<p><span dir="RTL">أنا رجل متزوّج وعندي أولاد، لكن ابتلاني الله بميل شديد للنساء وحب الشهوات، حتى أني أضعف أمام هذا الأمر، وأخشى أن يدفعني إلى الوقوع في الحرام. </span></p> <p><span dir="RTL">أريد نصيحة شرعية وعملية تساعدني على التخلص من هذه العادة القبيحة وضبط نفسي</span>.</p>
مرحبًا بك أخي العزيز، وشكرًا جزيلاً على ثقتك بنا، ومراسلتك لنا بهذا الصدق وتلك الشفافية، وأسأل الله أن يبارك فيك ويحفظك، ويصرف عنك كل سوء، وأن يرزقك العفة والطهر، وأن يقر عينك بزوجتك وأولادك، وبعد...
فيا أخي الفاضل، إن اعترافك بابتلائك، وسعيك للتخلص منه، هو أولى خطوات العلاج وأعظمها، فهذا دليل على قوة إيمانك، وخشيتك من الله، ورغبتك الصادقة في التغيير.
أسباب الابتلاء بحب الشهوات
أيها الأخ الكريم، أحب أولًا أن أطمئنك بأنك لست وحدك من يمر بهذا الابتلاء، بل كل الناس، نعم كلهم، فإن حب الشهوات -والنساء منها- هو جزء من طبيعة النفس البشرية التي فطر الله الناس عليها، فقد قال –جل وعلا- في كتابه الكريم: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14]، وهذا التزيين للشهوات له حكم كثيرة في تسيير مصالح الدنيا والمعاش، وهي أيضًا وسيلة لابتلاء الخلق وفتنتهم ليميز الله الخبيث من الطيب، وهو ما يتطلب منهم جهادًا مستمرًا ومواجهة لإغراءاتها.
لكن ليس معنى هذا أن الله خلقنا لنسقط في الشهوات؛ مطلقًا؛ بل لنسمو فوقها، ونُروِّض نفوسنا بالطاعة والعبادة؛ لننال بهذا أرفع الدرجات في جناته سبحانه.
ويقول النبي ﷺ أيضًا: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» [رواه البخاري]. وهذا لا يعني أن النساء شرٌّ؛ بل إنهن فتنة تُختبر بها قوة إيمان الرجل وصبره.
والحل –ببساطة- يكمن في تقوية العلاقة بالله، فكلما زاد قربك من الله، شعرت بالسكينة والطمأنينة والحلاوة التي لا تجدها في أي شهوة عابرة. وقد رُوي عن النبي ﷺ عن رب العزة –سبحانه- أنه قال: «إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا من مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ» [رواه الحاكم].
تذكَّر قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- الذي ابتُلي بأشد أنواع الفتنة، فقد كان شابًّا وسيمًا، وفي قصر عزيز مصر، وراودته عن نفسه امرأة ذات منصب وجمال، ومع ذلك ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [يوسف: 23]. كان سلاحه -عليه السلام- الإيمان والخوف من الله. فكن -أخي الفاضل- كيوسف، ولُذْ بالله من شر نفسك وشر الشيطان.
نصائح عملية للنجاة
أخي الحبيب، بعد أن عرفنا الأسباب، أقدم لك بعض النصائح التي تساعدك على ضبط نفسك، والنجاة من هذا الابتلاء.
أولاً- تقوية الجانب الروحي:
- أقم الصلاة: حافظ على صلواتك الخمس، وأكثر من النوافل؛ ففي الصلاة تجد الراحة التي لا مثيل لها. يقول تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]. ولن تنال تلك الراحة إلا بإقامة صلاتك حق الإقامة، بأركانها وواجباتها وسننها وخشوعها.
- الدعاء والاستغفار: لا تمَلّ من الدعاء، اطلب من الله العون، وقل كما علمنا نبينا ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيِّي (يعني الفَرْج)» [رواه الترمذي]. واجعل لسانك رطبًا بذكر الله، ليهدأ قلبك وينفر من الشهوات، قال تعالى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
- تلاوة القرآن: اجعل لك وردًا يوميًّا من كتاب الله، وتدبَّر معانيه، ففيه نور يضيء قلبك، ويطهر نفسك، ويشفي روحك: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57]. ﴿ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82].
ثانيًا- الابتعاد عن مواطن الفتنة:
- غض البصر: وهو مفتاح النجاة من هذا الابتلاء تحديدًا، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30]. وهذا يشمل الشارع والأماكن العامة والخاصة، وكل ما يمكن أن تراه من عورات وحرام عبر الإنترنت وغيرها.
- تجنب الخلوة: حاول ألا تخلو بنفسك حتى لا تضعف، واحرص على أن تكون دائمًا في مكان عام أو مع أسرتك، حتى لا تحدثك نفسك باستخدام الوسائل التي توقعك في الحرام.
- الابتعاد عن أصدقاء السوء: تجنب من يتحدثون عن النساء بأسلوب يثير الغرائز، واستبدل بهؤلاء صحبة صالحة تعينك على الطاعة والصبر والثبات، يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
ثالثًا- توجيه طاقاتك نحو ما يفيد:
- استثمار الوقت: اشغل نفسك بما هو مفيد، سواء في عملك، أو في هواياتك، أو في مساعدة الآخرين. يقول النبي ﷺ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» [رواه البخاري].
- ممارسة الرياضة: الرياضة تساعد على تفريغ الطاقات السلبية، وتحسين الحالة النفسية، وتقوية الجسم.
- الصيام: حاول أن تصوم أيامًا من الصوم المسنون، كالاثنين والخميس، والثلاثة أيام البيض من كل شهر، فإن الصيام يكسر الشهوة، وتثاب عليه الثواب العظيم.
- الاهتمام بزوجتك: إن مفتاح سعادتك هو زوجتك، فخصص لها الوقت، واقضِ معها وقتًا أطول، وأصلح ما بينك وبينها، وأخبرها بما يعجبك وما يعفك ويشبعك، فهي شريكتك الحلال التي تفرغ معها شهوتك إن استبدت بك، وقد قال ﷺ فيما رواه مسلم وغيره: «إذا رأى أحدُكُمْ امرَأَةً فأعْجَبَتْهُ، فَلْيَأْتِ أَهَلَهُ، فإِنَّ الَّذِي مَعَها مِثْلَ الذي مَعَها»، وفي رواية: «فلْيَعمِدْ إلى امْرأتِه، فلْيواقِعْها»، أي: ولْيُجامِعْ زَوجتَه، وفي رواية أخرى: «فإنَّ ذلكَ يَرُدُّ ما في نَفْسِهِ»، أي: فإنَّ جِماعَه لزَوجتِه يرُدُّ ما وقَعَ في نفْسِه من الشهوة، وتَسكُنُ به نفْسُه.
وختامًا أخي الحبيب، إن كل خطوة تخطوها نحو الله هي انتصار لك على شهوتك وعلى الشيطان، فلا تيأس، ولا تظن أنك ستتغير في يوم وليلة، فالأمر يحتاج إلى صبر ومجاهدة، وكل ما تبذله في هذا السبيل هو في ميزانك عند الله، قال الله تعالى: ﴿والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]، وقال ﷺ: «والمجاهدُ من جاهدَ نفسَهُ في طاعةِ اللَّهِ» [رواه أحمد].
تذكر أن الله أرحم بك من نفسك، وهو قادر على أن يطهر قلبك ويصلح حالك. استعن بالله ولا تعجز، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. مع خالص دعواتي لك بالتوفيق والسداد. وتابعنا بأخبارك.