<p>نشأت في أسرة متدينة. والدي متوفى وأنا بعمر 4 سنين. سمعت دروس دينية وخطب بعدد شعر راسي والان بعد هذا العمر وانا الآن 36 عام أصبحت أسب الله بأبشع السباب أسبه ليل نهار في السر والعلانية جوايا كراهية طبيعية لهذا الإله لأنني أصبحت مقتنع تماما أنه ظالم سفاح متعطش لتكدير الناس وكأن ملكه سيزول لو استراح قلب إنسان.</p> <p>معكنن عالناس كلها وأولهم المسلمين ساعات بقول لنفسي ربنا بيقوم من النوم يشوف هيعكنن على الناس إزاي النهاردة (عارف انه حسب كلامه مبينامش) بس تصدق حتى في دي أنا لا أثق به -لا أثق بالله مثقال ذرة- وكيف أثق به وقد قال مرارا وتكرارا ادعوني استجب لكم ولم يستجب انه لم يستجب يوما انه لن يستجب أبدا - طبعا عدم استجابته سيبررها بمررات كثيييييييييييرة جدا وحجج لا تنتهى وهيجيب اللوم والغلط على المسكين ال رفع إيده ودعاه وهو محسن الظن بيه وبيقول عندي رب حابب يريح قلبي ميعرفش المسكين انه عنده رب بيتلذذ بتعذيب البشر.</p> <p>حتى الأطفال لم يسلموا من أذاه فلن أنسى أبدا وأنا في الصف الثاني الإعدادي عملت عملية الزائدة الدودية في مستشفى الطلبة بالإسكندرية وجاء طفل محروق وكان يصرخ وصرخاته مرعبة بأي ذنب عذبت هذا الطفل يا أرحم الراحمين.</p>
مرحبًا بك أخي الكريم، وشكرًا جزيلًا على ثقتك الكبيرة فينا، وعلى شجاعتك في طرح هذا السؤال، والبوح بهذه المشاعر، وأسأل الله أن يفتح عليك أبواب رحمته، وأن يربط على قلبك، وأن يزيل عنك ما تجد من حيرة وألم وشك ووسوسة، وأن يغفر لك ويعفو عنك، وأن يشرح صدرك للإيمان به وبقدره وحكمته، وبعد...
فلقد ذكرت في سؤالك أنك تربيت في أسرة متدينة، وأنك سمعت دروسًا وخطبًا دينية كثيرة، وهذا يدل على أنك لست غريبًا عن هذا الدين؛ بل أنت ابن له؛ لكن هذا الكم من المعرفة لم يحُل دون أن تجتاحك هذه المشاعر القاسية، وهذه الوساوس المهلكة، وهذا ليس بمُستغرَب في زمننا مع كثرة الفتن واختلاط الأمور وتعكير الفِطَر.
إن العلاقة مع الله ليست مجرد معلومات تُحفظ؛ بل هي تجربة كاملة نعيشها بأفراحها وأحزانها، بآمالها وآلامها، متسلِّحين بالإيمان القلبي، متصبرين بالعبادات على اختلاف أنواعها، مستعينين بالله سبحانه، وبإرشاد العلماء الأمناء، ثم بصحبة الصالحين الأتقياء، فإذا سقط منا أحد هذه الأمور أو أكثر، وقعنا في كثير من الفتن القلبية والسلوكية، ولا منقذ منها إلا العودة إليها والتمسك بها.
مشكلة عدم استجابة الدعاء
شعورك وظنك بعدم استجابة الله لدعواتك ودعوات غيرك هو جذر ما تعانيه، هذا الشعور وهذا الظن مؤلمان حقًّا إن لم تكن تفهم فلسفة الدعاء القائمة على عمق الإيمان، وشدة اليقين، وحُسن الظن بالله، فالدعاء ليس عملية آلية ميكانيكية، تضغط على الزر فتجد الاستجابة فورية! ليس عن عدم قدرة أو غفلة، حاشا لله، ولكن لحِكَمٍ كثيرة جدًّا قد يكون أدناها اختبار إيمان العبد ويقينه وحسن ظنه، وقد قال -جل وعلا- في الحديث القدسي: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي» [رواه البخاري].
إن الله -سبحانه وتعالى- وعدنا بالإجابة نعم؛ لكن ليس شرطًا أن يستجيب لدعواتنا دائمًا بالطريقة التي تتوقعها عقولنا القاصرة، قد ندعوه أن يمنحنا شيئًا، فيمنعه عنا لحكمة لا نعلمها. قد ندعوه أن يزيل عنا بلاءً، فيثبتنا عليه ليقوينا ويأجرنا. قال عز وجل: ﴿وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
الاستجابة أنواع:
استجابة فورية: وهي التي نراها ونلمسها مباشرة، وهي كثيرة الحدوث، ويرى حقيقتها وواقعها كثير من المؤمنين، ويروون عجائبها.
استجابة مؤجلة: وهي أن يدخر الله لك ثواب هذا الدعاء وخيره في الآخرة، التي هي أعظم أجرًا.
استجابة بصرف السوء: وهي أن يصرف الله عنك من السوء والمصائب ما لا تعلمه. فقد تكون تدعو بشيء معين، والله يعلم أن هذا الشيء شر لك، فيصرفه عنك ويمنحك بدلاً منه ما هو خير لك، فيكون أنفع لك وأفضل.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا». قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ»» [رواه أحمد].
وتأمل قصة نبي الله زكريا عليه السلام، كان شيخًا كبيرًا، وزوجته عاقر، وقد دعا الله لسنوات طويلة أن يرزقه ولدًا: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [سورة مريم: 4]. كان يدعو بقلب موقن، وظل قائمًا على هذا الدعاء حتى انقطعت أسبابه الدنيوية، بعد أن صار شيخًا كبيرًا وصارت زوجته عاقرًا، حتى جاءت الاستجابة في وقت لم يتوقعها فيه؛ لنعلم أنه -سبحانه- إذا أراد شيئًا قال له: كُن، فيكون، مهما انقطعت الأسباب.
إنه لم ييأس، بل استمر في الدعاء؛ حيث يعلم أن الله ليس «متلذذًا بتعذيب البشر»؛ بل هو «أرحم الراحمين».
الابتلاءات وحكمتها
إن الله -سبحانه وتعالى- هو العدل المطلق، ولا يظلم أحدًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [سورة النساء: 40]. فالابتلاء ليس ظلمًا أبدًا، وهو ليس بالضرورة عقابًا؛ فقد يكون وسيلة للتطهير والتقويم، ومن ثم رفع الدرجات في «الحياة الحقيقية» في الآخرة: ﴿ومَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا لَهْوٌ ولَعِبٌ وإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 64].
لماذا الابتلاء؟
للتطهير من الذنوب: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [رواه الترمذي]. الابتلاء يمحو الذنوب، فإذا صبر الإنسان واحتسب، خرج من البلاء نقيًّا كالثوب الأبيض.
لرفع الدرجات: قد يبتلي الله عبده الصالح ليزيده رفعة في الدرجات، كما يحدث مع الأنبياء وغيرهم من الصالحين العُبَّاد، فقد سئل رسول الله ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ فقَالَ: «الأنبياءُ، ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتُليَ على حَسْبِ دينِه» [رواه الترمذي]. وقال ﷺ: «إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ» [رواه الترمذي].
لإظهار حقيقة العبودية: الابتلاء يظهر من يثبت على الإيمان، ومن يتزعزع، يقول عز وجل: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ . ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 2 و3]. ويقول: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة البقرة: 155].
الطفل المحروق:
لقد أوجعتني كلماتك عن قصة الطفل المحروق، وتألمت أشد الألم، ولكن هل فكرت أن هذا الطفل قد يكون مصابًا في الدنيا ليكون له ولأهله الأجر العظيم في الآخرة، وقد يعوضهم الله أيضًا في الدنيا عاجلًا أو آجلًا؟
نحن نرى الألم الآن؛ لكننا لا نرى الأجر والمكافأة التي تنتظر أصحابه. هل تعلم أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي شِدَّةٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ بُؤْسًا قَطُّ»» [رواه مسلم].
فهذا الطفل، إن صبر أهله واحتسبوا، قد يكون سببًا في دخولهم الجنة. وإذا كان الطفل نفسه صغيرًا لا يفقه الألم، فإن الله سيعوضه في الدنيا أو في الآخرة بما لا يخطر على بال أحد.
وقد تعجب موسى –عليه السلام- وأنكر على الرجل الصالح قتله الغلام: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا﴾ [الكهف: 74]. ثم ظهرت له الحكمة بعد ذلك: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ [الكهف: 80]. فقد كان قتل الغلام لحكمة لا يعلمها موسى -عليه السلام- حتى تبين له أن في قتله رحمة للأبوين المؤمنين فصدَّق وآمن. نحن لا نرى سوى ظاهر الأمور؛ لكن الله -سبحانه وتعالى- يرى كل شيء ويعلم ما كان وما سيكون، وهو في ذلك كله لطيف لما يشاء.
شعور الكراهية والسب لله
إن شعورك بالكراهية وسبك لله -عز وجل- إثم عظيم يخرجك -إن أصررت عليه واعتقدته- من دائرة الإيمان والعياذ بالله، ويتركك فريسة لشياطين الإنس والجن يتلاعبون بك كيفما شاؤوا في دروب الضلالة والتيه. يقول الله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ [الحج: 15]. واحذر من اتخاذك هواك إلهًا من دون الله: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23].
الباب مفتوح في انتظارك:
اتقِ الله يا أخي، واستغفر لذنبك، وتب مما نطقت به في حق ربك، وعدُ إلى مرفأ الإيمان، لتسعد بمعية الرحمن، وأبشر فالباب مفتوح ينتظر عودتك: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الزمر: 53].
إن الله -سبحانه وتعالى- يعلم ما في قلبك من ألم وحيرة، ويعلم أن هذه الكلمات لم تخرج إلا من قلب محترق، فعُد إليه يشفِه لك.
وختامًا يا أخي، اعلم أنك على مفترق طرق، فإما أن تستسلم لهذا اليأس، وإما أن تمد يدك إلى الله مرة أخرى لينقذك ويهديك. لا تجعل الشيطان يأخذك أبعد من ذلك، ويغلق عليك كل الأبواب؛ بل اجعل هذا الألم بداية جديدة.
أعد علاقتك مع الله، ليس من منطلق أنك ستأخذ منه ما تريد؛ بل من منطلق أنه هو الملاذ والملجأ. اذهب إليه بضعفك، بآلامك، بحيرتك، وقل: «يا رب، هذا أنا، عبدك الضعيف الذي لا حول له ولا قوة، اصرف عني كيد الشيطان ووساوسه، وارزقني الإيمان بك وبحكمتك، والرضا بقضائك، واليقين بك، والتوكل عليك، واجعلني من عبادك الصالحين، وعلِّمني واهدني، واشرح صدري، واربط على قلبي». ونحن بدورنا ندعو لك بمثل هذا، والسلام عليك ورحمة الله.