<p>هل وضع العلماء المسلمون أخلاقيات لكيفية السؤال؟ أرجو توضيح ذلك.</p>
أخي الكريم في البداية قبل الشروع في الإجابة على استشارتكم، أتذكر قولاً للصحابي الجليل عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- عندما سأله رجل قائلاً: يا ابن عباس بما أصبت العلم؟ فرد عليه ابن عباس: بلسان سؤول وقلب عقول.
تميز الحضارة الإسلامية برؤيتها للعلم
ومع أهمية السؤال في الرؤية الإسلامية، فإن الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها العالم والمتعلم في طرح السؤال أو استقباله كانت مبثوثة في التراث الإسلامي على مدار تاريخه الطويل.
وقد تميزت الحضارة الإسلامية برؤيتها الشاملة للعلم والمعرفة، لذا كانت الأخلاقيات والآداب حاضرة دومًا في كتابات العلماء المسلمين عن آداب العالم والمتعلم، والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم وكذلك العالم والفقيه.
كما تتناول الجوانب المختلفة لأخلاقيات العلم ومن بينها آداب السؤال، حيث رأت الحضارة الإسلامية أن السؤال مفتاح العلم، ومن الضروري أن يغلف بالأخلاق والآداب لتحقيق أهدافه وغاياته؛ لذا استحوذت آداب السؤال على اهتمام كثير من العلماء في كافة مجالات فروع المعرفة والعلوم الإسلامية تأكيدًا لرفضها الفصل بين العلم والأخلاق.
آداب السؤال وأخلاقياته
تحدث العلماء المسلمون عن آداب يجب أن يتحلى بها السؤال، بدءًا من تحرير القصد والنية، مرورًا بتوقيت طرح السؤال، ومكان طرح السؤال، وأخلاقيات العالم أو الفقيه في الإجابة على السؤال، وسوف نعرض في تلك الاستشارة قبسًا من المنظومة الأخلاقية في الحضارة الإسلامية في هذا المجال.
* القصد والنية: وهذه البداية الذاتية لكل الأفعال والأقوال في الإسلام، وهي تستحضر الذات لتنفيذ أوامر السماء في ظل الشعور بالمراقبة، والنية مفهوم عميق للغاية، وبداية إيمانية أخلاقية، وهي تفوق القانون لأن منشأ الفعل ذاتي، ومن نوايا السؤال في الرؤية القرآنية التماس المعرفة واليقين والطمأنينة.
* الابتعاد عن العبثية الجدل العقيم في طرح السؤال، فالسؤال غرضه تحصيل علم، أو إزالة إشكال، أو مفتاح للعمل النافع، فالسؤال ليس عبثيًّا وليس بحثًا عن الجدل الذي لا ينبني عليه عمل، يقول ابن رجب الحنبلي: "والسؤال عن العلم إنما يُحمد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدال".
* الرفق في طرح السؤال: حفلت الحضارة الإسلامية بالأقوال التي تدعو إلى أن يغلف الرفق طرح السؤال، فلا يُطرح السؤال بصيغة عنيفة، يقول الإمام النووي: "استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم".
* توقيت السؤال: حدد العلماء أوقاتًا يمكن فيها طرح السؤال، ومن ذلك عندما يفرغ المتحدث من حديثه، وعندما يجد الوقت المناسب لطرح السؤال، حتى لا يقطع أفكار المتحدث أو يستهلك وقت الدرس في أسئلة تشغب على حلقة العلم، يقول أبو الفرج بن الجوزي: "متى أُشكل شيء من الحديث على الطالب صبر حتى ينتهى الحديث، ثم يستفهم الشيخ بأدبٍ ولطف، ولا يقطع عليه وسط الحديث".
ومن الأوقات المهمة لطرح السؤال هو أن يلتمس الطالب الوقت المناسب للعالم فيبتعد عن أوقات انشغاله وأوقات طعامه، يقول ابن حجر العسقلاني: "من أدب السائل ألا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره، لأن حق الأول مقدم".
* عدم إكراه العالم على الإجابة عن السؤال من خلال تكراره والإلحاح للحصول على إجابته: ولعل هذا الأدب ضروري؛ لأن العالم قد يجهل بعض الأشياء فلا يضطره الشخص إلى الكذب أو الافتراء بإلحاحه للحصول على إجابة، وقد يكون سكوت العالم عن الجواب يوجب على المتعلم ترك الإلحاح... إذ المعهود أن سكوت المرء عن الجواب وهو قادر عليه عالم به دليل على كراهية السؤال.
تلك بعض الآداب التي وردت في التراث الإسلامي في الحديث عن آداب السؤال، لكن يحفل التراث بالكثير من العطاء في هذا الجانب.
روابط ذات صلة: