أخي ظلمني واغتصب حقي.. أفضحه أم أدعو عليه أم أعفو؟

<p>اللي صار معي هو إن أخوي الكبير، اللي هو من أقرب الناس لي، ظلمني ظلم كبير. بعد ما توفى أبوي، استولى على كل ورثي وما خلّى لي ولا ريال. وهذا الشي دخلني في ضائقة مالية ونفسية كبيرة. حاولت معه بشتى الطرق، كلمته بالطيب وذكرته بالله، بس ما نفع فيه شيء، ووصلت لمرحلة إني قاطعت كل علاقة معه، بس مرارة الظلم لسى في قلبي ما فارقتني<span dir="LTR">.</span></p> <p>كلما جلست لحالي، أدعي عليه من كل قلبي، وأحس براحة مؤقتة. أحاول أجبر نفسي على العفو وأذكّرها بفضل العفو عند الله، بس ألقى صعوبة كبيرة في الموضوع. كل ما تذكرت اللي سواه فيني، أحس بنار تولّع في صدري، ويرجع لساني يدعي عليه<span dir="LTR">.</span></p> <p>هل دعائي على أخوي اللي ظلمني يعتبر قلة أدب أو ضعف إيمان؟ أحس إني لو عفوت عنه أكون أحسن، بس بنفس الوقت أحس العفو عن هالظلم الكبير معناه إني راضي باللي صار، وهذا اللي أنا ما أبيه أبد. وللعلم، أقدر أفضحه وأقاضيه أو أشكي أمره لأهلي، بس أنا ما علمت أحد من أهلي عشان المشاكل ما تكبر، وخايف لو علمتهم تصير علومنا عند كل الناس<span dir="LTR">.</span></p> <p><span dir="RTL">وش أسوي؟</span></p>

مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وأشكر لك ثقتك بنا، وأسأل الله أن يُفرّج كربك، ويُزيل همّك، وأن يُنزل على قلبك برد اليقين والسكينة، وبعد..

 

أخي الفاضل، لا شك في أن ما مررت به من ظلم أخيك أمر جلل، ومصاب عظيم، فظلم القريب أشد وقعًا؛ لأنّه يمزّق وشائج المحبة، ويُدمي القلب، ويترك أثرًا لا يمحوه الزمن بسهولة.

 

الدعاء على الظالم حق

 

اعلم يا أخي أن شعورك بالراحة المؤقتة عند الدعاء على أخيك، هو بمثابة تنفيس عن الضيق الذي يعتصر قلبك. وقد أخبرنا الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 148].

 

إن ما تشعر به من غضب وألم وحرقة، هو شعور إنساني، لا يُعدُّ ضعفًا في إيمانك أو سوء أدب منك. فالظلم يولِّد الألم، والألم يثير الغضب، وهذا أمر فُطر عليه الإنسان. وقد أقرَّت الشريعة حق المظلوم في أن يدعو على من ظلمه، فالدعاء سلاح المظلوم، وهو الوسيلة التي يلجأ إليها لرفع الظلم عن نفسه، وقد وعد الله بإجابتها ولو بعد حين، يقول ﷺ: «ثلاثٌ لا تُرَدُّ دعوتُهُم: الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ، والإمامُ العادلُ، ودعْوةُ المظلومِ تُحمَلُ علَى الغَمامِ وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ، ويقولُ اللهُ تباركَ وتعالى وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ» [رواه الترمذي].

 

وقد دعا النبي ﷺ على بعض من ظلموه وآذوه، عمومًا وبالتخصيص، ففي غزوة الأحزاب، حاصر الأحزاب المسلمين، وشُغلوا عن صلاة العصر، فدعا عليهم النبي ﷺ: «مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا» [رواه البخاري].

 

العفو عن الظالم وصراعاته الداخلية

 

أما عن شعورك بالصراع بين العفو والدعاء، فهذا هو جوهر الصراع الذي يعيشه كل مظلوم. فمن جهة، يدعوه إيمانه إلى العفو، لما فيه من الأجر والثواب العظيم. قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]. وقال أيضًا: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]. ومن جهة أخرى، تُذكّره مرارة الظلم بما تعرّض له، فيصعب عليه العفو.

 

وهنا يجب أن نفرّق بين شيئين: العفو عند المقدرة، والتنازل عن الحق. أنت يا أخي تمتلك حقًّا شرعيًّا في هذا الميراث، وهو حق لا ينبغي لك التنازل عنه. وإنَّ عفوك عن حقك المالي، قد يُفهم من أخيك أنّه فعل الصواب، وأنَّه لم يرتكب إثمًا، فيتمادى في ظلمه. فالعفو هنا قد لا يُصلح، بل قد يُفسد؛ خصوصًا أنه متعلق بحق أسرتك.

 

إن العفو المطلوب منك الآن، هو العفو عن الدعاء عليه، وليس التنازل عن حقك. حاول أن تُخفِّف من الدعاء عليه، وأن تدعو له بالهداية وصلاح الحال، فهذا هو العفو الذي يُثاب عليه صاحبه. تذكّر قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، فقد ظلموه ظلمًا كبيرًا، وألقوه في البئر، وباعوه عبدًا، ولكن عندما تمكّن منهم، لم يدعُ عليهم، ولم ينتقم منهم، بل قال لهم: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92]. ولكنه لم يتنازل عن حقه في العودة إلى أبيه.

 

ما العمل؟

 

أخي الكريم، إنّنا نُدرك تمامًا أن الموقف الذي أنت فيه صعب، ولكن هناك عدة خطوات عملية يمكن أن تُساعدك على الخروج من هذه الضائقة:

 

1- استشر أهل العلم والثقة: أنت بحاجة إلى استشارة شخص حكيم من أهل العلم والدين، يمكن أن يكون قريبًا منكم، أو من طرف ثالث يثق به الطرفان. يمكنه أن يجلس مع أخيك ويُذكِّره بالله، ويُبيِّن له خطورة ما فعله، وأنَّه من كبائر الذنوب. فالنصيحة قد تجدي نفعًا عندما تأتي من طرف ثالث.

 

2- إقامة الحُجّة على أخيك: قد يكون من الأفضل أن تخبر بعض أفراد عائلتك ممن تثق بحكمتهم وعقلهم، واطلب منهم أن يجلسوا مع أخيك، ويُبيِّنوا له الحق، ويُذكِّروه بالله، فإن لم يفعل، فيمكنك أن ترفع أمرك إلى القضاء. وإن كنت تخشى الفضيحة، فاعلم أن الحق مقدَّم على كل شيء، وأنَّ من يسعى إلى فضيحة أخيه، هو الذي ظلم منكما وأكل حق أخيه.

 

3- استمرار الدعاء: لا تتوقّف عن الدعاء، ولكن حاول أن تُغيِّر من صيغة دعائك. بدلاً من أن تدعو عليه بالهلاك والشر، ادعُ له بالهداية وصلاح الحال، وادعُ على الظلم الذي في نفسه، وعلى الشيطان الذي أغواه. واعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فادعُ الله أن يُعيد إليك حقك، وأن يُزيل ما في قلبك من غلٍّ وحقد.

 

في النهاية، اعلم يا أخي أن الله -سبحانه وتعالى- لا يضيع أجر المحسنين، وأن صبرك على هذا البلاء لن يذهب سُدى. تذكّر قول الرسول ﷺ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [رواه البخاري]. فما بالك بظلم قاسٍ كهذا؟

 

أدعو الله أن يُلهمك الصبر، ويُعينك على الحق، وأن يُعيد لك حقك كاملًا غير منقوص. واعلم أن الله معك، ولن يتركك وحدك.