بيني وبين أبي جدار من القسوة.. كيف أزيله؟

<p>أنا بنت عمري 25 سنة، وعايشة مع أهلي. من يوم أنا صغيرة، ووالدي الله يهديه قاسي جدًّا في تعامله معنا. ما قد شفته يبتسم، وكل كلامه أوامر وانتقادات، عمره ما احتوانا أو حسسنا بالحب<span dir="LTR">.</span></p> <p>هذا الشيء أثَّر عليَّ وعلى كل حياتنا، صرت أتجنب الجلوس معه وأتهرب من الكلام معه، وحتى أحس بضيقة وكره لو شفته. أحاول قدر الإمكان إني ما أقصر معه وأخدمه، لكن داخلي ما أحبه ولا أطيقه<span dir="LTR">.</span></p> <p>أحس بوجع في قلبي وخوف من هذا الشعور، أخاف يكون هذا من العقوق. هل هذا الشعور يعتبر عقوقًا، مع إني ما أقصر في واجباتي اللي عليا؟</p> <p><span dir="RTL">وكيف أقدر ألطف قلبي عليه وأحبه رغم كل الأذى النفسي اللي أحس فيه من تعامله؟ تكفون أفيدوني وانصحوني، جزاكم الله خير</span>..</p>

مرحبًا بك ابنتي الفاضلة، وشكرًا لك على ثقتك الغالية التي وضعتها فينا، وأسأل الله العظيم أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويجعل في قلبك السكينة والطمأنينة، وبعد...

 

فإن شعورك بالضيق والألم تجاه والدك، ورغم ذلك سعيك للقيام بواجبك نحوه، هو دليل على نقاء قلبك وصدق إيمانك. وفي السطور التالية أناقش معك مشاعرك تجاهه، لنقف على حقيقتها، ونرى توصيفها النفسي والشرعي.

 

هل هذا الشعور يعتبر عقوقًا؟

 

ابنتي الكريمة، إن العقوق هو عصيان الوالدين وإيذاؤهما بالقول أو الفعل، وهو كبيرة من الكبائر. يقول النبي ﷺ: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...» [رواه البخاري].

 

أما ما تشعرين به من ضيق وعدم محبة فهو شعور قلبي لا إرادي، وليس فعلًا أو قولًا صادرًا منك بقصد إيذاء والدك. هذا الشعور ليس من العقوق ما دمت لا تعبِّرين عنه بالأفعال أو الأقوال التي تؤذيه؛ بل على العكس، أنتِ تسعين جاهدة للقيام بواجباتك تجاهه. العبرة في العقوق بالفعل، وليس بالمشاعر التي لا يملك الإنسان تحكمًا فيها.

 

إن سعيك لخدمة والدك ورعايته رغم ما تجدينه من ألم، هو جهاد عظيم وتوفيق من الله لك. أنت بهذا العمل تبرِّينه بفعلك، وهذا هو الأساس الذي يحاسبنا الله عليه.

 

كيف تلطِّفين قلبك عليه؟

 

هذا هو الجزء الأصعب؛ لكنه ليس مستحيلًا، فهو يتطلب جهدًا نفسيًّا وإيمانيًّا عظيمًا. وإليك بعض الطرق التي قد تساعدك:

 

1- استعيني بالله وتضرعي إليه بالدعاء:

 

مفتاح كل خير هو الدعاء. ادعي الله أن يلطِّف قلبك على والدك، وأن يليِّن قلبه لك، وأن يرزقك بره على أكمل وجه. يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكمْ﴾ [غافر: 60]. فالدعاء هو سلاح المؤمن، به تتغير القلوب وتتيسر الأمور.

 

2- تذكَّري فضل الوالدية وواجباتها:

 

فكِّري في دوره بوصفه أبًا مسؤولًا عنك، تذكَّري أنه سبب وجودك في هذه الحياة، وأن له حقًّا عظيمًا عليك. قد تكون قسوته ناتجة عن ضغوط نفسية أو ظروف مر بها، أو ربما هي شخصيته التي لم يستطع تغييرها. لا أبرر أفعاله؛ لكن حاولي فهم دوافعها.

 

3- تذكري مواقفه الطيبة:

 

لا يوجد إنسان شر محض، فكل إنسان لديه جانب طيب خيِّر. حاولي تذكر أي موقف لطيف أو كلمة طيبة قالها لك. ركِّزي على هذه الذكريات الطيبة، وحاولي بناء جسر من المحبة عليها.

 

4- اخفضي سقف توقعاتك:

 

لا تتوقعي منه أن يتغير فجأة. تقبلي شخصيته كما هي، وركزي على واجبك أنت تجاهه. تذكَّري أنك تفعلين هذا إرضاءً لله، وليس إرضاءً له. هذه النية الصادقة هي التي ستجعل عملك مقبولًا ومأجورًا.

 

5- احتسبي أعمالك:

 

احتسبي كل خدمة تقدمينها له، وكل صبر تصبرينه على قسوته، وكل كلمة طيبة تقولينها له، عند الله، في ميزان حسناتك. يقول تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]. والإحسان هنا يشمل كل أنواع الخير، حتى لو كان صعبًا على النفس.

 

وختامًا يا ابنتي، لا تجعلي مشاعرك السلبية تقودك إلى التقصير في واجب بر والدك والإحسان إليه. وتذكَّري أن الله يرى جهادك وصبرك، وهو القادر على أن يغير القلوب ويصلح الأحوال. استعيني بالله، واحتسبي الأجر، وأبشري بخير.

 

بارك الله فيك وفي عملك، ونسأل الله أن يرزقك السكينة والطمأنينة، وأن يجمعك بوالدك في الدنيا والآخرة على خير.