الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
46 - رقم الاستشارة : 3466
02/12/2025
لا أحب زوجتي ولا أستطيع الطلاق بسبب أطفالي ماذا أفعل؟ متزوج من 18 سنة ولدي أطفال، مشكلتي لم أعد أحب زوجتي منذ سنوات، وأنا أعلم علم اليقين أنها لا تحبني.
وأنا أستمر بالزواج لأجل أطفالي الذين هم نور عيوني ولا أريد أن أظلمهم، في حال الانفصال سيعيشون مع أمهم أو معي وحالتي المادية ضعيفة وهم يحبونني ويحبون أمهم كثيرًا.
أنا أعتبر نفسي ضحية، فهل يعقل أن أظلم نفسي طوال حياتي بسبب اختيار غير موفق، أفكر بهذا الموضوع طوال الوقت ولا أهنئ بشيء منذ سنوات، وحزين من الداخل ولا أظهر ذلك للآخرين.
أتمنى أن يكون لي شريك أطمئن إليه وأحبه وأفضفض له وأعيش بود ومحبة معه لكن هي الأقدار دائمًا ما تكون ظالمة.
أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
"الأقدار دائما ما تكون ظالمة".. جملة شديدة الخطورة على كافة المستويات، ويكفي أنه على مستوى العقيدة أنك تجحد حكمة الله عز وجل في تصريف الشئون وتدبير الأمور، وفي الحديث القدسي المتفق عليه (قال الله: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار).
قد يكون البلاء قاسيًا، وعلى الرغم من ذلك فلا بد من القبول والرضا والتسليم (إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط).
يا أخي الكريم، إن الله لا يظلم الإنسان أبدًا، كن على يقين من هذا (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، فلا تجعل من مشكلاتك مع زوجتك نفقًا مظلمًا يؤذيك في عقيدتك.
صناعة الحب
يتصور البعض أن الحب هو كائن أسطوري يحط على القلوب فجأة فتشتعل بالحب.. كيمياء سرية غير مفهومة تقارب القلوب وتربطها معًا.. بعضهم يتصور الحب يحدث دون أسباب، بل يعتقد أن السؤال عن أسباب الحب سؤال خاطئ لا محل له من الإعراب، والحقيقة أن هذا الحب هو ما يصوره خيال الشعراء وشطحاتهم والذي لا يكاد يتحقق في أرض الواقع إلا عبر أساطير الحب التي فُجعت بالفراق.
أما الحب الحقيقي الذي يعيشه البشر فهو يختلف عن ذلك تمامًا.. حب مفهوم له أسبابه.. حب يزيد وينقص، فإذا كان الإيمان نفسه يزيد وينقص أفلا يزيد الحب البشري وينقص؟ يزيد وينقص بأسباب وسلوكيات وممارسات.
الحب كالنبتة التي تسقيها وتهتم بها فتنمو وتثمر ومن يزرع الشوك بالطبع لا يجني العنب، أو هو كالصناعة الدقيقة التي يلزمها مواد خام جيدة وشروط عمل ملائمة وماكينة وأيد عاملة ووقت وجهد حتى تخرج بالشكل اللائق...
الحب -يا أخي- استثمار ذو قيمة عالية، فأين أنت من هذا كله؟ ماذا بذلت؟ وكم أنفقت؟ وأي نوع من البذور استنبت؟ هل أنت ضحية حقًّا؟ وهل كان الخطأ الوحيد الذي ارتكبته هو سوء الاختيار.
ماذا عن زوجتك.. هل ترى نفسها هي الأخرى مجرد ضحية بائسة؟ وأن الخطأ الوحيد الذي ارتكبته هو سوء الاختيار؟ هل ما تقوله هي وتعيشه هي هو انعكاس لصورتك في المرآة؟ وإذا كان كل منكما ضحية فمن الجاني يا ترى؟ ومن الذي يستطيع لعب دور المنقذ؟
أسهل شيء في الوجود أن نترك الأمور تسوء وتزداد سوءًا ثم نجلس نبكي حظنا العاثر في هذه الحياة وكيف أننا كنا فيها ضحايا.. لكن النتيجة النهائية أن الألم سيتضاعف ونشعر بالاختناق وتمر السنوات ونحن نشعر بالحزن.
على طريق الحب
أخي الكريم، الحياة الزوجية تقوم على ثلاث ركائز أساسية:
1. الشغف بما يحمل من معاني الانجذاب الشديد الذي يحدث في بداية العلاقات، وكما يصوره الشعراء وكما يطلق عليه الناس الحب.. والجاذبية الجسدية جزء من هذا الشغف.
2. الألفة، أي العشرة اليومية بما تحمل من تفاصيل صغيرة.. الاستماع والتفهم والتعاطف والمشاركة، وهي البنية العميقة والحقيقية التي يقوم عليها الزواج، وهي تترجم بصورة الحب الهادئ.
3. الالتزام، أي أنني ملتزم بهذا الزواج واستمراريته مهما تعرضت للمشكلات، وهذا يمنح الزواج بعد الأمان والجدية.
أنت في علاقتك بزوجتك لا يوجد شغف ولست أدري هل هناك جاذبية حسية أم لا؟ هل هناك علاقة زوجية ولو كل فترة؟ أم أن الأمور متجمدة وفي حالة التجمد هل هذا أحد اسباب الخلاف أم أنه نتيجة للخلاف والفتور والنفور؟ حاول أن تجد إجابة مناسبة لحلحلة الأمور.
أما بالنسبة للألفة فهذا ما علينا أن نعمل عليه خطوات صغيرة جدًّا على الطريق بعيدًا عن شغف الحب، ويُروى في ذلك أن رجلاً جاء إلى عمر يريد أن يطلق زوجته معللاً ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك، ألم تُبْنَ البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟
الرعاية -يا أخي الكريم- هي ما تحتاجه.. امنحها القليل من وقتك.. من اهتمامك.. من رعايتك.. بادر بذلك.. ألقِ عليها التحية وابتسم في وجهها.. اسألها هل تريدين شيئًا؟ هل البيت يحتاج إلى شيء؟ ابتسم في وجهها عندما تعود.. اشترِ حلوى أو فاكهة أو بضع قطع من الشيكولاتة للأولاد وأحضر لها معهم قطعة.. اهتم بها لو شعرت أنها مريضة أصر على ذهابها للطبيب وقم باصطحابها.
لا ترغب مثل أنك ترغب، فهذه أمور يجوز فيها الكذب؛ لأننا نكذب بهدف أن نعيش أجواء معينة وبتكرار المعايشة يعتبرها عقلنا اللاواعي حقيقة ويتعامل معها على هذا النحو فتبدو الأجواء أكثر لطفًا فيتحول الكذب إلى حقيقة وواقع بالتدريج.
تحاول فلا تستجيب وتشكك في كل ما تقول وتفعل فأين التذمم؟ والتذمم هو الإحسان إلى من يذم بترك الإحسان إليه.. أو هو حفظ العهد الذي يجعلك تحاول المرة تلو الأخرى أنك صادق في تلك الرعاية فتبدأ في التجاوب ولو على استحياء.
التذمم أيضًا يحمل معاني الالتزام فهو بمعنى رعاية الذمة، فلا يجعلك افتقاد الشغف أو حتى تراجع الألفة تفكر في فصم هذه العلاقة، بل تجعلك وتحاول وتبادر وتجرب بطرق أخرى مختلفة حتى تنقذ هذا الزواج الذي، وإن لم يصل لمرحلة الشغف والعشق فيكفيه الرعاية وقدر من الألفة.. بعض الود وبعض الرحمة..
الرحمة بالذات ينبغي أن يكون لها نصيب في زواجك هذا، فبدلا من الاستغراق في رثاء الذات حاول وضع نفسك مكان هذه المرأة بما تشعر وكيف تتألم فترحمها ولو قليلاً.. ترحم أولادك نور عيونك من مصير أطفال الطلاق.. ترحم نفسك من الشعور بالحزن فتسعى على طريق الرعاية..
حاول -يا أخي- وامشِ على طريق الحب بخطوات هادئة صغيرة، وسمِّ الله وانسج خيوطه خيطًا من الرعاية وخيطًا من الرحمة خيطًا من التذمم وخيطًا من الاهتمام حتى تتقن صناعتك في نهاية المطاف، وإن لم تصنع تحفة فنية فيكفيك أنك صنعت لباسًا يسترك وعائلتك.. يسر الله أمورك وأسعد قلبك، وتابعنا بأخبارك.
روابط ذات صلة: