<p>ما علاقة نظرية إدارة الرعب مع أزمة الإنسان الوجودية مع الموت؟ وهل استطاعت تلك النظرية أن تخفف من رهبة الإنسان للموت؟</p>
أخي الكريم، الموت من أهم القضايا التي تصطدم بالفكر المادي، فالموت يطرح تساؤلات وجودية يتعلق بما بعد الموت، وهل مصير الإنسان يشابه مصير الحيوانات التي تموت وتتحلل وتنتهي، أم أن الإنسان كائن مختلف، فالموت يطرح مسألة المعنى على ذهن الإنسان وغايته من الحياة وما بعد الحياة.
وأمام تلك التساؤلات الوجودية التي تطرحها رهبة الموت، ظهرت نظريات تسعى لإيجاد طمأنة من تلك الرهبة، ومن بينها نظرية "إدارة الرعب TMT"، وهي نظرية في علم النفس تشرح كيف يمكن للبشر أن يتعاملوا مع القلق الناجم عن رهبة الموت، في ظل وعي الإنسان بأن موته أصبح وشيكًا.
الموت والفكر المادي
أمام حتمية الموت، سعى الماديون لنقاشه على أرضية مادية، وقالوا إن الوعي من إنتاج الدماغ، وعندما يتحلل الدماغ مع الموت، فإن الوعي ينتهي ويتلاشى، ورأى فريق آخر من الماديين أن ذات الإنسان ما هي إلا بناء اجتماعي-بيولوجي، وهذا البناء لا وجود له منفصلا عن الدماغ، وإذا تحلل الدماغ انتهت هذه الذات.
معظم الماديين ينكرون الذات الإنسانية، ويعتقدون أن الوعي ينتهي عند الموت، فالموت يشبه النقطة في نهاية السطر، ولخّص الفيلسوف الكندي "بول تشرشلاند" تلك الرؤية المادية للموت بالقول: "عندما تنتهي حياتي البيولوجية، ينتهي وعيي أيضًا. أنا أكثر من راضٍ عن هذا. إن احتمال أن أكون واعيًا إلى الأبد أمر مروع بصراحة. عندما يحين وقتي، دعني أنام"... ومن هنا اختزل الفكر المادي حياة الإنسان في سنوات حياته فقط.
ماذا عن رهبة الموت؟
فكرة الموت تشكل رهبة للماديين، وحاول فلاسفة ماديون تخفيفها، بالادعاء أن الخوف من الموت غير منطقي، لكن الحقيقة أن للموت رهبته القوية على الماديين فهو يبعث قلقًا وجوديًّا، غير أن تلك رهبة قد تدفع إلى تبني سلوكيات وقيم وأفكار لا يوافق عليها الماديون، لأنها تخلخل الأسس التي يقوم عليها الفكر المادي، إذ تفتح الذهن على سؤال المصير، وسؤال ما بعد الموت، وعن الاحتياج للمعنى في الحياة الإنسانية، لذا شبّه بعض الفلاسفة الموت بأنه "الحرمان الأعظــم"، وهذه أسئلة لا يقبلها الماديون، ولذا كان هناك بحث عن استراتيجيات وأفكار تخفف قلق الموت ورهبته في نفس الإنسان، فظهرت نظرية "إدارة الرعب TMT".
نظرية إدارة الرعـــب
هي نظرية في علم النفس، تشرح للشخص كيف يتعامل مع القلق الناجم عن الوعي الوشيك بالموت، وتفترض أن الشخص للتغلب على شعوره برهبة الموت يتبنى معتقدات ثقافية تساهم في تقدير ذاته وتمنحه شعورًا بالخلود فيما بعد الموت.
تؤكد النظرية أن البشر قادرون على التعرف بشكل فريد على موتهم، وأن تلك المعرفة تتحول إلى قلق وجودي مع اعتقاد الشخص بحتمية الموت.
وقد طوّر هذه النظرية عدد من الباحثين النفسيين، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، واستند هؤلاء على كتابات عالم النفس الأمريكي "إرنست بيكر" (المتوفى 1974م) والذي تحدث عن ضروري الحماية من رهبة الموت، وأطلق عبارته الشهيرة "إنكار الموت" التي صارت عنوانًا لأشهر كتبه، وتحدث عن قدراتنا البشرية على تطوير أفكار لدفع ومواجهة رهبة الفناء الحتمي، حيث كان بعض الفلاسفة مثل سقراط يدعو لممارسة الموت على اعتبار أنه يؤدي إلى تحقيق قدر من النقاء الأخلاقي.
تذهب النظرية إلى أن مخاوف الناس من الموت إما أن تكون واعية أو غير واعية، فإذا كانت غير واعية فإنهم يلجؤون إلى الدفاعات البعيدة مثل البحث عن معنى للحياة، أو المعتقدات الدينية والثقافية، وهذه تخفف من المشاعر اللاواعية برهبة الموت، أما إذا كانوا واعين فإنهم يلجؤون إلى الدفاعات القريبة من خلال إزالة التهديد من وعيهم.
يذكر الباحثون أن فكرة الخلود بعد الموت عادة توفرها الرؤى الدينية، أما فكر الخلود الرمزي فتوفرها أشياء مادية مثل اللوحات والكتب وأي شيء يُذكّر بوجود الشخص في حال رحيله، النظرية أكدت أن الأفراد ينجذبون نحو رؤاهم الثقافية عندما يواجهون أفكار الموت، ولذلك ينخرطون في أنشطة تعزز إحساسهم بذواتهم كوسيلة لإدارة القلق من رهبة الموت، وطرحت النظرية وسائل لإدارة رهبة الموت مثل الانخراط في إطار ثقافي من خلال العائلة وأفعال الخير والفنون لتحقيق قدر من الخلود الرمزي.
لا شك أن تلك النظرية تأتي في إطار المسكنات التي يطرحها الفكر المادي لتخفيض القلق الوجودي من الموت، لكن يبقى الموت هو الحقيقة والحتمية المكتوبة على الإنسان، وهو الشيء الذي إذا وقع انتبه الإنسان من غفلته، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا".
روابط ذات صلة: