من آداب المستفتي في القضايا الفقهية المعاصرة

<p>ما الأداب والأخلاق التي يجب على المستفتي أن يتحلى بها حتى يحصل على فتوى صحيحة وهل له دور في نجاح عملية الإفتاء؟</p>

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالمستفتي أحد أركان العملية الإفتائية، فالمفتي ركن والفتوى نفسها ركن، والمستفتي ركن آخر، وما لم يتأدب المستفتي بآداب المستفتي فلن تؤتي الفتوى أكلها، فعلى المستفتي أن يتقى الله في عرض الفتوى بكافة تفاصيلها وألا يُخفي منها شيئًا، وألا يبحث عمن يعطيه ما تريده النفس، لكنه يبحث بتجرد تام عن الحكم الشرعي ويتبعه سواء وافق هواه أم خالفه.

 

آداب المستفتي

 

ويمكننا عرض أهم الآداب والأخلاق التي على المستفتي أن يتحلى بها، وهي:

 

1- أن يُحسن صياغة السؤال: ولا يُخفي من ملابساته شيئًا، حتى يأتي حكم المفتي موافقًا لحكم الحادثة، فإنما مثل المستفتي مع المفتي كمثل الطبيب مع المريض.

 

2- السؤال عما ينفع: يجب عليه أن يحسن السؤال؛ فحسن السؤال نصف العلم، كما هو مأثور، وتطبيقًا لهذا المعنى يجب أن يكون سؤاله عما ينفع، أي يسأل في واقعة يعانيها هو أو غيره ويريد الحكم فيها، ولا يسأل فيما هو مفترض بعيد الوقوع؛ فهذا من "أغاليط المسائل" التي جاء الحديث بالنهي عنها.

 

3- أن يستفتي أهل العلم: لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: 43)، وأهل الذكر هم العلماء الفقهاء الذين يعرفون أحكام الشرع، ويعرفون وقائع الناس، وينزلون أحكام الشرع على تلك الوقائع، وأن يختار من أهل العلم أكثرهم ورعا وأشدهم تقوى؛ فإن تعددوا اختار من بينهم، وإلا فمن تيسر.

 

4- يجب على المستفتى أن يبين عن مسألته والظروف التي تكتنفها: لأن الفتوى تتغير بذلك، من غير تمويه أو مواربة، وأن لا يُخفي شيئًا مما يتعلق بمسألته حتى يكون الحكم منزلاً على عين الحقيقة الواقعة.

 

5- الاختصار في عرض الفتوى: أن يراعي المستفتى أن من يتعرض للإجابة عن مسألته مطلوب منه أن يجيب على كثير من مسائل غيره؛ ولذا يجب عليه أن يختصر في مسألته من غير إخلال بوقائعها؛ حتى لا يضيع على غيره الوقوف على وجه الحق فيما يريد السؤال عنه.

 

6- عدم عرض الفتوى أكثر من مرة على أكثر من عالم أو جهة بقصد الحصول على ما يريد، وينبغي لمن يتبع هذا الأسلوب من المستفتين أن يعلم بأنه أمين في نهاية الأمر على دينه وعلى حقيقة ما يسأل عنه، وأن يعلم أن الله تعالى لا يخدعه أحد.

 

7- لا يجوز للمستفتى بحال أن يتعرض لغيره بالهمز أو اللمز من خلال ما يسأل عنه: كما لا يجوز له أن يذكر أسماء أحد (بشكل تفصيلي كأن يذكر الاسم كاملا وعنوانه ووظيفته مثلا) في سؤاله، سواء كان هؤلاء أناسًا كان لهم موقف معه، أو مفتين أجابوه قبل ذلك. 

 

8- استفتاء القلب: على المستفتي أن يتقي الله ويراقبه في استفتائه إذا استفتى، ولا يجعل الفتوى ذريعة إلى أمر يعلم من قرارة نفسه أنه غير جائز شرعًا، وإنما لبّس على المفتي وغرّه بزخرف القول، أو بإخفاء عنصر له تأثير في تكييف القضية المسئول عنها؛ فيجيب المفتي بما يظهر له، غير متفطن إلى خبايا الموضوع وخلفياته. ولو عرضت عليه القضية بوضوح، لا تلبيس فيه ولا تمويه، وظهر له من خباياها ما أخفي عنه، لغير فتواه.

 

 9- فهم الفتوى بكل تفاصيلها وقيودها: على المستفتي بعد ذلك أن يتفحص فتوى مفتيه تمام التفحص، ويتبين ما فيها من قيود وشروط تمام التبين، ثم يطبق ذلك على نفسه وحاله. فلا يخطف الجواب خطفًا، قبل أن يتأمل أوائله وأواخره، وما يحمل في طيه من قيود أو أوصاف قد لا تنطبق على قضيته عند التطبيق، وقد يجيب المفتي بكلام عام، ثم ينبه في أثناء فتواه أو على آخرها على قيد أو شرط، أو يستدرك كلامه الأول؛ فيقيد مطلقه، أو يخصص عمومه، أو يفصل مجمله.

 

وهذا أمر في غاية الأهمية فكثيرًا ما يسمع المستفتي فتوى الشيخ القرضاوي مثلا أو غيره في الغناء مثلا، فيخرج بنتيجة خاطئة تقول: (إن القرضاوي يبيح الغناء)! هكذا بإطلاقه، ويطلق لنفسه العِنان في استماع الغناء بغير ضابط ولا رابط.

 

مع أن فتوى فضيلة الشيخ واضحة، وقد وضعت الضوابط في السماع بشكل واضح لا يحتمل لبسًا؛ فيكون المفتي بريئًا من تصرفات الناس الخاطئة التي تقف عند (ولا تقربوا الصلاة)!

 

وكذلك فتواه في شراء البيوت في بلاد الغرب عن طريق البنوك يخرج السامع أو القارئ بنتيجة أن القرضاوي يبيح التعامل مع البنوك!!

 

وعشرات المسائل غيرها، وما يحدث مع فضيلة الشيخ يحدث مع غيره، خاصة العلماء الذين يسمع لقولهم ويرتاح الناس لفتواهم في العالم العربي والإسلامي.

 

10- طلب العلم: إن على المسلم أن يتفقه في دينه، ويتعلم من أحكامه ما ينفعه، وما يسير به في طريق سوي، حتى لا تختلط عليه الأمور، ويلتبس عليه الحق بالباطل والحلال بالحرام.

 

ولهذا جاء في الحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" والمراد: كل إنسان مسلم، ذكرًا كان أو أنثى؛ فالمسلمة كالمسلم في طلب العلم بالإجماع، وإن لم يرد في الحديث لفظ "مسلمة".

 

11- أن يتقي الله ويراقبه في فتواه: فيسأل ليعمل بحكم الشرع، ولا يسأل ليتذرع بالفتوى لارتكاب ما حرم الله؛ لأن المفتي كالقاضي يحكم بناء على ما ظهر له، وحكمه لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.