من علم ونصيحة<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا أب أحمل همًا كبيرًا على عاتقي يتعلق بتربية أبنائي في هذا الزمان الذي أصبح فيه الفساد الفكري والأخلاقي سيلًا جارفًا. لديّ ولدان (15 و 12 سنة) وبنت (10 سنوات)، وأشعر أن مسؤوليتي تجاههم أثقلت كاهلي، خاصة مع انتشار الانحرافات السلوكية التي تُبث في منصات التواصل الاجتماعي، والتي أراها تقتحم بيوتنا دون استئذان<span dir="LTR">.</span></p> <p>أعلم أن المنع التام صعب، بل قد يكون مستحيلًا، فشبكة الإنترنت متاحة على الهواتف في كل وقت وكل مكان، وأخشى أن يؤدي المنع إلى نتائج عكسية، كأن يلجأ أبنائي إلى الكذب أو البحث عن هذه المحتويات خفية. لذلك، أحاول جاهدًا أن أُحصّنهم بالوازع الديني وأربطهم بالقرآن والسنة، وأن أكون قريبًا منهم لأوجههم وأفهم تحدياتهم<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكن، رغم كل هذه المحاولات، يراودني شعور دائم بالتقصير والخوف.</p> <p>فما هو الواجب الشرعي والأخلاقي على الأب في مثل هذه الظروف الصعبة؟</p> <p>وما النصائح العملية التي يمكن تطبيقها لتحصين الأبناء؟</p> <p>وهل يُحاسب الأب أو يؤاخذ إذا ضلَّ أحد أولاده، رغم أنه بذل كل ما في وسعه لإصلاحه وتوجيهه؟</p> <p><span dir="RTL">أرجو منكم الإفادة والنصيحة، وجزاكم الله خيرًا.</span></p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرًا على ثقتكم الغالية وتواصلكم معنا، سائلين المولى -عز وجل- أن يبارك لكم في ذريتكم، وأن يجعلهم قرة عين لكم في الدنيا والآخرة، وبعد...

 

أخي الفاضل، إن همَّك هذا الذي تحمله على عاتقك هو همُّ الأنبياء والصالحين، وهو دليل على شعور كبير بمسؤولية جليلة.

 

إن القلق على الأبناء في زمن الفتن هو من أسمى أنواع الجهاد، فمهمة تربية الأبناء هي استخلاف وائتمان من الله -عز وجل- وتاج على رؤوس الآباء والأمهات.

 

واجبات الأب في هذا العصر

 

1- التربية بالقدوة الحسنة: التربية بالقدوة هي حجر الزاوية، فالأبناء يقتفون أثر آبائهم. أن تكون قدوة حسنة لهم في أقوالك وأفعالك، في صلاتك، في تعاملك مع أمهم، في صدقك وأمانتك، كل ذلك هو الدرس الأهم الذي سيتلقونه. وقد قيل قديمًا: «حال رجل في ألف رجل خير من مقال ألف رجل في رجل».

 

2- التربية الإيمانية وربطهم بالله: اجعل علاقتهم بالله هي الركيزة الأساسية. حدِّثهم عن حب الله لهم، عن رحمته، عن مغفرته، لا عن خوفه وعقابه فقط. شجعهم على الصلاة والصيام بأسلوب محبب. حدثهم عن الجنة ونعيمها، وكيف أن الله أعدها للمؤمنين المتقين، وعن النار وعذابها، وكيف أن الله أعدها للعاصين المنحرفين.

 

3- الحوار والمشاركة: اجلس مع أبنائك، لا لتملي عليهم الأوامر والنواهي؛ بل لتتحدث معهم كصديق؛ اسمع منهم، وناقشهم في اهتماماتهم، حتى في الموضوعات التي تراها صغيرة. هذا الحوار سيبني جسرًا من الثقة بينك وبينهم، وسيفتح لك نافذة على عالمهم.

 

ولقد نقل لنا القرآن الكريم وصايا لقمان لابنه، وكيف كان ينصحه ويحاوره: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ وما بعدها من آيات من سورة لقمان.

 

4- الحماية من المؤثرات الخارجية: إنك قد لا تستطيع منعهم من استخدام الإنترنت، ولكن يمكنك أن ترافقهم وتكون بجوارهم في كثير من الأوقات. اجلس معهم وهم يستخدمون أجهزتهم، شاركهم اهتماماتهم، وافتح معهم حوارًا حول ما يشاهدونه. علِّمهم كيف يميزون بين المحتوى الجيد والرديء، وازرع فيهم مبدأ المراقبة الذاتية.

 

نصائح عملية لتحصين الأبناء

 

1- توفير البيت المسلم الآمن: اجعل بيتك مملوءًا بالسكينة والرحمة، بعيدًا عن الصراخ والنزاعات. أدِمْ فيه قراءة القرآن والأذكار.

 

2- وضع حدود مرنة: ضع قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة؛ لكن بمرونة. فمثلًا: حدد أوقاتًا معينة للاستخدام، ومواقع وشخصيات يتابعونها... إلخ.

 

3- الانفتاح على عوالمهم: تعرَّف على اهتماماتهم، والألعاب التي يحبونها، والشخصيات التي يتابعونها، وشاركهم في ذلك. فهذا يجعلك قريبًا منهم، ويجعل نصائحك أكثر تأثيرًا.

 

4- البحث عن بدائل: شجعهم على الهوايات المفيدة، مثل الرياضة، والقراءة، والرسم، أو الأعمال التطوعية. فهذه الأنشطة ستملأ فراغهم وتوجه طاقتهم.

 

 هل يُحاسب الأب إذا ضلَّ أولاده رغم بذل جهده؟

 

أخي الفاضل، اطمئن. إن الله -تعالى- لا يُحمِّل نفسًا فوق طاقتها. قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [سورة البقرة: 286]. إن دورك هو الأخذ بالأسباب، والسعي بجد واجتهاد. فإذا بذلتَ كل ما في وسعك من نصح، وإرشاد، ودعاء، وتوجيه، فإنك قد أديت واجبك.

 

إن الهداية والتوفيق بيد الله وحده. قال -تعالى- لنوح -عليه السلام- في شأن ابنه: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [سورة هود: 46]. فنوح -عليه السلام- دعا ابنه بكل محبة، ولكن لم تكن هدايته بيده. فكما أننا لا نُحاسَب على أفعال الآخرين، فإننا لا نُحاسَب على النتائج النهائية لتربية أبنائنا؛ بل نُحاسَب على الجهد المبذول في سبيل ذلك.

 

وختامًا أخي الكريم، لا تنسَ الدعاء لهم. فالدعاء هو أقوى سلاح للمؤمن، فسلْ ربك أن يهديهم ويثبتهم على دينه. ولا تجعل خوفك من التقصير يثبطك؛ بل اجعله وقودًا لجهدك وعطائك. واعلم أنك على خير ما دمت تحرص وتجتهد، والله لا يضيع أجر المحسنين، وفقك الله ورعاك وأعانك.

 

روابط ذات صلة:

«تيك توك» يغتال أطفالك

«تيك توك» يربي أبناءنا!

زوجي يريد إجبار ي على تقليد قناة "حمدي ووفاء"

أمي ترفض ظهوري على تيك توك.. كيف أقنعها؟!!

ابنة أخي وأمها من أبطال التيك توك.. كيف أتصرف؟!!