<p>مع كل التغيرات السريعة اللي صارت حوالينا، أحس الإنسان يحتاج يتأكد إنه محافظ على حاجتين مهمين: توازنه النفسي وسلوكه، وخطوط عقيدته اللي تحدد تصرفاته.</p> <p><span dir="RTL">أبي أعرف من مستشار أو مختص: كيف نقدر نحافظ على توازننا وعقيدتنا وسط الضغوط والتغيرات السريعة، وكمان نربي أولادنا على نفس القيم الثابتة بدون ما نتأثر أو نضيع؟</span></p>
مرحبًا بك أيها الأخ الكريم، وأشكرك على سؤالك القيِّم، وعلى ثقتك فينا. أسأل الله أن يكتب لك السداد والتوفيق في كل أمورك، وأن يبارك لك في نفسك وأهلك وذريتك، وبعد...
فإن سؤالك هو سؤال كل أب وكل أم، وكل شاب وكل فتاة، يريدون أن يُبحروا في بحر الحياة المتلاطم بأمان، حتى يرسوا بسفنهم على شاطئ الأمان والسكينة. فالحياة في طبيعتها رحلة مليئة بالمنعطفات والتحديات. والنجاح فيها ليس أن نصل إلى الكمال؛ بل أن نظل على الطريق الصحيح، صامدين رغم العواصف.
إن الحفاظ على التوازن النفسي والعقيدة السليمة والسلوك القويم في هذا العصر، هو حقًّا جهاد حقيقي يتطلب منا يقظة وعزيمة. ونحتاج لتحقيق ذلك الهدف إلى أمور، أهمها:
1- الوعي بطبيعة العصر:
إن الوعي بطبيعة العصر الذي نعيش فيه ليس مجرد رفاهية فكرية؛ بل هو ضرورة قصوى لتحقيق التوازن والثبات في خضم التغيرات المتسارعة. إن هذا الوعي يمنحنا القدرة على فهم التحديات والفرص المحيطة بنا، ويساعدنا على التمييز بين ما هو أصيل وثابت وما هو دخيل ومؤقت. عندما ندرك متطلبات العصر، نستطيع أن نطور استراتيجيات فعَّالة لحماية أنفسنا وعقيدتنا وأبنائنا.
هذا لا يعني الانعزال عن العالم؛ بل يعني المشاركة بوعي ويقظة، واختيار ما يتوافق مع قيمنا ومبادئنا. إنها رحلة مستمرة من التعلم والتكيف، تتيح لنا أن نكون مؤثرين لا متأثرين، وأن نحافظ على هويتنا الإيمانية الراسخة في عالم يسعى لفرض هويات جديدة.
2- الحبل المتين:
أخي العزيز، كلما زادت العواصف وتلاطمت الأمواج، احتجت إلى حبل يشدك إلى بر الأمان ويربطك به. هذا الحبل هو علاقتك بالله.
إن التوازن النفسي لا يأتي من الخارج، بل ينبع من الداخل، من إحساسك بأن الله معك، يراك ويسمعك ويُدبّر أمرك. وفي هذا الجانب تمسك بما يلي:
- القرآن الكريم: اجعل لك وردًا يوميًّا من القرآن؛ لكن لا تقرأه بلسانك فقط؛ بل بقلبك وروحك. تدبر معانيه، ففيه هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور. يقول تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الإسراء: 82]. إنه البلسم الذي يُداوي قلقك وتوترك.
- الصلاة: وهي ليست مجرد حركات؛ بل هي لقاء بينك وبين ربك، احرص على أن تكون خاشعًا فيها قدر استطاعتك، لتجد الراحة والسكينة. فقد كان رسول الله ﷺ يقول لمؤذنه: «أَرِحنا بها يا بلال» [رواه أبو داود]؛ دلالة على أنه كان يستريح بالصلاة من أعباء الحياة.
- الذِّكر والدعاء: اجعل لسانك رطبًا بذكر الله. سبِّح، واستغفر، واحمد، وادعُ؛ فإن الدعاء هو سلاح المؤمن. اطلب من الله الثبات والسكينة. قال النبي ﷺ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» [رواه أبو داود].
3- الجذر الثابت:
العقيدة ليست مجرد معلومات تحفظها، ولا كلمات ترددها؛ بل هي قناعات راسخة تُوجِّه سلوكك. ولكي تحافظ عليها، يجب أن تُقوِّي جذورها، بالوسائل الآتية:
- طلب العلم الشرعي: تعلَّم أمور دينك من مصادر موثوقة. افهم أصول العقيدة الإسلامية؛ لماذا نؤمن بالله؟ ولماذا نعبد الله؟ وما أسماؤه وصفاته؟ وكلما زاد فهمك، زادت قناعتك، وازداد ثباتك.
مجالسة الصالحين: يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود]. فالأصدقاء الصالحون مثل النجوم، يُضيئون لك الطريق في الظلام. شاركهم في طاعاتهم وعباداتهم، وستجد أن ذلك يُقوّي عزيمتك.
كيف نُربِّي أولادنا على القيم نفسها؟
تربية الأبناء في هذا الزمن هي -لا شك- مهمة شاقة وعظيمة. إنهم يواجهون عالمًا مفتوحًا على مصراعيه، يختلط عليهم فيه الحابل بالنابل. ولكن تذكر أنك لست وحدك، فالله معك يُعينك ويُسدِّدك. وأنصحك في سبيل هذا بالآتي:
- كن قدوة حسنة لهم:
لا تُعلِّم ابنك بلسانك فقط؛ بل بفعلك. أنت مرآته الأولى. فإذا رآك محافظًا على الصلاة فسيُحب الصلاة. وإذا رآك صادقًا، فسيُحب الصدق. وإذا رآك تُعامِل الناس بلطف، فسيتعلم اللطف.
- الحوار المفتوح:
لا تجعل علاقتك بابنك مجرد أوامر ونواهٍ. افتح معه قنوات الحوار. اجلس معه، واسأله عن أحواله، وعن أفكاره، وعما يُشاهده على الإنترنت. استمع إليه بقلبك قبل أذنك، حتى لو كانت أفكاره غريبة عليك. لا تُصدر الأحكام؛ بل كن له صديقًا ومُوجِّهًا.
- التوجيه بالرفق والحكمة:
التربية ليست عراكًا؛ بل هي غرس. كن كالبستاني الذي يغرس الزهور في حديقته. اسقِ الزرع بالرفق، ولا تقطفه بعنف. إذا أخطأ ابنك، فلا تُعنِّفه، بل وجِّهه بلُطف وحكمة. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [سورة النحل: 125].
- الدعاء سلاحك الأقوى
لا تستهن بقوة دعائك لهم. ادعُ لهم بالهداية والصلاح، وأن يُثبِّت الله قلوبهم على دينه. إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلّبها كيف يشاء. وكان النبي ﷺ يدعو: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» [رواه الترمذي].
وختامًا -أخي الكريم- الطريق ليس سهلاً، فلا تيأس ولا تستسلم. تذكر أنك على الحق، وأن الله معك. كن كالشجرة المثمرة، جذورها ثابتة في الأرض، وفروعها عالية في السماء. أسأل الله أن يُثبِّتنا وإياكم على الحق، وأن يُعيننا على تربية أبنائنا تربية صالحة. وتابعنا بأخبارك.