Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 275
  • رقم الاستشارة : 1001
17/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا شيخ، أنا جاي لحضرتك مستحي من ربنا، ومقهور من نفسي، مش قادر أضبط شهواتي، كل ما أفتكر إني خلاص تخلصت منها، أرجع لها تاني وأنا أضعف من الأول، وكأنها مسيطرة عليَّ، وأنا مش عارف أقاوم. عارف إن ربنا خلق الشهوة امتحان للإنسان، وإن الفرق بيننا وبين الحيوان هو العقل والإرادة اللي تخلينا نقدر نتحكم في نفسنا، بس الصراحة ساعات بحس إن الشهوة أقوى مني، وبلاقي نفسي في لحظة الإغراء ضعيف ومهزوم. كل ما أقرأ الآية: "أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ"، بحس إنها بتكلم حالي، إزاي أعرف الصح وأعمل الغلط؟ إزاي أسيب شهوتي تتحكم فيَّ رغم إن قلبي عارف الصح؟ ليه نفسي بتجرني وراها بالشكل ده، وإزاي أوقفها عند حدها؟ فاهم كويس إن الحب الحقيقي حاجة تانية، وإنه بيرتقي فوق الشهوة ويوصل القلب لربنا، وإن الجمال اللي بنشوفه مش ملك حد، ده تجلي من جمال ربنا سبحانه وتعالى، وإن اللي بيحب بحق هو اللي بيشوف الجمال ويرجع بالأصل لصاحبه الحقيقي، مش للمخلوق. بس ازاي أوصل للمرحلة دي؟ إزاي أحرر نفسي من الشهوة وأقرب من ربنا بجد؟ دلني على طريق الخلاص يا شيخ، أنا تعبت من ضعفي، وخايف أمشي في سكة تضيعني، نفسي أرتقي وأبقى أقوى، بس مش عارف أبدأ منين! جزاك الله خيرًا، ونفعنا بعلمك.

الإجابة 17/02/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولدي الحبيب، أسأل الله أن ينير بصيرتك، ويثبتك على الحق، ويعينك على جهاد نفسك، فما أصدق كلماتك وما أعمق مشاعرك! قد جئت تسأل بقلب منكسر، وروح تائبة، وهذا أعظم أبواب القرب من الله. فما دام القلب حيًّا يعاتب صاحبه، وما دامت النفس تلوم ذاتها، فهذه علامة الخير، ودليل على أن الله يريد بك رَشَدًا.

 

فلا تيأس، ولا تحزن، ولا تستسلم لهذه الحرب الداخلية، فإنها معركة كل مؤمن يسعى للصفاء والنقاء. ولقد خلقنا الله في صراع بين النفس والهوى، ليختبر صدق العبودية، ويُميّز المجاهدين لأنفسهم عن المستسلمين لها. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

 

أولًا- لماذا تشعر أن الشهوة أقوى منك؟

 

أنت محق، فالشهوة اختبار عظيم، وهي باب من أبواب الابتلاء الذي يواجهه كل إنسان، لكن الخطأ هو أن ترى نفسك أضعف منها، بل الحقيقة أنك أقوى! فالله لم يضع فيك شهوة إلا وأودع معها القدرة على ضبطها، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7- 10].

 

فليست المشكلة في وجود الشهوة، ولكن في كيفية التعامل معها، فإنها إن تُركت بلا ضابط قادت الإنسان، وإن جاهدها وساسها بعقل المؤمن، ارتقى بنفسه إلى مراتب الطهر والعفة.

 

أنت تظن أن الشهوة تغلبك، لكنها في الحقيقة تجرُّك إلى الهاوية فقط عندما تتساهل معها، وتضعف أمامها. أما إن استعنت بالله، واستحضرت عقوبة الذنب، ووضعت بينك وبين المعصية سياجًا، فلن تقوى عليك.

 

ثانيًا- لماذا تعود بعد التوبة؟

 

سؤالك مؤلم وصادق: لماذا بعدما أتوب وأظن أني تخلصت منها أعود أضعف من الأول؟ هنا مكمن الخلل، وهو أنك تعتقد أن مجرد التوبة كافٍ للثبات؛ لكن الحقيقة أن التوبة بداية وليست نهاية.

 

هناك فرق بين التوبة والوقاية، فالتوبة تمسح الذنب، لكن الوقاية تحميك من العودة إليه. والله -عز وجل- يقول: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]. لاحظ أن الله لم يقل: (لا تفعلوا الزنا)، بل قال: (ولا تقربوا)! أي ابتعد عن كل المقدمات التي تقود إليه، من نظرة، وخلوة، ومواقع فاسدة، وأصدقاء سوء، وفكر ملوث.

 

ثالثًا- كيف توقف نفسك عند حدها؟

 

1- اربط قلبك بالله دائمًا:

 

فلا يكفي أن تقول: «أريد أن أبتعد عن الشهوة»؛ بل يجب أن تملأ فراغ قلبك بحب الله، فالقلب لا يبقى فارغًا، إما أن يشغله حب الله أو تشغله الشهوات. يقول النبي ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهو مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهو مُؤْمِنٌ» [رواه البخاري]، أي أن لحظة المعصية يكون فيها القلب غافلًا عن الله.

 

2- غضّ بصرك ولا تستسلم للنظرة الثانية:

 

قال النبي ﷺ: «لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ فإنَّما لَكَ الأولى وليسَت لَكَ الآخِرةُ» [رواه أبو داود]، وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ عن نَظَرِ الفُجَاءَةِ، فأمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي» [رواه مسلم].

 

فالنظرة الأولى قد تكون مفاجئة، لكن الاستمرار فيها هو الذي يزرع الشهوة ويؤججها.

 

3- املأ وقتك وانشغل بما ينفعك:

 

الفراغ هو أخطر سلاح يستخدمه الشيطان ضدك، فكل لحظة تمر دون انشغال بما يرفعك، ستكون مساحة سهلة لتسرُّب المعصية إليك. اشغل وقتك بالعمل، والدراسة، والرياضة، والصلاة، والقرآن... ومن قبل ومن بعد التخطيط الجيد لحياتك ومراقبة أهدافك.

 

4- احذر الوحدة والخلوة الطويلة:

 

قال النبي ﷺ: «فإنَّما يأكلُ الذئبُ منَ الغنمِ القاصيةَ» [رواه أبو داود]. فالوحدة المستمرة، خصوصًا في أوقات الضعف، تفتح أبواب الشيطان. تقرَّب من الصحبة الصالحة، ولا تعتزل المجتمع بدعوى العزلة الروحية، فإنما يقوى المؤمن بإخوته المؤمنين.

 

5- الزواج حصن العفة وطريق السكينة:

 

ولدي الحبيب، إن الله -سبحانه وتعالى- لم يجعل الشهوة ابتلاءً بلا حل، بل شرع لها بابًا طاهرًا يحفظ النفس ويهذب القلب، وهو الزواج. وللأسف، يعيش كثير من الناس أَسرى لعادات مجتمعية تجعل الزواج حلمًا بعيد المنال، إما بسبب المغالاة في المهور والتجهيزات، وإما بسبب القيود غير الضرورية التي وضعها المجتمع، بينما في الأصل هو أمر يسير لمن يسَّره الله له.

 

فليست القضية في السن، ولا في كثرة المال، بل في القدرة على تحمل المسؤولية، والإرادة الصادقة في بناء بيت على طاعة الله.

 

فإن كنت قادرًا على الزواج، فلا تؤجل الأمر بسبب مقاييس وضعها الناس، بل اجتهد في البحث عن شريكة حياة تعينك على الطاعة (بالتوافق مع عائلتك وإقناعهم)، واطلب التيسير من الله، وتذكر أن الزواج ليس رفاهية، بل طريق للعفة والسلام النفسي، ومصدر للطاقة الروحية التي تقويك في رحلتك إلى الله. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

 

فإن لم تستطع الزواج حاليًّا، فاصبر وجاهد نفسك بالصيام والانشغال بما ينفعك، حتى يجعل الله لك مخرجًا ويرزقك من فضله، فقد قال النبي ﷺ: «يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ» [رواه البخاري]. فالصيام يطفئ حرارة الشهوة، ويعوِّد النفس على التحكم في رغباتها.

 

6- استبدل بالعادة السيئة عادة حسنة:

 

لا تحارب الشهوة فارغًا؛ بل ازرع في حياتك اهتمامات عظيمة تشغلك عنها، تعلَّم علمًا، احفظ كتاب الله، ابدأ مشروعًا، مارس هواية مفيدة، اجعل لديك هدفًا كبيرًا يمنحك القوة لتقاوم.

 

رابعًا- كيف تصل إلى حب الله الذي يسمو بك؟

 

تقول إنك تدرك أن الحب الحقيقي هو الذي يأخذك إلى الله؛ لكنك لا تعرف كيف تصل إليه، والجواب يكمن في معرفة الله أكثر، والتفكر في أسمائه وصفاته، والتقرب إليه بالذِّكر والعبادة والخلوة الصادقة.

 

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]، فإذا تبت بصدق، وحرصت على الطهارة القلبية، اقتربت من محبة الله، وحينها ستجد لذَّة تفوق كل شهوة دنيوية.

 

ابكِ بين يدي الله، واشتكِ ضعفك له، وأكثر من قوله تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ . وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: 97 و98].

 

ختامًا -ولدي الحبيب- إن مجاهدة النفس ليست معركة تنتهي في يوم وليلة، بل هي رحلة مستمرة معك طوال حياتك، وكل خطوة فيها تقرِّبك من الله، فلا تتوقف عند السقوط، بل قم واستعن بالله، وواصل الطريق.

 

تذكر أنك لم تُخلق لتكون عبدًا لشهوتك، بل خُلقت عبدًا لله، وما الحياة إلا اختبار قصير ينتهي، ويبقى بعدها الجزاء الأبدي.

 

أسأل الله أن يرزقك قلبًا نقيًّا، ونفسًا مطمئنة، وأن يعينك على طاعته، وأن يرفعك إلى مقام العفة والطهارة، حتى تلقاه بقلب سليم. واعلم أن الله يراك، ويحب منك جهادك، ولن يتركك، فكن معه، يكن معك. وتابعنا بأخبارك.

الرابط المختصر :