أربعينية بين فراغ عاطفي وإحباط إيماني

<p>تجاوزت الأربعين، وما تزوجت، والوضع هذا زاد علي الضغوط النفسية وخلى في قلبي فراغ أحاول أملأه بالقرب من الله، بس كل يوم أصارع نفسي. طول عمري وأنا نفسي أكون أقرب من الله، وأصير أحسن، وألتزم أكثر<span dir="LTR">.</span></p> <p>كل مرة أحس بقلبي فيه شرارة التغيير، أتحمس وأجدد نيتي، أبدأ أترك ذنوب، أو أحدد لي ورد يومي من القرآن والأذكار، أو أحاول أصلح خُلق فيني زي الصبر أو إمساك اللسان، خصوصًا مع نظرات الناس وأسئلتهم اللي تزيد على الهم<span dir="LTR">.</span></p> <p>في البداية، أكون قوية وملتزمة، وأحس بلذة القرب من الله، بس بعد فترة بسيطة أضعف وأرجع، وأرجع لنقطة الصفر، وكأني ما سويت شي. هذا التكرار في المحاولة والفشل بدأ يخليني محبطة وأشك في صدق نيتي، وألوم نفسي بقوة، وأحس إني ما أصلح للصلاح أبدًا، وأن ربي ما كتب لي الهداية في الدنيا هذي، خصوصًا وأنا أشوف اللي حولي يتقدمون في حياتهم وأنا مكاني<span dir="LTR">.</span></p> <p><span dir="RTL">تعبت تعبت.. إيش أسوي؟ </span><span dir="RTL">الله يجزاكم خير</span>.</p>

مرحبًا بك أختي الكريمة، وأشكرك على ثقتك بنا، وتواصلك معنا، سائلًا الله -عز وجل- أن يفتح عليك أبواب رحمته، وأن يملأ قلبك بالسكينة والطمأنينة، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وبعد...

 

فدعيني أطمئنك أولًا بأن قلبك الذي يتألم من الفتور ويحاول النهوض من جديد هو قلب حيٌّ يُحب الله ويريد قربه، وهذا والله توفيق عظيم من الله، يستحق الحمد والامتنان.

 

وأعلم جيدًا أنك تمرين بضغوط نفسية كبيرة بسبب تأخرك في الزواج؛ حيث إن مجتمعاتنا -في الغالب- تنظر إلى الزواج باعتباره هدفًا أساسيًّا ووحيدًا للمرأة، وتكثر الأسئلة والنظرات والغمز واللمز حول من تتأخر في الزواج، ما يزيد من الأعباء النفسية؛ لكن يجب أن تعلمي أن هذا ليس -بالضرورة- بسبب عيب فيك، ولا ناتجًا عن تقصير منك، بل هو قدر الله وتدبيره لك، والله جلّ وعلا يقول: ﴿وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة: آية 216].

 

فقد يكون الله قد أخّر عنك الزواج لحكمة بالغة، ولعل الخير كل الخير فيما أنت فيه، فقد يكون في الزواج -لو وقع- ما لا يُحمد عقباه. ولعل الله أراد أن يرفع درجتك، وأن يزيد من قربك منه، وأن يجعلك أقوى وأكثر استعدادًا لمسؤوليات الحياة.

 

الإيمان رحلة مليئة بالمنعطفات

 

أما عن شعورك بالفشل وتكرار العودة إلى نقطة الصفر، فهذا ليس دليلًا على عدم صدق نيتك أو عدم صلاحك. بل هو جزء طبيعي من رحلة السير إلى الله. فالإيمان ليس خطًّا صاعدًا مستمرًّا؛ بل هو كالنهر الذي يجري، يمر بمنعطفات وصخور، وأحيانًا يهدأ ثم يعود ليتدفق بقوة.

 

يقول النبي ﷺ: «إن لكل شيء شِرّة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك» [رواه ابن حبان]. و«الشِّرّة» هي النشاط والرغبة القوية في العبادة. ومعنى الحديث أن الإنسان يمر بفترات من النشاط والهمة العالية، وفترات من الفتور والضعف؛ لكن المهم ألا يترك العبادة أو ينساق وراء المعصية؛ بل يحاول دائمًا أن يرجع إلى طريق السنة والهداية.

 

لا تحكمي على نفسك بالفشل، فمحاولاتك المتكررة في العودة إلى الله هي في حد ذاتها دليل على خير كبير في قلبك. تخيلي نفسك تتسلقين جبلًا، تصعدين أحيانًا وتسقطين أخرى، ثم تنهضين وتكملين في جهاد مستمر أبد الحياة، والشيطان أثناء ذلك يريدك أن تيأسي، وأن تتركي المحاولة، فإياك أن تستسلمي له.

 

خطوات عملية للثبات والنهوض

 

لكي تتجاوزي هذا الشعور، إليك بعض الخطوات التي قد تساعدك بإذن الله:

 

1- غيري نظرتك للمحاولة والفشل: لا تنظري إلى الغفلة والسقوط على أنهما فشل؛ بل انظري إليهما باعتبارهما فرصة جديدة. فكلما شعرتِ بالفتور، تذكري أن الله يحبك ويريد لك الخير، فكوني قريبة منه بالدعاء، وبالتمسك بالحد الأدنى -على الأقل- وهو الفرائض، ثم ارتفعي وانهضي خطوة بخطوة.

 

2- ابحثي عن رفقة صالحة: نحن البشر نتأثر بمن حولنا، فابحثي عن صديقات صالحات يذكرنك بالله، ويشجعنك على الطاعة. فالإنسان ضعيف بمفرده، قوي بإخوته في الإيمان، وقد قال تعالى: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «إنَّما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أبو داود].

 

3- ابدئي بخطوات صغيرة مستمرة: لا تثقلي على نفسك بكثير من الطاعات دفعة واحدة. ابدئي بأشياء صغيرة لكنها مستمرة. قال النبي ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» [رواه البخاري].

 

4- ارفقي بنفسك: إن الشعور بالذنب أمر جيد، والنفس اللوامة نعمة عظيمة؛ لكن المبالغة في التأنيب ولوم النفس قد تؤدي إلى اليأس. تذكري أن الله غفور رحيم، وهو -سبحانه- القائل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الزمر: آية 53]. فعندما تخطئين، استغفري وتوبي إلى الله، وانهضي من جديد، ولا تجعلي تكرار الذنب يوقعك في حلقة مفرغة من اليأس.

 

5- املئي فراغك بالطيبات: تقولين إنك تحاولين ملء الفراغ بالقرب من الله، وهذا هو الصواب. فلا تجعلي حياتك تتوقف على انتظار الزواج. ابحثي عن عمل تطوعي، أو دورات تنمية ذاتية، أو تعلمي شيئًا جديدًا. املئي حياتك بالإنجازات التي تشعرك بقيمتك في هذه الحياة. اخرجي من شرنقة الوحدة والانطواء التي صنعها لك إحساسك. هناك حالات كثيرة لنساء لم يتزوجن، ولكنهن قدمن الكثير لمجتمعهن ولدينهن، فتأسي بهن.

 

6- التفكر في النعم: تفكري في النعم التي وهبك الله إياها وقد لا تلتفين إليها، مثل نعمة الصحة، والعافية، والستر، والوقت، وأعظمها نعمة الإيمان. فلا تسمحي للمقارنات مع الآخرين أن تسرق منك سعادتك. كل إنسان له قصة مختلفة، ولا تعلمين ما يخفيه الآخرون من هموم.

 

وختامًا أختي الكريمة، لا تيأسي أبدًا من رحمة الله، ولا تتوقفي عن المحاولة. تذكري أن الله ينظر إلى قلبك، ويرى صدق نيتك، ويرى جهادك المستمر. حافظي على هذا القلب الحي وادعي الله بصدق أن يثبتك ويقويك.

 

أسأل الله أن يبارك في عمرك، وأن يجعل كل ما مررت به في ميزان حسناتك، وأن يوفقك ويلهمك الصواب، ويرفع قدرك في الدنيا والآخرة. وتابعينا بأخبارك.