<p>هل نظرية المؤامرة فعلا موجودة وكلام حقيقي، أم أن بعض الناس يتوهم وجود مؤامرة في حين أن ضعفه هو سبب خسارته وهزيمته وتراجعه الحضاري؟</p>
سؤالكم هذا من الأسئلة التي تكشف عن نمط تفكير يستحوذ على عقول الكثير من الناس، تفكير يسعى لتفسير الواقع والوقائع والخسائر والنكسات والنكبات على أنها نتاج مؤامرة، وأنه لا حيلة للشخص أو الأمة أمام ما يجري إلا التسليم بما جرى ووقع.
ومن الناحية الأخرى فإن إنكار وجود المؤامرة ليس شيئًا جيدًا في التفكير؛ فالسياسة وأجهزة الاستخبارات وأصحاب المصالح الاقتصادية العالمية وغيرهم كثيرًا ما يلجؤون إلى التدبير الخفي لتنفيذ أغراضهم وتحقيق مكاسبهم وإلحاق الضرر بأعدائهم.
والحقيقة أن الإيمان بنظرية المؤامرة مؤشر على الخمول العقلي، والكسل والتراجع الحضاري؛ فالعقول الكسولة البليدة تميل إلى الإيمان بنظرية المؤامرة لتبتعد عن التعقيد أو تبرر هزيمتها وخسارتها وكأنها تخضع للأقدار القاهرة.
ومن هنا فنظرية المؤامرة تشكل ملاذًا لضعفاء العقل، الذين يبررون ضعفهم بأن هناك قوة معينة هي التي تسيطر وتسخر كل شيء لتحقيق أهدافها، ولعلنا هنا نستحضر سخرية الشاعر والأديب الألماني الشهير "جوته" ممن يؤمنون بالمؤامرة، عندما قال: "لماذا نبحث عن المؤامرة بينما الغباء قادر على تفسير كل هذا؟!".
الدراسات تشير إلى أن داعمي نظرية المؤامرة عادة ما يكونون أنظمة مستبدة لتبرر قمعها وعجزها عن الإنجاز والانتصار والتنمية، وكذلك فإن نشر نظرية المؤامرة يبرر قمع الحريات، كما أن المكون الثقافي في بعض المجتمعات يلعب دورًا في قبول نظرية المؤامرة؛ فبعض المجتمعات تعتقد أنها مستهدفة من الجميع وأن الجميع يتآمر عليها، لكن هذا الاعتقاد لا يتحول إلى عمل فاعل لمواجهة تلك المؤامرة أو إحباطها، ومن ثم يتقبل هذا المجتمع المؤامرة وكأنها قدر محتوم لا فرار منه.
كما أن بعض الجماعات والمجتمعات لا تعطي التخطيط حقه من الاهتمام والعلم، ولا تجد مهربًا تبرر به فشلها إلا من خلال الزعم بأن هناك مؤامرة؛ فبعض العاجزين عن الفعل يرون في تسويق وإشاعة نظرية المؤامرة تغطية على عجزهم وسوء فعلهم وضعف تكوينهم وإهمالهم في الأخذ بالأسباب، هذا مؤشر على الهزيمة النفسية.
عالم النفس "روب بروذرتون" في كتابه "عقول مُتشكِّكة: لماذا نُصدِّق نظريات المؤامرة" الصادر باللغة الإنجليزية عام 2015م، وتم ترجمته للعربية عام 2021م، يقدم تحليلاً نفسيًّا عميقًا لأسباب القبول بنظرية المؤامرة.
يذكر "روب" أن بعض أصحاب نظرية المؤامرة يستغلون الغموض في بعض الأحداث أو نقص المعلومات لبناء سرديات عن وجود مؤامرة؛ فالمؤامرة تقدم تفسيرًا مريحًا غير معقد للأحداث، فيقول: "نظريات المؤامرة تنسجم مع نقائص أدمغتنا.. وأنها تستدعي نماذج أولية من روايات نمطية عن الخير مقابل الشر".
يحذر "روب" من التسليم بنظرية المؤامرة لأن لها نتائج مدمرة على المستوى العقلي والإدراكي، فيقول: "يمكن أن تقود بعض نظريات المؤامرة إلى نتائج مدمرة. والبعض منها يمكن أن يكون له تأثيرات خفية وخبيثة. يجب علينا الحذر من نظريات المؤامرة التي تجعل من الأشخاص الضعفاء كباش فداء، وتُحرِّض على العنف، وتُعزّز الأفكار المغلوطة".
أظهرت دراسات نفسية أن الانجذاب إلى نظريات المؤامرة ينبع من حاجة الناس العميقة للشعور بـ"الأهمية" و"التأثير"، وفي دراسة للباحثة "رجا بهلول" بعنوان "حول نظرية المؤامرة" نُشرت في نهاية عام 2024م، ذكرت أن نظرية المؤامرة تزعم أن هناك جهات خفية تقوم بتدبير الأمور من أجل خدمة مصالح معينة؛ فمثلاً تم تفسير وباء كوفيد 19 بأنه مؤامرة صينية، أو زلازل تركيا عام 2023م بأنها تفجيرات نووية أمريكية.
وهناك من يرى أن انتشار نظرية المؤامرة في المجتمعات الغربية هو جزء من ظاهرة ما بعد الحداثة التي تقلل من الاحتكام إلى البحث العلمي والاحتكام إلى العقل وترى أن العلم ما هو إلا سردية من بين سرديات متعددة، أما المجتمعات غير المتقدمة فإن التهميش والفقر قد يخلق مناخًا لقبول نظرية المؤامرة.
نظرية المؤامرة تسعى لتقديم تفسير قد يكون مقبولاً عن ظواهر وأحداث يُراد فهمها بشكل معين، ومن ثم فهي نمط تفكير، كما أنها نظرية قادرة على تقدم تفسيري مقبول لدى بعض الناس، ومن ثم فأهم ما تقدمه نظرية المؤامرة التفسير وكونها نمطًا للتفكير، ولذلك فإن التفسير قد يكون الميزة الوحيدة لنظرية المؤامرة رغم الشكوك التي تحيط بصدقيتها.