<p>نسمع كثيرا عن مسمى "شيخ عقل" عند الدروز.. فماذا يعني؟</p>
أشكركم على هذا السؤال الذي يسعى لفهم أحد المكونات الدينية والاجتماعية في المجتمع العربي، والسؤال يهدف إلى بناء معرفة صحيحة عن طائفة الدروز، تلك الطائفة الموجودة في الأرض العربية منذ ما يقرب عشرة قرون، شاركوا خلالها في الأحداث التاريخية والاجتماعية.
أما سؤالكم عن معنى "شيخ عقل" عند الطائفة الدرزية، ومكانة هذه الشخصية في المجتمع الدرزي؛ ففي البداية يجب إدراك أن المجتمع الدرزي من المجتمعات المغلقة، وهذا المجتمع يعتمد مبدأ السرية في حياته بكافة جوانبها، وكذلك مبدأ التقية (وتعرف التقية بأن يُظهر الإنسان بخلاف ما يبطن).
الأمر الثاني أن المجتمع الدرزي لا يسمح لأحد بالدخول فيه من غير أهله، فلا يجوز زواج الدرزي ذكرًا كان أم أنثى من خارج الطائفة.
ويتكون مجتمع الدروز من طبقتين:
الأولى: طبقة العقال (جمع عقل): وهذه الطبقة هم من لهم الحق في معرفة شيء من العقيدة السرية، وينقسمون إلى درجات ثلاث، وهم كالآتي:
* خاصة الخاصة: وهؤلاء المطلعون وحدهم على الأسرار العليا للعقيدة.
* الخاصة: وهم الأقل حظًّا من الطبقة الأولى من حيث الاطلاع على الأسرار
* الدرجة الدنيا: وهم أهل التحصيل والتعلم.
الثانية: طبقة الجهال: وهم الذين لا حظ لهم من الاطلاع على أسرار العقيدة الدرزية، إلا في يوم عيدهم الذي يوافق يوم عيد الأضحى، والانتقال من طبقة الجهال إلى طبقة العقال، ولا يكون إلا بعد امتحان عسير قد يستمر سنة أو أكثر، يقوم فيها المرشح بالامتناع عن كثير من شهواته ورغائبه، ولا يسمح له بالانتقال، حتى يكتسب ثقة الشيوخ فيه.
ويتميز العقال بعمائمهم، ولبس القباء الأزرق والداكن وإطلاق اللحى، ويباح ترك هذه الملابس لمن يعملون منهم في الوظائف الحكومية.
وما ينطبق على الرجال في هذا التقسيم ينطبق على النساء كذلك، فهن ينقسمن إلى عاقلات وجاهلات.. والعاقلات يلبسن النقاب وثوبًا اسمه "صاية".
وللدروز رؤساء دينيون في كل مكان، وعلى رأسهم شيخ يعرف بشيخ العصر، ويتولى منصبه بالانتخاب أو باتفاق زعماء الطائفة وكبار رجالهم، ولشيخ العصر أعوانه في كل قرية، وهم شيوخ عقل محليون.
وللدروز قضاتهم الذين يحكمون حسب بعض أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك وفقاً للتقاليد الدرزية، ومن ذلك منع المرأة من أن ترث في بيت أبيها، ومنع الرجل من أن يجمع بين زوجتين.
وحسب كتاب "طائفة الدروز: تاريخها وعقائدها" للدكتور "محمد كامل حسين" فإن الدروز من الناحية الدينية ينقسمون إلى عقال أو أجاويد، وهؤلاء لهم الحق في معرفة شيء من العقيدة السرية، وبين الجهال الذين ليس لهم الحق في معرفة أسرار الدين.
وحسب الكتاب فإنه في مساء كل يوم جمعة يجتمع العقال في أماكن العبادة التي تعرف بـ"الخلوات" لسماع ما يتلى عليهم من الكتب المقدس، وبعد تلاوة المقدمات يخرج من الخلوة الطبقة الدنيا من العقال، ثم بعد تلاوة بعض الرسائل البسيطة التي ليس بها تأويلات تخرج الطبقة الثانية بحيث لا يبقى إلا رجال الدرجة الأولى الذين لهم وحدهم الحق في معرفة الأسرار العليا للعقيدة.
أما الجهال فلا يسمح لهم بحضور هذه الخلوات أو بسماع شيء من الكتب المقدسة إلا في يوم عيدهم وهو يوافق عيد الأضحى عند المسلمين.
أما كتاب "الدروز في التاريخ" للدكتورة "نجلاء عز الدين" فتشير فيه إلى أن العقال هم حفظة العقيدة الدرزية لأن لهم وحدهم قراءة وتفسير الكتب الدينية، وهم يرشدون الجهال إلى السلوك الذي يؤهلهم للاطلاع على الكتب المقدسة والاشتراك في العبادة التي تقوم في المجلس ليلة الجمعة، بحيث تُقرأ الكتب الدينية وتبحث المسائل الروحية.
وللعقال نفوذ واسع في المجتمع الدرزي، فهم يراقبون الأخلاقيات والسلوكيات والتصرفات، كما أن لهم صوتًا مسموعًا في الشأن الدنيوي، مثل إنهاء النزعات في المجتمع الدرزي خاصة ما يتصل بنزاعات الأرض والملكية وحقوق المياه.
وبعض العقال ينقطع إلى مكان خارج القرية يدعى الخلوة حيث يعيش حياة النساك الزاهدين، وتوجد خلوة في كل قرية درزية تقريبًا، ويخصص لها الأملاك لصيانتها من بعض الموسرين.
للمزيد اقرأ الاستشارة التالية: