حياتي ضاقت عليّ بسبب توأمي المتنافر!!

<p style="direction: rtl;">أنا أم لتوأم في الخامسة عشرة من عمرهما، بنت وولد، وقد تعبت نفسيًا من كثرة الشجار بينهما. فهما في خلاف دائم لا يكاد يمر يوم دون صراخ أو مشادات بينهما، وأحيانًا يصل الأمر إلى تبادل الإهانات أو حتى الاشتباك بالأيدي<span dir="LTR">.</span></p> <p style="direction: rtl;">ابني يرى نفسه مسؤولًا عن أخته، فيحاول أن يتحكم فيها ويمنعها من الخروج أو التحدث مع صديقاتها، بينما هي ترفض أسلوبه وتراه متسلطًا ومتطفلًا على حريتها<span dir="LTR">.</span></p> <p style="direction: rtl;">أحاول التدخل لتهدئتهما، لكن الأمر يتكرر كل يوم تقريبًا، وأحيانًا أشعر أن تدخلي يزيد التوتر، لأن كل واحد منهما يحاول أن يُثبت أنه على حق أمامي<span dir="LTR">.</span></p> <p style="direction: rtl;">والدهما يعمل في دولة بعيدة ويسافر أغلب العام، فلا يوجد في البيت رجل يفرض هيبة أو يوازن الموقف، وهذا يزيد من حدة الصراع بينهما<span dir="LTR">.</span></p> <p style="direction: rtl;">أنا مرهقة جدًا من الجو المشحون في البيت، وأخاف أن يتحول هذا التنافر إلى كراهية دائمة بينهما، فكيف أتعامل مع توأم متنافر في هذا العمر الصعب؟ وكيف أضبط العلاقة بينهما دون أن أظلم أحدهما؟</p>

أختي العزيزة،

 

أشعر تمامًا بما تمرين به من إنهاك وضيق، فليس هناك ما يُرهق قلب الأم مثل رؤية أبنائها في صراع دائم.

 

تغيرات نفسية وانفعالية وهرمونية

 

وما وصفتِه من شجارٍ بين التوأم في هذه المرحلة العمرية مفهوم ومفسَّر من منظور علم النفس التربوي الأسري Family Educational Psychology، إذ إن المراهقة مرحلة تموج بالتغيرات النفسية والانفعالية والهرمونية التي تُحدث اضطرابًا في الاتزان الداخلي لكلٍّ منهما.

 

دعيني أضع لكِ الصورة بوضوح، ثم أقدِّم لكِ خطوات عملية واقعية تُساعدك على ضبط الموقف بإذن الله تعالى.

 

البحث عن الهوية

 

أولًا: الفهم النفسي للموقف:

 

في عمر الخامسة عشرة، يدخل المراهق والمراهقة ما يُعرف في علم النفس النمو بـ "مرحلة تكوين أو البحث عن الهوية" (Identity Formation Stage)، وهي مرحلة يسعى فيها الفرد إلى إثبات ذاته وشخصيته المستقلة.

 

ولأن التوأم نشآ معًا منذ الولادة، فإن "الصراع على التميّز يكون أشد من أي علاقة أخوية أخرى؛ فكلٌّ منهما يريد أن يثبت أنه مختلف عن الآخر، لا نسخة مكرَّرة منه.

 

- من جهة ابنك، فتصرفاته التي تبدو لكِ "تسلطًا" هي في حقيقتها "محاولة لإثبات الرجولة المبكرة، خاصّة في غياب الأب، إذ يشعر لا شعوريًّا أنه مسؤول عن البيت وأخته، فيحاول أن يُمارس سلطة ذكورية غير ناضجة.

 

- أما ابنتك، فهي تقابل هذا السلوك بالرفض والمقاومة؛ لأنها بدورها تبحث عن "الاستقلال النفسي والاجتماعي"، فتراه قيدًا وتدخّلًا في خصوصياتها. هنا يحدث التصادم، وتشتعل الخلافات اليومية.

 

دورك في  التعامل معهما

 

ثانيًا: دوركِ التربوي والنفسي:

 

1- تجنّبي لعب دور القاضي بينهما..

 

فحين يتشاجران، لا تنحازي لأحدهما، ولا تُطالبي بمعرفة "من المخطئ"، بل اجعلي دورك هو الموجِّه لا الحاكم.

 

في علم النفس الأسري يُسمّى هذا بـ "الحياد التربوي البنّاء" (Constructive Parental Neutrality)، وهو أسلوب يجنِّب الأبناء الإحساس بالمقارنة أو التمييز.

 

2- افصلي بين شخصيتهما في التعامل..

 

تعاملي مع كلٍّ منهما كوحدة تربوية مستقلة، فالخلط بينهما في القرارات أو العقوبات يزيد من حدة الصراع.

 

قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾.. وهذه الآية تذكّرنا بأن مسؤولية الفرد عن نفسه فردية لا جماعية، حتى في الأسرة الواحدة.

 

3- ارسمي حدودًا واضحة للسلوك المقبول..

 

ضعي قواعد أسرية محددة وواضحة لما هو مسموح وما هو مرفوض في الحوار، واتفقوا عليها معًا في جلسة هادئة، ليشعر كلاهما بأن له رأيًّا.

 

هذا الأسلوب يُسمّى "المشاركة التربوية" (Participatory Parenting)، وهو يعزِّز لديهم مفهوم الانتماء الأسري الإيجابي ويقلل التمرد.

 

4- احكي لهما دور الأب دون أن تجعلي غيابه مبررًا للفوضى..

 

تحدثي إليهما بحكمة قائلة: "أبوكما غائب بجسده، يكد ويتعب ليوفر لنا حياة كريمة، لكنه حاضر بدعائه وحرصه عليكم، ونحن معًا نمثله في المسؤولية"، بهذه الجملة البسيطة تُرسّخين مبدأ التوازن الأسري في غياب أحد الوالدين.

 

5- انقلي طاقتهما من الصراع إلى التعاون..

 

شاركيهما في مشروع مشترك، كتنظيم المنزل، أو إعداد وجبة للأسرة، أو المشاركة في نشاط تطوعي، بحيث يعملان معًا لتحقيق هدف واحد.

 

في علم النفس التربوي يُعرف هذا بـ "إعادة توجيه الطاقة السلوكية" (Behavioral Energy Redirection)، وهو من أنجح أساليب تعديل السلوك المتنافر.

 

6- عزّزي أيضا الجانب العاطفي لكلٍّ منهما على حدة..

 

امنحي كليهما جرعات من الحنان والتقدير بشكل متوازن، فالمراهق يحتاج أن يسمع أنه محبوب ومقبول رغم خطئه.

 

قال رسول الله ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، وهنا توجيه تربوي نبوي بضرورة تربية النفس على ضبط الانفعال، وهو ما يحتاجه كلا الطفلين الآن، فاتبعيه لنفسك وعلميهما إياه.

 

7- ثم تحكّمي في مناخ المنزل الانفعالي..

 

احرصي على أن يكون الجو الأسري هادئًا؛ لأن المراهقين يتغذيان على المشاعر السائدة حولهما.

 

في علم النفس الأسري نُسمي هذا "المناخ العاطفي الأسري (Family Emotional Climate)، وهو مؤشّر رئيسي لاستقرار العلاقات داخل البيت.

 

8- واغرسي في قلبيهما معنى الأخوّة..

 

والذي جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقولي لهما إن الله سيحاسب كلًّا منهما على حفظه لأخيه وأخته. وذكّريهما بقول النبي ﷺ: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره»، وهذا كله للأخوة في الله فما بالكما أنكما أشقاء بل وتوأم. فالمسؤولية الأخوية عبادة وليست مجرّد علاقة دم.

 

* همسة أخيرة للأم الحائرة:

 

هوني على نفسك أختى الحبيبة، وتذكّري أن المراهقة ليست معركة، بل هي مرحلة عبور من الطفولة إلى النضج.

 

اصبري واحتويهما، فالحوار الدافئ المنتظم هو الجسر الذي يُعيد القلوب المتنافرة إلى وئامها.

 

قولي لنفسك دائمًا: هما لا يكرهان بعضهما، إنما يبحثان عن نفسيهما.

 

وحين تنجحين في ترسيخ الاحترام بينهما، سيكبران وهما يدركان أنكِ كنتِ ربان السفينة الذي حفظ التوأم من الغرق في بحر التنافر.

 

 

روابط ذات صلة:

خطوات عملية للتعامل الحكيم مع المراهقين!!

8 نصائح لإجراء محادثة ناجحة مع ابنك المراهق

هل أنتِ صديقة لابنتك المراهقة؟

لماذا المراهقة؟

فشلت في التعامل مع عناد ابنتي المراهقة