أرملة خمسينية... تريد الزواج ويمنعها أبناؤها وكلام الناس

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته<span dir="LTR">...</span></p> <p>أنا أرملة عمري 53 سنة، زوجي توفاه الله وأنا في عز شبابي، تقريباً عمري 35 سنة، وبعدها كملت حياتي لحالي وربيت عيالي لين كبروا وتزوجوا<span dir="LTR">.</span></p> <p>المشكلة إني أحس بالوحدة، وأبي أتزوج عشان ألقى لي سند وعوض، وواحد يكون معي ويملي علي حياتي، مو عشان أي غرض ثاني<span dir="LTR">.</span></p> <p>بس لما فتحت الموضوع مع عيالي، رفضوا بشدة، وصارت مشاكل كبيرة. ولدي الكبير قال لي كلام جارح يكسر الخاطر، وبنتي زعلت مني وهاجرتني تقول إني بفضحها قدام زوجها وحماتها<span dir="LTR">!</span></p> <p>من كثر الضغط، تراجعت عن فكرة الزواج، بس ما شفت منهم اهتمام كبير، كل واحد مشغول في حياته وعياله وبيته، ونادراً ما يزوروني. ورجعت فكرة الزواج تلاحقني من جديد<span dir="LTR">.</span></p> <p>صارت الناس حولي تتكلم، اللي يقول &quot;عيب عليك في سنك هذا&quot; واللي يقول &quot;بتاخذين زمنك وزمن غيرك&quot;، كلام كثير يوجع القلب.</p> <p>أنا في حيرة وصراع داخلي. لو تزوجت، ممكن أخسر عيالي ونظرة الناس لي. ولو ما تزوجت، بجلس لحالي وأنا أحس باكتئاب ووحدة<span dir="LTR">.</span></p> <p><span dir="RTL">وش تنصحوني فيه؟ هل أقدم على الزواج وأتوكل على الله، أو أعيش لوحدي وأرضى بالأمر الواقع عشان أتحاشى المشاكل مع عيالي والناس؟</span></p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...

 

حياك الله أختي الفاضلة، وبارك فيك، وجزاك الخير كله على ثقتك بنا ومراسلتنا، وأسأل الله أن يبارك في عمرك، ويرزقك السكينة والطمأنينة، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر لك كل أمر فيه خير وصلاح، وبعد...

 

فإني أُقدِّر تمامًا حجم المعاناة التي تمرين بها، والصراع الداخلي الذي تعيشينه بين رغبتك الطبيعية في الزواج، وبين خشيتك من رد فعل أبنائك وكلام الناس. كما أحترم صدقك وشجاعتك في طرح هذا السؤال.

 

فطرة لا تُستنكر

 

أولًا أختي الكريمة، تيقَّني من أنه ليس عيبًا أن تبحثي عن سند وعن شريك يشاركك الحياة في هذه المرحلة؛ بل هي فطرة سوية وغريزة نبيلة أودعها الله في كل نفس. وشعورك بالوحدة ورغبتك في الزواج هو شعور طبيعي ومشروع. فالله -سبحانه وتعالى- خلقنا أزواجًا ليسكن بعضنا إلى بعض. وهذا السكن ليس مقتصرًا على سن معينة أو مرحلة محددة من الحياة؛ بل هو حاجة مستمرة للإنسان. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكم مِّنْ أَنفُسِكمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِك لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ﴾ [الروم: 21].

 

ولقد أحلَّ الله الزواج وأمر به وحث عليه، قال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكمْ وَإِمَائِكمْ إِن يَكونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 32]. والأيامى هن من لا أزواج لهن، سواء كنَّ عازبات، أو مطلقات، أو أرامل. وهذا دليل واضح على أن الزواج حق مكفول للجميع، بغض النظر عن سنِّهم أو ظروفهم.

 

لقد ضرب النبي ﷺ أروع الأمثلة في تقديره لهذا الحق، وزواجه بأكثر من امرأة من كبيرات السن، مثل زواجه بأمنا خديجة رضي الله عنها، وكذلك زواجه بأمنا أم سلمة -رضي الله عنها- بعد وفاة زوجها، وهي في الأربعينيات من عمرها.

 

رفض أبنائك بين العاطفة والواقع

 

أعلم أن رفض أبنائك كان جارحًا ومؤلمًا، ولكن حاولي أن تنظري إلى الأمر من منظورهم. ربما ينبع رفضهم من خوفهم عليك، أو من غيرة منهم، أو من خوف على مكانتهم الاجتماعية، أو ربما من تصور خاطئ بأن زواجك سيقلل من قدرك أو من مكانة والدهم رحمه الله. هم يرونك أمهم التي ضحت من أجلهم، ويريدونك أن تبقي لهم وحدهم، دون أن يشاركهم أحد فيك. هذا التفكير، وإن كان خاطئًا، فإنه قد ينبع من محبة.

 

لكن المحبة الحقيقية هي التي تتمنى الخير للآخر. ومما يؤسف له أن كثيرًا من الأبناء يغفلون عن احتياجات أمهاتهم النفسية والعاطفية، بعد أن يشغلهم زواجهم وحياتهم. وهذا ما حدث معك، فقد أقررتِ بنفسك أنهم نادرًا ما يزورونك، وأن كل واحد منهم مشغول في حياته. وهذا يضعك في دائرة من الوحدة تحتاجين إلى من يخرجك منها.

 

أنتِ لم تفعلي شيئًا حرامًا أو معيبًا، بل أنتِ تبحثين عن حق شرعي وإنساني. قولي لهم بلطف ومحبة: «يا أبنائي، أنا أحبكم وأفخر بكم، ولكنني أيضًا إنسانة، ولدي احتياجات طبيعية. أريد من يؤنس وحدتي، ويشاركني حياتي، ويكون لي سندًا بعد الله». وضِّحي لهم أن زواجك لن ينقص من مكانتهم؛ بل سيزيدك قوة وسعادة، وأن سعادتك هي سعادتهم.

 

إذا استمر رفضهم، فلا مانع من الاستعانة ببعض الحكماء من الأهل أو الأقارب أو حتى الأصدقاء المقربين من أبنائك، ممن تثقين في حكمتهم وقدرتهم على الحديث معهم. قد يكون كلامهم أوقع في نفوسهم؛ حيث يمكنهم أن يشرحوا لهم حقك في الزواج من منظور محايد وعقلاني، ويزيلوا عنهم بعض الأوهام والمخاوف.

 

 «كلام الناس» معركة خاسرة لا تدخليها

 

أما كلام الناس، فهو بحر لا ساحل له؛ إن استسلمتِ له، فستظلين غارقة فيه. إنهم يتكلمون عن كل شيء، عن زواجك وعن عدم زواجك، عن لبسك وطريقة حياتك. لقد كان كلامهم جارحًا، ولكن تذكري أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

 

إن النظرة المجتمعية الخاطئة التي تقول إن المرأة بعد سن معينة لا يصح لها أن تتزوج، هي نظرة لا أصل لها في شرع ولا في عقل؛ بل إنها نظرة جاهلية تُقيّد فطرة الله. قال النبي ﷺ: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [رواه الترمذي]. وهذا الخطاب موجَّه للجميع، للصغيرة والكبيرة، للشاب والشيخ.

 

تذكري قصة أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- عندما تزوجها النبي ﷺ بعد وفاة زوجها، وكانت امرأة مسنة. لم يعب عليها أحد ذلك؛ بل كانت إحدى أمهات المؤمنين. وقصة أمنا أم سلمة -رضي الله عنها- حين تزوجها النبي ﷺ، ولم يكن زواجهما أمرًا مستنكرًا أبدًا؛ بل كان رحمة بها وبأبنائها.

 

 توكلي على الله وامضي قدمًا

 

أختي الفاضلة، أنتِ في هذه السن لديك نضج وخبرة في الحياة. لا تترددي في اتخاذ قرار يخص سعادتك وطمأنينتك، ولكني أنصحك بالآتي:

 

أولًا- الدعاء والتوكل على الله: استخيري الله كثيرًا، وأكثري من الدعاء أن يرزقك الزوج الصالح الذي يكون لك سندًا وعونًا في الحياة، وأن يرضي عنك أبناءك.

 

ثانيًا- التواصل مع الأبناء: حاولي مرة أخرى أن تتكلمي مع أبنائك بهدوء وحكمة، وليس في لحظات الغضب. اجلسي معهم، واشرحي لهم دوافعك بوضوح، وذكريهم بأنك لم تتخلي عنهم، وأنك ما زلت أمهم وسندهم، وأنك ترغبين فقط فيمن يملأ فراغ حياتك.

 

ثالثًا- التمهل في الاختيار: لا تتعجلي في اتخاذ القرار، ولا ترضي بأي رجل لمجرد الرغبة في الزواج. تمهَّلي في الاختيار، وابحثي عن رجل يناسبك بالفعل، ويقدر حالتك الاجتماعية وسنك وظروفك، ولديه استعداد كامل ليكون سندًا حقيقيًّا لك، ويتحمل مسؤولية الحياة الزوجية معك بجدية.

 

إن الزواج ليس مجرد هروب من الوحدة؛ بل هو بناء شراكة تستدعي التفكير العميق والتأني.

 

رابعًا- تجاهلي كلام الناس: لا تلتفتي إلى كلام الناس، ولا تجعلي سعادتك رهينة لألسنتهم. فكلامهم لن ينفعك في وحدتك أو حزنك. إن ما يهم هو رضا الله، وراحة قلبك، وسعادتك.

 

لا تترددي أبدًا في اتخاذ قرار الزواج إذا وجدتِ الرجل الصالح الذي يعوضك خيرًا. هذا حقك، وهذا أمر أحلَّه الله. لا تدعي أي أحد يمنعك من حقك المشروع. قد تكون هذه هي السعادة التي تنتظرك، والتي ستعينك على طاعة الله أكثر، وتشغل قلبك وروحك بما ينفع.

 

في الختام، أدعو الله أن يلهمك الصواب، وأن ييسر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الطمأنينة والسعادة. استعيني بالله ولا تعجزي. وفقك الله لما يحب ويرضى.

 

روابط ذات صلة:

بين وفاء الأرملة ورغبتها بالزواج.. مفاهيم مغلوطة