<p>زوجي يتحكم في كل تفاصيل حياتي ولا يحترم احتياجاتي، أنا متزوجة من رجل يكبرني في السن أي بيننا أكثر من عشر سنوات، وهو أرمل ولا أبناء له، رغم أنني اخترته وتقبلت ظروفه وبساطة وضعه ورغم كل الانتقادات إلا أنني بعد شهور من الزواج بدأ الحزن والندم والكآبة تظهر علي بوضوح.</p> <p>أعلم جيدًا أن الزواج ليس ورديا وأنه مسؤولية، ولكن ما أكبته في ذاتي ثقيل، اهتماماتنا مختلفة تماما، أشعر بأنه لا حق لي في شيء، فهو من يختار الطعام رغم أنني حامل وأشتهي وأحتاج إلى وجبات صحية ومتكاملة ولكنه يحضر ما يريده هو، وعندما أرفض تناوله يقول لي هذا الموجود عندي، وإن طلبت منه شيئا ساومني عليه بشيء مقابل، حتى كسوتي يقول لي أنا لست مجبرا أن أشتري لك شيئا فقد دفعت مهرا لماذا لم تشتري بنفسك، حتى مكان عملي هو من اختاره مع أنه لا يناسب شهادتي ولا علمي أبدا.</p> <p>ويوبخني باستمرار إن قصرت لأي عذر، وعندما أقبض راتبي يفتعل كل مرة مشكلة فعندما أقول له إنه مالي الخاص رغم أننا اتفقنا على مساهمتي بجزء منه يريد المزيد مع أنني أحتاج المال لإكمال دراستي العليا التي يرفضها ورغم ذلك لا يعطيني قرشا وإن أعطاني طالبني به فيما بعد.</p> <p>يتدخل في كل شيء بطريقة لباسي وأسلوب حديثي وحتى في المنشورات التي أنشرها على مواقع التواصل الخاصة بي ودائما ما يقارنني بغيري من النساء بعد أن قتل كل شيء بداخلي حتى إنه مرة سألني ماذا أحب أن يقدم لي فأخبرته أنني أحب الورود والهدايا البسيطة المفرحة كالبلالين أو دب الحب مثل غيري من قريناتي من الفتيات ولكنه حينها لم يتوقف عن الضحك بت أشعر بانعدام الشغف في الحياة توقف الطموح والحب بداخلي فما الحل؟</p>
ابنتي الكريمة، أهلا وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.. شعرت بكلماتك وبقدر ما تعانين من الإحباط مع هذا الزوج الذي لا يشبع احتياجاتك التي كنت تحلمين بها في الزواج والتي تميل للرومانسية وأحلام الفتيات الوردية وربما الصور التي زرعتها السينما والروايات في قلوب الفتيات عن الزواج، لكنك وجدت الواقع يختلف كثيرًا عن هذه الصورة.
ويبدو لي أنك لم تستطيعي إدارة هذا الواقع بطريقة جيدة، ومن ثم تراكمت المشكلات الصغيرة داخلك وتعقدت حتى شعرت بغياب الشغف عن حياتك، فما رأيك أن نقوم بتفكيك هذه المشكلات، لكنني أريدك أن تكوني قوية بالقدر الذي يسمح بالتغيير وموضوعية بالقدر الذي يجعلك ترين ما لك وما عليك.
اختيار حر
ابنتي الغالية، لقد اخترت هذا الرجل بكامل حريتك ودون أي صورة من صور الضغط.. كنت تعلمين أنه يكبرك بأكثر من عشر سنوات ومر بتجربة زواج سابق انتهت بكونه أرملاً.. كنت تعلمين ظروفه المالية.. كنت تعلمين كل شيء والإنسان القوي يتحمل مسئولية قراره، خاصة أن هناك طفلاً قادمًا من أولى حقوقه في الحياة أن يجد نفسه يعيش في أسرة سعيدة لا أسرة تفتقد الشغف وتملؤها الخلافات.
ما أقصد قوله أنه ليس من حقك أن تشعري بالاستعلاء عليه؛ لأن هذه ظروفه وقد قبلت بها، وليس من حقك أن تشعري بالخديعة، فهذا الفارق في العمر وكونه أرملاً يجعله يرى في البلالين والدب أشياء مضحكة بالنسبة له هو، فهو في مرحلة أخرى من الحياة، ربما هو يراها أكثر نضجًا بينما ترينها أنت جافة لا تعترف بالمشاعر، بالتأكيد هو مخطئ لأنه لم يحاول النظر من زوايتك ويريدك أن تري الحياة الزوجية بعيونه هو، لكن أنت أيضًا مخطئة لأنك لا تنظرين للحياة من زاويته وتنتظرين منه هو فقط أن ينظر للحياة الزوجية بعيونك.
ابنتي الغالية، أريدك أن تتمتعي بذكاء عاطفي وبذكاء أنثوي، فسؤاله لك عما تحبين دلالة على الاهتمام، وهذا عليك أن تنظري له بوضوح وتمنحيه ما يستحقه من التقدير، وفي الحقيقة أنت لم تذكري أي ميزة للرجل، وما ذكرته من سؤاله لك عما تحبينه جاء عرضًا في سياق الشكوى من رد فعله، وهذا أمر أراه مجحفًا وغير موضوعي، أريدك أن تفكري قليلاً وتذكري ثلاث مميزات لزوجك على الأقل دعتك للزواج منه، فهذا سيقلل كثيرًا من مشاعر الاختقان التي تمرين بها.
حافظي على حقوقك
ابنتي الغالية، للزوج حقوق كثيرة كفلتها الشريعة الإسلامية، ليس منها أن يتحكم في مالك أو ذمتك المالية، فلِمَ تتنازلين عن حقوقك؟ زوجك غير معترض على عملك لأنه يريد أن تساعديه بجزء منه وأنت ليس لديك اعتراض، ولكنه يساومك ويريد المزيد ولا يشبع احتياجاتك في الغذاء واللباس، وبالتأكيد هذا أمر غير جيد، وهي نقطة ضعف واضحة في زوجك.
ولكن أنت يمكنك تجاوزها على الأقل على المستوى المادي، فإذا لم يشترِ لك الطعام الصحي اشتريه أنت بدلا من أن تعطيه جزءًا من راتبك، وبدلا من أن يطلب منك المزيد من المال الخاص بك وجهِّي أنت المال لشراء احتياجاتك الخاصة من لباس وغذاء.
وعندما يعاتبك تحدثي إليه بهدوء ولكن بحزم قولي له: كنت أعطيك المال مشاركة مني في مصروفات البيت، لكن أنت لا تشبع احتياجاتي الأساسية ولا تشاركني في اختيار أي شيء رغم أن هذا حقي وواجبك، لكن لأني أريد الحفاظ على البيت اشتريت أنا هذه الاحتياجات من مالي الخاص الذي كنت أمنحه مشاركة في البيت..
اصمتي قليلا ثم ضعي القاعدة واضحة: "أشارك في المصروف ويتم تلبية احتياجاتي أو أشتري لنفسي ولن أشارك في مصروف المنزل".. ما تقومين به لا يعتبر مساومة بالمعنى السلبي كما يفعل معك، ولكنه يعيد الأمور لنصابها الصحيح ويمنحك الحد الأدنى من العدالة.
هذه القاعدة ليست الصورة المثالية للتعامل المادي في إطار الحياة الزوجية، بل وليست حتى بالصورة الجيدة، ولكنها تمثل الحد الأدنى الآمن الذي يجعلك لا تشعرين بالظلم والضغط.
سأذكر لك حديثًا يشرح كيف تتمسك المرأة بحقوقها المالية دون أن يمس هذا قوامة الزوج، فعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: (قال رسول الله ﷺ: "تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن"، قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم.
قالت: قال لي عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتي وحاجتها، قالت: وكان رسول الله ﷺ قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله ﷺ فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما عن أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله ﷺ فسأله، فقال له رسول الله ﷺ: "من هما؟"; قال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال له رسول الله ﷺ: "أي الزيانب؟" قال: امرأة عبد الله، فقال رسول الله ﷺ: "لهما"، "أجران أجر القرابة"، "وأجر الصدقة") متفق عليه.
فانظري إلى زينب كيف تتحكم في مالها، هي تريد وضعه في الصدقة رغم أن زوجها بحاجة للمال ولكنها هي بحاجة للأجر، لذلك ذهبت وسألت هل يجوز دفع هذه الصدقة للزوج أم لا؟ ولم تعتبر أن هذا المال حق الزوج ولم يعتبره هو كذلك ولم يحاول إجبارها أو الضغط عليها لأخذه، فما بالك وأنت تريدين إنفاقه على حاجاتك الأساسية غير المشبعة؟!
كوني قوية حازمة في المطالبة بحقوقك بطريقة مهذبة وهادئة وسوف يحترمها ويحترمك.. ربما كرر انتقاداته وملاحظاته، لكن إن أصررت على موقفك فسوف يحترمه.. على الأقل لو أخذ منك المال فسيشتري لك ما تحتاجين إليه وهكذا يتحقق الهدف.
تحكمات أخرى
كما اتفقنا دعينا نترك العبارات الضخمة الفضفاضة (يتدخل في كل تفاصيل حياتي.. يتحكم في كل شيء)، اهدئي وكوني طويلة البال وتعاملي بالقطعة كما اتفقنا.. يريد التدخل في ملابسك مثلا لأنه يغار، هذا حقه وواجب عليك أن تحترمي هذه الغيرة وتصغي لملاحظاته.. يريد التدخل لأنها غالية، لو هو من سيدفع فراعي ظروفه، بينما لو أنت من ستدفعين ولم يكن في الأمر إسراف فاشتري ما يروقك.
يتدخل في أسلوب حديثك، مثلاً يطالبك أن تخفضي صوتك أو ضحكتك وأنتم في الخارج، هذا من حقه.. إنما مثلاً يعلق على لغة خطابك ويراها معقدة متحزلقة، اعتبري ذلك مجرد ملاحظة جزء من تجاذب أطراف الحديث، لا تكوني شديدة التحسس، وهكذا بدلا من إطلاق حكم عام أنه يتدخل في كل شأن انظري لكل واقعة وحدها وقيمي تدخله هل هو مجرد تعليق؟ أم أنه يريد منك ممارسة سلوك ما؟ هل هو من حقه كزوج؟ أم هو مجرد تعنت؟
فإذا كان تعنتًا لا حق له فيه ويضايقك فتحدثي إليه بشكل واضح وصريح وهادئ ومهذب في الوقت ذاته، مثلاً هو يعلق على منشور شاركته على وسائل التواصل لاختلاف وجهات النظر بينك وبينه في قضية لا علاقة لها بحياتكما الزوجية.. ابتسمي وقولي له من حقي الاختلاف الفكري أو اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية أو حفزيه بشكل غير مباشر وقولي له: أعتقد أنك رجل مثقف متفتح الذهن، وهذا خلاف عادي في وجهات النظر وهكذا...
الحب والشغف
أخطر ما في استشارتك يا ابنتي هو شعورك أنه لم يعد هناك شغف بعد كل هذا الكم من المشكلات وربما من الإحباطات، فواقع الزواج الذي تعيشينه يختلف عن الصورة الذهنية التي رسمتها أنت للزواج، فما رأيك في رسم صورة جديدة أكثر واقعية؟
أعرف أن الأمر ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلاً كذلك ثقي في ذلك.. دخول زوجك البيت وهو يحمل دبًّا ضخمًا ومجموعة من البلالين الحمراء يخاطب نقطة عميقة في مشاعرك كنت تحلمين بها.. لكن صورة الزوج الذي يذهب للتسوق في أجواء الحر والبرد ويبحث عن أفضل السلع المعروضة والمناسبة للميزانية لو أنصفت فستجدينها هي الأكثر تماشيًا مع الرجولة المسئولة..
صورة الرجل الذي يحمل طفله حتى يمنحك الفرصة للنوم بضع ساعات هي صورة أخرى من صور الرجولة المسئولة.. الرجل الذي يمسك يدك وأنت ذاهبة للطبيب.. كثيرة هي الصور التي تدخل للقلب لو تمعنت النظر فيها..
الشغف ليس مصادفة عمياء، بإمكانك غاليتي أن تلوني حياتك بالشغف والحب إن أردت ذلك.. تغافلت عن العيوب الصغيرة التافهة.. سلطت الضوء على مواقفه الطيبة اللطيفة وأوقات اهتمامه، حتى لو كان هذا الاهتمام يخص الفراش.
فبإمكانك إن أردت أن تثقلي كفة اهتمامه ومميزاته، وهذا لمصلحتك أنت أولاً؛ لأنك لو استطعت إعادة جذوة الشغف لحياتك فكثير من المشكلات ستختفي بشكل تلقائي، والشغف يدفع لمزيد من الشغف، وسوف تتعاملين معه بحب، وكرد فعل تلقائي سيتعامل هو الآخر معك بحب، وهكذا تنكسر دائرة الإحباط والألم التي تعيشين فيها.. أسعد الله قلبك وأصلح زوجك ورزقك السعادة.