بين السوشيال ميديا وتراجع الأثر.. ماذا يفعل الداعية؟

الإستشارة
  • المستشار : د. عادل عبد الله هندي
  • القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 5
  • رقم الاستشارة : 2104
03/07/2025

مع كثرة وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، صارت الحركة الدعوية أقل تأثيرًا، وصار كثير من الناس -إلا من رحم ربي- لا يعرفون دينهم إلا من خلال السوشيال ميديا، وهذه الوسائل للأسف صارت مرتعًا للشبهات والتطرف في أغلب الأحيان.

فكيف أوجّه المجتمع كأحد الدعاة المحبين له، وأريد أن أراه يسير في طريق الهداية والرشاد؟ وأريد أن أستثمر ما أستطيع تقديمه من خلال الخطب، أو الدروس، أو الندوات والمحاضرات، أو الأنشطة المسجدية؛ لأحذر من هذه الوسائل وآثارها، التي أضعفت كثيرًا من البيوت والعلاقات والأفكار.

الإجابة 03/07/2025

أخي الكريم المبارك، سلامٌ عليك من قلبٍ يعلم قدر همك، ويشكر لك صدق نيتك، وغَيْرتك على أمتك، وحرصك على ألا يضيع الناس في ظلمات الشاشات دون مصباح دعوي يُنير لهم الطريق.

 

وما هذه الكلمات التي كتبتها إلا دلائل صدقٍ ونُبل، لا تصدر إلا من قلب حيٍّ مشغولٍ بهداية الخلق، متألم من تغوُّل التقنية على الأرواح والعقول.

 

وقد أحسنتَ إذ أدركت مكمن الداء، وأردت أن تسهم في العلاج، وهذا في ذاته عمل عظيم، يُرجى أن يكون في موازين حسناتك. وإليك الآتي:

 

أولاً: الواقع التكنولوجي بين المأساة والفرصة

 

نعم، نحن نعيش في زمن غلبت فيه "الوسائط" على "الوسائل"، وزمنٍ أصبحت فيه المعلومة أوسع انتشارًا من الحكمة، والصورة أسرع من الفكر، والجدل أكثر من الفقه. وقد صوَّر لنا النبي ﷺ هذا الواقع، فقال: "إن بين يدي الساعة سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"، فإذا اجتمع مع هذا الطوفان، تراجعُ صوتِ العلماء والدعاة، وغيابُ الخطاب الدعوي المتوازن، فإن الساحة تصبح مرتعًا لكل ناعق، ومجالًا خصبًا للشبهات والأفكار المنحرفة.

 

ثانيًا: واجبنا كدعاة تحويل الأزمة إلى فرصة

 

أنت -أيها الداعية الغيور- مطالب اليوم بأمرين:

 

- تحذير الناس من الغفلة الرقمية.

 

- وتقديم البديل الإيماني الرقمي والميداني.

 

ثالثًا: وسائل عملية للدعوة والتأثير في هذا السياق

 

* الخطب المنبرية الواعية: اختر موضوعات تمسّ الناس وتشعرهم بالخطر دون أن تُشعرهم بأنك تُدينهم، مثل: "فلنتوقف لحظة قبل التمرير"، "هل صار الهاتف أقرب من الله؟"، "قل لي من تتابع أَقُلْ لك من أنت؟"، "الحياة بعد المقطع.. بين غفلة القلب ويقظة الشاشة".

 

* الدروس والندوات التوعوية، دورة بعنوان: "دينك وهاتفك: علاقة ترميم لا تهديم"، ندوة شبابية: "هل نحن نعيش حقًا.. أم فقط نتابع؟"، درس إيماني: "هل كان الله حاضرًا في يومك الرقمي؟".

 

* أنشطة مسجدية ذكية، مثل مسابقة: "أجمل مقطع دعوي من إعدادك"، وورشة عمل: "صنّاع محتوى الخير"، وحلقة نقاش شبابية: "تطبيقات ترفعك.. وتطبيقات تغرقك".

 

* صناعة البدائل الإعلامية: إذا لم تُنتج أنت مادة دعوية رقمية مبهرة، فسيملأ الفراغَ من لا يخاف الله، ولا يحب الناس، وقد قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 148).

 

رابعًا: منهج التوعية والتحذير دون إفزاع أو نفور

 

فإياك أن تجعل خطابك دعوة للخوف فقط، بل دعوة للفهم والإصلاح، واجعل تحذيرك منبثقًا من رحمة لا إدانة، مقترنًا ببديل إيجابي لا مجرد تحريم، مقنعًا بالعقل، مؤيَّدًا بالنقل، مشوقًا بالحب والقصص، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).

 

خامسًا: وصايا ختامية عملية للداعية في هذا المجال

 

- كن صديقًا للجيل الرقمي، لا خصمًا له، من خلال فهم أدواتهم، ثم استخدمها لهدايتهم.

 

- تعاون مع المؤثرين من أهل الخير؛ فالتأثير الرقمي اليوم جماعي لا فردي.

 

- اجعل السوشيال ميديا أداة توصيل لا مصدر تشكيل.

 

- احذر أن تنشغل بمحاربة الوسائل عن بناء المعاني.

 

وأسأل الله لك الثبات والإخلاص، وأن يشرح صدرك للحق، وينير قلبك بنوره، ويجري الهداية على يديك، وأن يُبدِّل حُرقتك على الناس نورًا في طريقهم، وأن يجعلك مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر.

الرابط المختصر :