Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 57
  • رقم الاستشارة : 1836
04/05/2025

زعم كثير من الدروز أنهم مسلمون بصورة تخصهم، فما صحة زعمهم، وما الفوارق بين معتقداتهم وعقيدة المسلمين؟

الإجابة 04/05/2025

في البداية أشكركم على هذا السؤال المهم، والذي يسعى لفهم أحد مكونات الفسيفساء البشرية في المنطقة العربية، تلك المنطقة التي شهدت الكثير من فترات التعايش بين مكوناتها الطائفية والعرقية والدينية، ولم تستطع بعض الأزمات العارضة أن تشطب منهجية التعايش.

 

وقبل البدء في الإجابة عن سؤالكم، أود أن أؤكد على قضية مهمة، وهي أن الاختلاف سُنة من سنن الله تعالى في خلقه، ومحاولة إلغاء الاختلاف هو ضد سنن الله تعالى في الاجتماع البشري، يقول تعالى في سورة هود الآية (118): {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، يقول الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار: "الذي دل عليه الكلام من مشيئته تعالى فيهم خلقهم مستعدين للاختلاف والتفرق في علومهم ومعارفهم وآرائهم وشعورهم، وما يتبع ذلك من إرادتهم واختيارهم في أعمالهم، ومن ذلك الدين والإيمان والطاعة والعصيان، وحكمته أن يكونوا مظهرًا لأسرار خلقه المادية والمعنوية في الأجسام والأرواح وسننه في الأحياء".

 

والاختلاف لا يعني التنابذ والتقاتل والتعصب والاضطهاد أو التحالف مع الأعداء على حساب الوطن، وكذلك أيضًا فإن الواجب كذلك الاعتراف بالاختلاف، خاصة في الجانب العقدي، وفهمه وتوضيحه، وإظهاره، حتى يتمايز الناس لا أن يتنافروا ويتقاتلوا.

 

من هم الدروز؟

 

الدروز فرقة إسماعيلية باطنية، تعيش في بعض المناطق العربية في سوريا ولبنان وفلسطين، ويزيد عددهم في تلك المناطق وبقية البلاد التي هاجروا إليها عن المليون ونصف المليون شخص.

 

والدروز طائفة دينية مغلقة لا تسمح لأحد بالانتماء إليها وتتمتع بتماسك اجتماعي كبير، كفل لها الاستمرار منذ نشأتها في القرن الحادي عشر الميلادي وحتى الآن.

 

النشأة الأولى: جاءت النشأة الأولى للدروز بعد مقتل حاكم مصر الفاطمي "الحاكم بأمر الله" عام (1021م) ورفض مؤسس المذهب الدرزي "حمزة بن علي" وكان مبعوث الحاكم إلى الشام، مبايعة أخيه "الظاهر" كخليفة فاطمي، وزعم "حمزة" أن "الحاكم بأمر الله" لم يمت وأنه سيرجع ليملأ الأرض عدلا بعد أم مُلئت جورًا.

 

ومن هنا فإن البداية الفكرية الأولى للطائفة الدرزية كانت ضمن المذهب الشيعي الإسماعيلي، قبل أن تنفصل وتؤسس المذهب الدرزي.

 

يذكر المؤرخ "محمد عبد الله عنان" أن بعض المستشرقين يعتبرون أن "حمزة" هو المؤسس الحقيقي للمذهب الدرزي، لكن كما يقول عنان: "إن فرقة الدروز تنسب قبل كل شيء إلى الدرزي، وهو الداعي محمد بن إسماعيل.. ومن المرجح أن الدرزي سبق حمزة في القدوم إلى مصر، وفي الدعوة إلى (ألوهية) الحاكم بأمر الله؛ ولكن الظاهر أيضًا أن حمزة ما لبث أن تفوق عليه وفاز دونه بالزعامة والقيادة".

 

يشير عنان إلى أنه وقع صدام بين "حمزة" و"محمد بن إسماعيل" حُسم لصالح "حمزة" ففاز بالزعامة والقيادة، فاستقل بإنشاء الطائفة وفق تعاليمه وأفكاره. يقول عنان: "ثم إن التاريخ الذي يتخذه حمزة لمبدأ هذه الدعوة هو سنة (408هـ =1017م) وهي نفس السنة التي اتخذها الدروز بدءًا لتاريخهم المقدس".

 

ومن الأفكار والعقائد الخاصة بالدروز التي ذكرها الدكتور "محمد كامل حسين" في كتابه: "طائفة الدروز: تاريخها وعقائدها": "أن الباحث في عقيدة الدروز يجب أن يكون ملمًّا إلمامًا تامًّا بعقيدة الشيعة الفاطمية، فعقائد الفاطميين هي الأساس الأول لعقيدة الدروز، والمصطلحات المذهبية الفاطمية تكاد تكون هي المصطلحات المذهبية عند الدروز"، ثم يقول: "وأحيانا نرى أن الذين وضعوا عقيدة الدروز يستعملون مصطلحات الفاطميين لمدلولات جديدة كل الجدة، ومع ذلك كله فهي ليست بعيدة كل البعد عن آراء الفاطميين".

 

يقول الدكتور "حسين" عن عقيدة الفاطميين: "إن الفاطميين جعلوا عقيدتهم تقوم على الظاهر والباطن؛ فالظاهر عندهم هو القيام بجميع فرائض الإسلام، أما الباطن فقائم على التأويل الذي لا يعرفه إلا أئمتهم وعلماؤهم، وهذا التأويل الباطني هو ما يفرقهم عن المسلمين، وذلك بسبب إسباغ مناقب وصفات خاصة وعالية على أئمتهم، وهذا ما حدث مع العقيدة الدرزية".

 

وقد ذكر الدكتور "حسين" في كتابه أكثر من (43) كتابًا ورسالة تقوم عليها العقائد الدرزية، رجع إليها في بحثه، وخلص منها إلى عدة نقاط، أهمها: أن للحاكم بأمر الله حقيقة لاهوتية، وأن لمعبودهم مقامات "ناسوتية"، أي صورة إنسانية، يتجسد فيها.

 

وحسب دراسة عماد مصطفى رجب بعنوان "الدروز نشأة وعقيدة" فإن "حمزة بن علي" مؤسس المذهب، يقول في رسالته "السيرة المستقيمة": "إن الإله تجلى في الصورة الناسوتية عشر مرات منذ الحاكم بأمر الله".

 

والدروز -حسب الدراسة- لا يكشفون عن عقائدهم، والطائفة تعتمد السرية فلا تُطلع أحدًا على عقائدها، كما أنها تعتمد التقية مبدأ لها؛ فالعقيدة الدرزية عقيدة محجوبة إلا على خواص الدروز، وسرية العقيدة تعتبر من أصولها وهي ركن أساسي فيها، وليست منهجًا طارئًا.

 

تقول الدراسة إنه: "إذ صحت هذه الدعوة وهي ادعاء ألوهية الحاكم، وأنها أصل من أصول عقيدتهم فإن ذلك يخرجهم بالضرورة من الإطار الإسلامي".

 

تذكر الدراسة أن هناك "كثيرًا من الدعاوى التي تخرجهم من حظيرة الإسلام، وهم صامتون، ولا ينكرون ولا يثبتون".

الرابط المختصر :