<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أم لأربعة أبناء، أعتني بمتابعتهم ودروسهم، وأرعى حماتي في بيتنا، إضافة إلى رعايتي لأمي وأبي المسنين، وكذلك زوجي. أقوم بأعمال الطبخ والتنظيف، وأستعد للذهاب إلى عملي يوميًا. بعد صيف حافل بالعمل والسفر المتكرر، أشعر أنني فقدت السيطرة على تنظيم وقتي وبيتي وأسرتي.</p> <p>واليوم بدأ العام الدراسي الجديد، وأشعر بضغط كبير وخوف من عدم قدرتي على التوفيق بين كل هذه المسؤوليات، وبين متابعة دروس الأبناء ومتطلباتهم، وأعمال المنزل، ومتطلباتي الشخصية.</p> <p>كيف يمكنني استعادة توازني النفسي وسط هذه الالتزامات المتعددة؟ وما هي الخطوات العملية التي تساعدني على تنظيم وقتي والتخفيف من التوتر المصاحب لبداية العام الدراسي؟</p> <p>جزاكم الله خيرًا<span dir="LTR">.</span></p>
وعليكم السلام وحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.. دعيني في البداية أحييك على الدور الحيوي العظيم الذي تلعبينه في حياة أسرتك الكبيرة، بارك الله لك فيها، وبارك فيك وفي جهودك، يارب.
في بداية العام الدراسي الجديد أنت تشعرين بتوتر نتيجة أن قائمة المهام لديك طويلة ومتعددة وتشعرين أن الوقت ضيق ولا يتحمل كل هذه المهام المتعددة، وبالتأكيد أنت لا تريدين أن تستهلكي نفسك وتشعري بالإنهاك، وهذا يحتاج منك وضع خطة ذكية لإدارة حياتك عمومًا وإدارة وقتك على وجه الخصوص، لكن قبل الحديث عن ملامح هذه الخطة وأهم الأسس التي تقوم عليها دعيني أقول لك إنك بحاجة لدعامتين أساسيتين لن تنجح أي خطة دونهما:
الدعامة الأولى
الاستعانة بالله عز وجل فهو سبحانه وتعالى القادر أن يبارك وقتك ويمنحك القوة والطاقة، تأملي هذا الحديث وتذكريه دائمًا عندما تشعرين بضغط المهام والإرهاق، فلقد روى عليّ بن أبي طالب (أنّ فاطمة رضي الله عنها اشتكت ما تلقى من الرّحى (آلة الطحن) ممّا تطحن، فبلغها أنّ رسول الله ﷺ أُتِيَ بسَبْيٍ، فأتته تسأله خادمًا فلم تُوافِقْه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي ﷺ فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم، فقال: على مكانكما، حتى وجدت برد قدميه على صدري (من شدة البرد)، فقال: ألا أدلّكما على خير ممّا سألتماه، إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وسبّحا ثلاثًا وثلاثين، فإنَّ ذلك خير لكما ممّا سألتماه) رواه البخاري.
وفي رواية لمسلم قال النبي ﷺ لهما: (ألا أُعلِّمُكما خيرًا مما سألتُما؟ إذا أخذتُما مضاجعكما، أن تكبِّرا اللهَ أربعًا وثلاثين، وتسبِّحاه ثلاثًا وثلاثين، وتحمَداه ثلاثًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم) إنه ذكر ودعاء في آن واحد..
يقول العلماء: إن من واظب على هذا الذكر لم يصبه الإعياء، لأن فاطمة رضي الله عنها لما شكت التعب أحالها النبي ﷺ على هذا الذكر، والذي من فوائده أنه يقوي البدن كما أنه يقوي القلب، وأنت غاليتي بحاجة لقوة القلب في مواجهة هذه المهام الملقاة على عاتقك.
الدعامة الثانية
الحفاظ على صحتك النفسية والجسدية، فأنت بحاجة أن تحافظي على هدوئك التام كي تستطيعي إدارة المهام الملقاة على عاتقك بأقصى جودة ممكنة؛ لذلك أنت بحاجة للنوم العميق ليلاً.. بحاجة لبضع دقائق تجلسين فيها لذكر الله دون القيام بأي مهمة أخرى.. بحاجة أن تتعلمي تقنيات التنفس العميق حتى تقومي بها كل ما انتقلت من مهمة لأخرى.. فعندما تغادرين عملك وقبل أن تدخلي من باب البيت قفي وتنفسي 10 مرات.. خذي شهيقًا وأنت تعدين من واحد إلى أربعة ثم احبسيه في صدرك وأنت تعدين من واحد لأربعة، ثم عليك بالزفير ببطء من أنفك والأفضل من فمك وأنت تعدين من واحد لستة.. هذا التمرين يساعدك على الاسترخاء ويجعلك مستعدة للقيام بنوعية مختلفة من المهام.
رعاية صحتك الجسدية أمر بالغ الأهمية، فأنت بحاجة لقوتك، فلو أنك مصابة بالأنيميا أو تعانين من نقص فيتامين دال على سبيل المثال فلن يجدي الجهد الذي تبذلينه، فأرجو أن تراجعي طبيبة حتى تطمئني أنه لا ينقصك أي مكملات أو مغذيات.
إدارة المهام
لو قمنا بترتيب المهام بحسب الأهمية والأولوية لا بحسب الوقت فسنجد الآتي:
* واجبك نحو ربك.
* واجبك نحو نفسك.
* واجبك نحو زوجك.
* واجبك نحو والديك.
* واجبك نحو أولادك.
* واجبك نحو حماتك.
* واجباتك كـ ربة بيت.
* واجبك نحو عملك.
فعلى رأس الأولويات تأتي علاقتك بالله تعالى.. لا تؤخري صلاة عن وقتها مهما كان الضغط واجعلي مواقيت الصلاة حدودًا للمهام.
علاقتك بنفسك تأتي في المرتبة الثانية.. تشعرين بالمرض لا تؤجلي زيارة الطبيب.. تناولي إفطارك بهدوء واشربي قهوتك في فنجان جميل، وهكذا.
زوجك جنتك ونارك، لا بد أن يشعر بالراحة معك وفي البيت.. اطلبي مساعدته ودعمه في تدريس الأولاد.. في التسوق ولكن في حدود طاقته وظروف عمله.. لكن امنحيه وقتًا نوعيًّا واهتمامًا تنسي فيه كل المهام وكأن حياتك فارغة ولا يوجد فيها غيره.. استعيني بتمارين التنفس وتمارين الاسترخاء واستحضري النية، وسوف تستطيعين، ثقي في ذلك.
كل يوم اتصال بوالديك وأنت في المواصلات حتى تتابعي أخبارهما.. لا تنسيهما من دعائك فهو بر بهما، وزيارة قصيرة يوم العطلة ووقت نوعي معهما.. هدية بسيطة وأنت ذاهبة إليهما ولو طبقًا من حلوى، وسددي وقاربي.
بالنسبة للأولاد دربيهم على النظافة والنظام فهذه المهارات الحياتية أهم من الدراسة.. لا تتساهلي معهم في هذه الأمور.. اللعبة الملقاة على الأرض سوف تصادر لمدة يوم، فإن تكرر الأمر فستصادر لمدة يومين.. بالطبع لا أقصد أن تكوني قاسية ولكنه مزيج من الحب والاهتمام والتعليم.. اقضي معهم وقتًا طيبًا.. ادخلوا المطبخ معًا وجهزوا طعام العشاء، وفي الوقت ذاته فرصة للدردشة والحكي والتوجيه.
علميهم أن يدرسوا وحدهم ويستعينوا بالإنترنت، فلا تتدخلي في تدريسهم إلا في أضيق الحدود.. اطلبي دعم الأب.. الكبير يساعد الصغير وهكذا.. علميهم إعداد طعام بسيط.. غسل الأطباق.. ترتيب الفراش.. أبناء الأم العاملة لا بد أن يكون لديهم اعتماد كبير على أنفسهم في الأمور المادية.. أما الحب والحضن والقبلات والعواطف فأشبعيهم بها منذ اللحظة التي تدخلين فيها البيت.
حماتك هي أمك الثانية، هي والدة زوجك وبوابته الكبرى لدخول الجنة وإكرامها يدل على كرم أخلاقك وطيب معدنك.. فقط الخبيثات من النساء من تهمل والدة زوجها وجدة أولادها، ولست أدري ما هي ظروفها الصحية، فلو كانت في صحة جيدة فشاركيها معك في رعاية الأولاد، فالعلاقات بين الأجداد والأحفاد علاقات رائعة.. حثي زوجك على برها وقضاء وقت معها وخدمتها إن كانت في حاجة للخدمة، وأنت ساعديه في ذلك، ولكن لا تحملي نفسك كامل العبء حتى تستطيعي القيام بكل واجباتك.
أما عن إدارة البيت فاعتمدي التفويض فيما يمكن تفويضه من أمور غير مهمة أو أمور يستطيع غيرك القيام بها؛ فزوجك يستطيع التسوق، وحماتك تستطيع تقطيع الخضروات وهي جالسة، وأولادك يستطيعون وضع الأطباق في الغسالة وترتيب حجرة المعيشة.. استثمري في أي أجهزة تساعدك على اتقان عملك المنزلي.. استعيني بعاملة منزلية كل فترة من أجل التنظيف العميق مع بداية المدارس مع بداية موسم الشتاء مع دخول رمضان.. استفيدي من عملك ودخلك في تيسير حياتك.
ابذلي جهدًا في أحد الأيام (غير يوم العطلة) وجهزي أطعمة واحفظيها في المجمد بحيث تكون جاهزة على التسخين، أو حتى خذي يوم عطلة شهري قومي فيه بهذه الأمور النوعية.. بالطبع لا داعي للطهي المعقد، ويمكنكم شراؤه جاهزًا، أنت لديك مورد الوقت محدود فلا تهدريه في أصناف الطعام المعقدة.
وأخيرًا، عملك لا بد أن تتقنيه لأنك ستحاسبين عليه، وحتى يكون مالك حلالاً فلا بد أن تبذلي فيه جهدًا واهتمامًا، فإذا كان وقت البيت للبيت فوقت العمل للعمل.. لا تفكري في أي مشكلات عالقة فكري فقط في إنجاز عملك.. يمكنك في وقت الاستراحة أن تتواصلي مع زوجك.. والديك.. أولادك، فإذا عدت للعمل فانفصلي شعوريًّا ونفسيًّا ولا تكوني ككثير من النساء العاملات شاردة أثناء العمل لأنها تفكر في البيت وتقدم نموذجًا سيئًا للمرأة العاملة، وفي البيت تكون مهملة لأنها تشعر أن عقلها جزء منه في العمل، فدربي نفسك على الفصل بين الأمور وبعضها.. وفقك الله تعالى ويسر أمر، وبارك وقتك وجهدك، وتابعيني بأخبارك.