<p>في بعض مواقف العمل، أواجه مواقف قد أضطر فيها للكذب، لجلب مصلحة أو دفع ضرر أو إحراج أو أذى. أعلم أن هذا حرام لكني أضعف في هذه المواقف.</p> <p><span dir="RTL">كيف أُربي نفسي وأقوي عزيمتي على تجنب الكذب، وعلى الصدق مهما كان؟ وكيف أصبر على تبعات هذا وأواجهه دون أن أندم لاحقًا؟ وماذا أقول لرؤسائي وزملائي؟</span></p>
مرحبًا بك أيها السائل الكريم، ونشكرك جزيل الشكر على ثقتك بنا وتواصلك معنا. وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويقوي عزيمتك على الصدق، وأن يرزقك خيرَي الدنيا والآخرة، وبعد...
أخي الفاضل، إن إدراكك لخطورة الكذب وضعفك أمامه هو خطوتك الأولى نحو التغيير. إن الصدق –لا شك- هو مفتاح النجاة في الدنيا والآخرة، والكذب هو مفتاح الهلاك والندم.
لقد جعل الله الصدق من أعظم الصفات التي يُحبها ورسوله، وجعله أساس الدين ومكارم الأخلاق. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].
كيف تُقوِّي عزيمتك على الصدق؟
إن تغيير أي عادة في حياتنا يتطلب جهدًا ووعيًا، فإليك بعض الخطوات التي تُساعدك على تقوية عزيمتك:
1- استشعر عظمة الله ومُراقبته:
إن السبب الرئيسي لضعفك أمام الكذب هو أنك تنسى أن هناك من هو أعظم من رئيسك وزميلك، وهو الله جل جلاله، الذي يرى ويسمع كل ما تخفيه نفسك وتظهره: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [الأنعام: 59]. فاستشعر دائمًا في كل موقف تمر به وتشعر أنك على وشك الكذب، أن الله يراك، وأن ملائكته تكتب ما تقوله. تخيل نفسك أمام الله يوم القيامة، ويسألك عن كل كلمة نطقت بها. فهذا يُعطيك قوة هائلة على الصدق، وتجنب الكذب.
2- تذكَّر عواقب الكذب في الدنيا والآخرة:
إن الكذب يُطفئ نور الوجه، وهو سبب للطرد من رحمة الله. قال النبي ﷺ: «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» [رواه البخاري].
- في الدنيا: الكذاب لا يُصدَّق حتى لو قال الحق، ويُصبح بلا قيمة اجتماعية ولا مهنية، ويفقد الناس الثقة به، وينزعون عنه الاحترام والهيبة.
- في الآخرة: يُكتب الكاذب عند الله كذَّابًا، ويحشر وقد اسود وجهه، ويُسأل عن كل كذبة، ثم يجزى بكذبه النار والعياذ بالله.
3- تدرَّب على المواجهة الإيجابية:
إن مشكلتك تكمن في كيفية مواجهة المواقف الصعبة، ورغبتك في التخلص من الحرج فيها، مما يدفعك للكذب. وهذا لا يجوز شرعًا؛ لكن في الوقت نفسه لا يعني هذا أن تكون فظًّا أو مُباشرًا دائمًا. هناك ما يُسمَّى «المُعاريض»، وهي كلمات تعبِّر عن معنى صحيحٌ؛ لكنها تُفهم على غير ظاهرها من السامع، وقد استخدمها النبي ﷺ في مواقف عدة، فتدرب على استخدامها، لتخرج بها من المواقف المحرجة دون كذب.
على سبيل المثال: إذا سألك رئيسك عن سبب تأخرك وكان السبب الحقيقي أنك نسيت منبهك، وأخذك النوم، فبدلًا من الكذب بسبب غير حقيقي، أو الصدق المحرج، يمكنك أن تقول: «لقد حدث لي ظرف طارئ في الصباح؛ لكنني سأحرص على عدم تكرار ذلك مرة أخرى».
كيف تواجه تبعات الصدق وتصبر عليها؟
لا شك أن الصدق قد تترتب عليه تبعات صعبة، وقد تفقد بعض المنافع أو تُواجه بعض الانتقادات؛ ولتواجه ذلك عليك بالاستعانة بالله والتوكل عليه؛ وثق بأن الله لن يُخيب ظنك فيه بنيتك إرضاءه بالصدق وعدم معصيته بالكذب، وأنه سيُعوِّضك خيرًا، ويجعل لك مخرجًا وييسر لك أمرك. يقول الله عز وجل: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2]، ويقول سبحانه: ﴿ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4]. ويقول النبي ﷺ: «إنك لَن تدَع شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ إلا بدَلك اللهُ به ما هو خيرٌ لكَ منه» [رواه أحمد].
واعلم -يا أخي- أن الصدق يمنحك مهابةً واحترامًا عند الخلق. وإن كان البعض منهم يتظاهر بحب الكاذب الذي يُسايرهم، فإنهم لا يثقون به ولا يحترمونه. وفي النهاية نجد أنك عندما تكون صادقًا، فإنك لا تُحاسب إلا على الحقيقة، أما الكاذب فسيُحاسب على كل كذبة يتفوه بها.
ماذا تقول لرؤسائك وزملائك؟
أولًا: لا تُطلق أحكامًا عليهم، فهذا قد يُثير العداوات.
ثانيًا: كن حكيمًا في إجاباتك. فإذا سُئلت عن شيء لا تريد الإجابة عنه، يمكنك استخدام المعاريض كما ذكرنا.
ثالثًا: إذا كان الصدق سيُسبب لك ضررًا حقيقيًّا في العمل (الطرد أو الفصل مثلًا)، فأنصحك من الآن أن تستبق ذلك، وتُفكر في ترك هذا العمل، والبحث عن غيره لا يكون فيه مثل هذه الفتنة. يقول النبي ﷺ: «إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ وبينهما أمورٌ مُشتبِهاتٌ لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه، ومن وقع في الشُّبهاتِ وقع في الحرامِ، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشكُ أن يرتعَ فيه» [رواه البخاري]. إن العمل الذي يُجبرك على الكذب هو عمل لا يُبارك الله فيه.
وحتى يتيسر لك هذا، أو تتغير الحال، إذا واجهتَ موقفًا صعبًا تجد نفسك مدفوعًا للكذب، فيمكنك أن تقول: «أنا أُفضل أن أكون صريحًا في هذا الموضوع»، أو: «دعني لأكون صريحًا معك»، أو: «أنا لا أحب أن أُخفي عليك شيئًا»، فمثل هذه الجمل تُعزز ثقتهم بك.
وختامًا -أخي الكريم- ثق بأن الصدق هو الذي سيُنجيك، وتأكد أن الله معك ما دمت مع الحق. داوم على الدعاء، واستعن به، فهو القادر على أن يثبتك. نسأل الله لك العون والتوفيق والسداد.