هل توفي النبي ﷺ دون أن يترك دستورًا للحكم؟

<p>هل توفي النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يترك دستورا للأمة يبين لها طريقة اختيار الحكام وطريقة عزلهم؟ وهل يعد ذلك نقصا في التشريع الإسلامي أو عيبا فيه؟</p>

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فإن كان يُقصد بالدستور المعنى المعاصر وهو: القانون الأعلى للدولة، الذي يتضمن القواعد الأساسية التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وتحدد السلطات العامة (التشريعية، التنفيذية، القضائية) من حيث تكوينها واختصاصاتها والعلاقات فيما بينها. كما يبيّن الدستور الحقوق والواجبات الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات اللازمة لحمايتهم، ويعد أساسًا لجميع القوانين واللوائح الأخرى في الدولة، إن كان المقصود هذا فلم يترك النبي ﷺ -عن قصد وليس سهوًا ولا تقصيرًا – شيئًا مثل هذا.

 

القيم والضوابط والأصول

 

وإن كان المقصود مجموعة القيم والضوابط والأصول التي تكون فوق القانون والدستور وهي تؤسس للدستور والقانون؛ فقد ترك لنا القرآن الكريم والسنة والمطهرة، ومن خلالهما نستطيع أن ننشئ أفضل الدساتير في العالم التي تؤسس للشورة والعدل والحرية وكل خير.

 

يقول النبي ﷺ: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه ﷺ".

 

أما في أمور الدين من العبادات والعقائد، وأصول المعاملات والعادات، وأصول السياسة الشرعية بما تشمله من إقامة الحدود والجهاد في سبيل الله تعالى فلم يتركه الله سبحانه وتعالى ولا نبيه ﷺ الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال، أو هالك.

 

يقول الله تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 38].

 

ويقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89].

 

روى البخاري عن ابن عباس أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله ﷺ في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله ﷺ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئًا، فأخذ بيده عباس بن عبدالمطلب فقال له: أنت - والله - بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله ﷺ سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. اذهب بنا إلى رسول الله ﷺ فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله لئن سألنا رسول الله ﷺ فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله ﷺ.

 

الحكمة من جعل نظام الحكم محل اجتهاد

 

ونستطيع أن نوجز الحكمة من وراء ذلك للأسباب التالية:

 

1. أن الله سبحانه أراد أن يكون هذا الأمر- وهو أمر الخلافة - محل اجتهاد يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، ولا يجمد على طريقة واحدة ما دام لا يخالف المبادئ والأسس العامة.

 

2. يعطي فرصة لإعمال العقول والإفادة من كل التجارب البشرية النافعة، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها كان أحق الناس بها.

 

3. أن الأصل في العادات والمعاملات الحل وهي تتغير بتغير الزمان والمكان، ومصلحة العباد، ومراعاة مقاصد الشرع، وكل ذلك لن يتحقق لو كانت هناك طريقة واحدة منصوص عليها في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

 

4. لو نص عليها النبي ﷺ لجعلها في قريش وكانت هي الأولى في هذا الوقت لمكانتها بين العرب، ولو جعلها في قريش حصرًا لحرم الإسلام من الكفاءات التي أتت بعد ذلك.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

ليس في الإسلام نظام سياسي! (1)

مقومات الحكم الرشيد.. رؤية إسلامية

الحكم الرشيد في المنظور القرآني

الحكم الرشيد.. بين مقاصد الشرع وإكراهات الواقع