أمي تهدد استقراري الأسري

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : العائلة الكبيرة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 240
  • رقم الاستشارة : 2387
17/08/2025

السلام عليكم اريد أن عرف ما هي حدود سلطة الام على حياة ابنائها البالغين المتزوجين المتزوجين وما العمل مع أم دائمة التهديد أنها ستغضب على من لا ينفذ اوامرها وهي اوامر متعنتة تتسم احيانا بالظلم وتهدد استقرارنا الأسري..

الإجابة 17/08/2025

أخي الكريم، لقد منح الإسلام مكانة كبيرة للوالدين خاصة عندما يصلان لمرحلة الكبر ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، بل وقدم اهتمامًا خاصًّا بالأمهات ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾. فالوالدان هما أكبر مصدر للعطاء؛ لذلك ينبغي أن يتوجه الإنسان بالشكر لهما والأم بالذات مصدر أعمق عاطفة عرفها الإنسان.

 

هذه هي الفطرة الإنساية السوية، لكن للأسف هناك عدد لا بأس به من الأمهات يمثلن مصدر تعاسة خالص لأبنائهن.. هناك عدد من الأمهات يقمن بإساءة استخدام المكانة التي وضعهن الله فيها فيقمن بعملية ابتزاز عاطفي لأبنائهن (فإما أن تفعل كذا وإلا فلن أرضى عليك)، وأن يكون لديك أُم من هذه النوعية فأنت في ابتلاء حقيقي لأنها ببساطة أُم لا ترضى أبدًا، وإن رضيت بعد جهد كبير فهذا الرضا محدود مؤقت سرعان ما يزول.

 

هذه النوعية من الأمهات غالبًا ما يقمن بتمييز بعض الأبناء عن البعض وبشكل فج ولأسباب غير موضوعية، ويتدخلن في حياة الأبناء بشكل سافر، وأحيانًا بشكل مؤذ ويرغبن دائمًا أن يكنّ في موضع الضوء والاهتمام.

 

هؤلاء الأمهات يعانين غالبًا من مشكلات نفسية ربما تمتد لمرحلة الطفولة، وبعضهن عشن مع أمهات من هذا النمط، وبعضهن عشن في مجتمع مريض بقوانينه الاجتماعية فأصبحن نسخًا من هذا المجتمع وتغلبت أحكام المجتمع على صوت الفطرة.

 

النماذج كثيرة كثيرة ومؤلمة.. فهذه أُم لم تتزوج بعد وفاة والد أطفالها أو لم تتزوج بعد الطلاق وقد حولت حياة أبنائها لجحيم وتريد منهم دفع ثمن الوحدة التي عاشتها والظروف التي قاستها.. بل هذه أُم تُوفي زوجها الذي كان يدللها فتريد أن تصبح مدللة أبنائها بطريقة فجة، حتى إن بعض الأزواج يخشى أن يبتسم لزوجته أو يقول لها كلمة طيبة حتى لا تغار أمه.

 

وهذه أُم ترغم ابنتها على الزواج بعد أن تشن عليها حربًا نفسية تحطمها ولا تتورع أن تقول لها إن قطار الزواج قد فاتها، وإنها دميمة لن ينظر إليها أحد، وإن عليها أن تقبل بهذا الخاطب المليء بالعيوب لأنها لن تجد من يقبل بها.

 

أما عن تدخل الأمهات في الحياة الزوجية للأبناء فحدث ولا حرج، فهذا الابن خرجت زوجته غاضبة لأمر ما بينهما ويريد أن يذهب ليصالحها فتقسم عليه أمه ألا يفعل وإلا فستغضب عليه ليوم الدين، ونفس القصة تتكرر فلا تمنعه الأم ولكنها تسخر منه ومن رجولته التي أصابها العطب والوهن.

 

وهذه الأم التي تحرض ابنها بكل صورة حتى يتشاجر مع زوجته، حتى إذا تشاجر بالفعل ذهبت لتقوم بدور حمامة السلام وتعلن في كل مكان أنها تتقي الله في بنات الناس "فأنا أيضًا لديًّ بنات!".

 

وهذه الأم تحرض ابنتها على زوجها قليل الحيلة محدود الدخل وتجعلها تشعر بالحسرة على حالها بعد أن تقارن بينها وبين إخوتها، فإذا تشاجرت الفتاة مع زوجها تقوم الأم بدور الناصح الأمين، وتحكي أمام بقية الأبناء كيف أن على الزوجة أن تتحمل ظروف زوجها وربما اتهمتها علنًا بالغيرة والحسد منهم مخربة العلاقة بين أبنائها بيدها.

 

الحقيقة نماذج الأمهات اللاتي يمثلن عبئًا نفسيًّا وأذى كثيرة للغاية بحيث يتحولن من نعمة في حياة الأبناء لفتنة وابتلاء ينبغي الصبر عليه، ويصبح البر بهن واجبًا ثقيلاً ينبغي القيام به بعد أن كان شعورًا فطريًّا مرتبطًا بأعمق حب قد يختبره الإنسان.

 

وستبقى الآية الكريمة ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ هي القانون الذي يحكم هذه القضية الشائكة والتي قد نفهم منها ثلاثة أمور:

 

1- المصاحبة بالمعروف (قدر الاستطاعة والطاقة الحقيقية)، فلا يوجد أذى أكبر من أن تبذل الأم المشركة أقصى جهدها حتى تزعزع الإيمان في قلب الأبناء.. وبالتالي مهما قالت الأم وفعلت فلا تتم معاملتها بالمثل أو حتى بالعدل بل ينبغي الرفق بها والتلطف معها مع ما يتطلبه ذلك من كظم الغيظ ومجاهدة النفس.

 

2- المصاحبة بالمعروف لا تعني الطاعة المطلقة (حتى لو هددت بالغضب على الابن أو الابنة)، فليس هناك طاعة عندما تطلب منك الأم أن تظلم زوجتك مثلا حتى ولو كان بشكل بالغ الضآلة؛ لأنك أنت من ستحاسب على هذا الظلم الذي ليس من مسوغاته طاعة الأم.

 

3- المصاحبة في الدنيا بالمعروف هي التكريم الإلهي للوالدين وللأم خاصة، ولكنه أمر يخص الدنيا فقط؛ ففي الآخرة حساب الله شديد والأمهات كباقي البشر سيحاسبن على مقدار الذرة من الخير والشر وعن النوايا وراء ما قمن به من سلوكيات.. ستحاسب الأم على كلمات التشاؤم التي تبثها وعلى سوء الظن الذي تعتمده وعلى الكلمات المبطنة التي تلقيها تثير بها الفتنة وبالطبع ستحاسب على التحريض على الظلم والبغي، بل ستحاسب أيضًا على الاعتداء في الدعاء الذي تقوم به والذي تستخدمه كأداة بغي وقهر.. سيحاسبن عن الظلم وعدم العدالة بين الأبناء.. سيحاسبن عن الكلمات المسيئة الجارحة.. كل صغيرة وكبيرة سيحاسبن عليها!

 

الظلم الذي تقوم به بعض الأمهات وهن يتكئن على المكانة الدينية للأم في الدنيا سيحاسبن عليه يوم القيامة، خاصة عندما يطال هذا الظلم أطرافًا أخرى غير الأبناء كأزواج البنات أو زوجات الأبناء.

 

وأخيرًا، أقول إن المرض النفسي أو تقاليد المجتمع السائدة أو حتى الجهل لا يبرر هذه السلوكيات؛ لأن فكرة الظلم والعدل فكرة فطرية معلومة من الدين بالضرورة، وطالما الإنسان لا يهذي فهو محاسب على ما يقوم به وعلى نيته فيما يقوم به ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾.. يبقى دور خطيب الجمعة والدعاة إلى الله في إزالة اللبس عن هذه القضية الشائكة.. رزقك الله بر والدتك وأصلح أحوالك.

الرابط المختصر :