كيف أتخلص من حساسيتي تجاه النقد؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..</p> <p>أنا شاب محافظ على صلاتي وأحاول قدر المستطاع أتبع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. بس لما أحد ينتقدني، حتى لو كان من أقرب الناس لي أواجه صعوبة كبيرة في تقبل كلامهم. أدافع عن نفسي بزيادة وأبرر كل تصرفاتي، حتى لو كنت متأكد إني غلطت.</p> <p>هالشي يتكرر معي كثير، وخايف يوديني للكِبر.</p> <p>كيف أكون أكثر تواضع لما أحد ينتقدني؟</p> <p><span dir="RTL">وكيف أتقبل كلام الناس بصدر رحب بدون ما أحس إني ضعيف أو أنهار؟</span></p>

مرحبًا بك يا ولدي، وأسأل الله أن يبارك فيك، ويوفقك لكل خير، وأن يتقبل منك صالح أعمالك، ويزيدك إيمانًا وقربًا منه، وأن يرزقك التواضع وحسن الخلق، وبعد...

 

فإن النفس البشرية جُبلت على حب الكمال، والنفور من النقص، لذلك فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالضيق عند توجيه النقد له، فهو يلامس موضعًا حساسًا في النفس. ولكن المؤمن الحق هو من يحاول تهذيب هذه النفس، وتطويعها لما يرضي الله تعالى، ويجعله أقرب إلى قلوب الناس.

 

النقد مرآة

 

إن النقد هو مرآة قد تكون قاسية أحيانًا؛ لكنها تعكس لنا عيوبنا التي قد لا نراها. والتحدي الحقيقي ليس في تجنب النقد؛ بل في كيفية استقباله وتحويله من مصدر للضيق إلى فرصة لإصلاح النفس واكتساب الخبرات.

 

وإن الكِبر أخطر آفات القلوب، وهو من أقبح الذنوب التي قد يقع فيها الإنسان؛ لأنه يحجب صاحبه عن رؤية الحق، ويمنعه من تقبل النصيحة. فقد قال ﷺ: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر» قيل: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا، فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكِبر بطر الحق وغمط الناس» [رواه مسلم].

 

و«بطر الحق» هو رد الحق ودفعه، وهذا ما تشعر به عندما ترفض النقد حتى لو كنت مخطئًا. أما «غمط الناس» فهو احتقارهم وعدم تقديرهم. وخوفك من أن تكون من أصحاب هاتين الآفتين هو بداية الطريق للنجاة.

 

تقبُّل النقد علامة التواضع

 

إن تقبُّل النقد هو تجلٍّ حقيقي للتواضع، فهو يعني أنك تفتح قلبك وعقلك لكلمة الحق، حتى لو جاءت على لسان شخص آخر. إنك عندما تستمع للنقد بصدر رحب، فأنت في الحقيقة تعترف بضعفك البشري، وبأنك لست معصومًا من الخطأ. هذا الاعتراف هو أعلى درجات التواضع.

 

 خطوات عملية لتقبُّل النقد

 

1- استشعار مراقبة الله: تذكَّر دائمًا أنك في حضرة الله، وأن كل ما تفعله يعلمه، وأن هدفك الأسمى هو رضاه. عندما يكون تركيزك على رضا الله، يقل اهتمامك بنظرة الناس إليك، ويزول خوفك من كلامهم. يقول الله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197].

 

2- التأمل في عيوب النفس: لا أحد كامل. تذكَّر أن لديك كثيرًا من العيوب التي قد لا يراها الناس. هذا يجعلك أكثر تواضعًا، وأقل حساسية للنقد.

 

3- الدعاء: اطلب من الله أن يرزقك التواضع، وأن يليِّن قلبك لتقبل الحق. قل دائمًا: «اللهم إني أعوذ بك من الكِبر، وأعوذ بك من أن أرد الحق».

 

وقد كان النبي ﷺ وهو أعظم الخلق وأكملهم، يقول في دعائه: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» [رواه مسلم]. فإذا كان النبي ﷺ يتضرع بهذا الدعاء، فكيف بنا نحن الضعفاء؟

 

4- افصل النقد عن شخصك: عندما يوجه لك أحدهم نقدًا، حاول أن تفصل بين النقد الموجه إلى الفعل، وبين شخصك. النقد قد يكون على تصرف معين فعلته، أو كلمة قلتها، أو قرار اتخذته. هذا لا يعني أبدًا أنك إنسان سيئ أو فاشل.

 

5- استمع بإنصات: استمع جيدًا لما يقوله الطرف الآخر، ولا تتسرع في الدفاع عن نفسك، وسوق المبررات، فقد تجد في كلامه جزءًا من الحقيقة، أو الحقيقة كلها. هذا الإنصات يخفف من حدة التوتر، ويجعلك تبدو أكثر حكمةً ونضجًا.

 

فعندما يُوجَّه إليك نقد، جرِّب أن تأخذ نفسًا عميقًا، وتصمت قليلًا؛ هذا الصمت يُشعرك بالاتزان، ويمنحك فرصة للتفكير بعيدًا عن الانفعال.

 

6- استفد من النقد: انظر إلى النقد كهدية. قد تكون هذه الهدية مغلَّفة بطريقة غير لطيفة، ولكن مضمونها قد يكون مفيدًا جدًّا لك. تعامل مع النقد كفرصة لتحسين نفسك، وتطوير شخصيتك، وتلافي عيوبك، وإثراء معلوماتك.

 

7- الاعتراف بالخطأ عند وضوحه: ليس عيبًا أن تقول: «نعم، أخطأت»؛ بل هذه من شيم العظماء. فقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال على المنبر بعدما انتقدته امرأة في مسألة فقهية: «أصابت المرأة وأخطأ عمر». فأي تواضع أعظم من هذا؟! وإياك أن تكون ممن قال الله فيهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ﴾ [البقرة: 206].

 

8- استحضر سير الصالحين: تذكر كيف كان النبي ﷺ يتقبل النصح والمشورة من أصحابه، وكذلك صحابته والسلف الكرام –رضوان الله عليهم- وكيف كان تواضعهم وتقبلهم للنقد وعدم الاستعلاء عليه.

 

وختامًا يا بُني، تذكَّر أن الله –تعالى- ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، وليس إلى صورنا، وإن سعيك لتزكية نفسك، وتغيير هذا الطبع هو في حد ذاته عبادة. فكلما استطعت أن تتجاوز هذه الحساسية للنقد، شعرت براحة نفسية أكبر، وتقربت إلى الله أكثر. استمر في الدعاء والاجتهاد، واعلم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

 

أسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يجعلك من المتواضعين الذين يرفعهم الله في الدنيا والآخرة.