حقوق الحيوان في الحضارة الإسلامية

<p>هل عرفت الحضارة الإسلامية حقوقًا للحيوان رعت هذه المخلوقات العجماء؟ وهل كان للحيوانات حظ أفضل مقارنة بالحضارات الأخرى؟</p>

أشكركم -أخي الكريم- على السؤال الذي يكشف عن جانب مشرق في الحضارة الإسلامية، والذي ربما يكون مجهولاً للكثيرين، وهو حقوق الحيوان في الرؤية والحضارة الإسلامية، تلك الحقوق التي يغلفها وينشئها الإيمان بالله والرحمة بمخلوقات الله، والتي تتأسس على رؤية دينية ترتكز على الثواب والعقاب والطاعة والمعصية، ولعل هذا ما يجعل حقوق الحيوان في الحضارة الإسلامية داخلة في الإطار التعبدي والتشريعي، وكما يقول الإمام القرطبي: "إن للحيوان على الإنسان حرمة وذمامًا" أي: له عهد وأمان وكفالة.

 

في البداية -أخي الكريم- فإن الحيوان حضر في النص القرآني وفي السنة النبوية حضورًا لافتًا، سواء في أسماء بعض سور القرآن الكريم، مثل: البقرة والفيل والنحل والنمل، أو في قصص ضربها القرآن الكريم من عالم الحيوان ليتأسى منها الإنسان، أو جاءت في إطار الأمثال، ويكفي أن نشير هنا إلى أن أول درس تعلمه الإنسان على وجه الأرض جاء من الغراب، الذي بعثه الله تعالى ليعلم الإنسان دفن الموتى، وهو درس وارت به البشرية موتاها طوال آلاف السنين.

 

وفي السنة النبوية هناك الكثير من الأحاديث الشريفة التي ترسم طريقًا للرحمة في التعامل مع الحيوان، فتنهى عن اتخاذه غرضًا للرمي، وتنهى عن تعذيبه أو تجويعه أو تحميله ما لا يطيق من الأحمال والأعمال أو ذبحه بلا فائدة، وهناك نصوص صحيحة تتوعد من يفعل ذلك بالعذاب الشديد والعقاب الأليم؛ ففي حديث أن امرأة دخلت النار في قطة حبستها وجوعتها حتى ماتت، وحديث آخر ذكر أن جملاً اشتكى للنبي ﷺ من صاحبه الذي يضربه ويجيعه ويُحمله من الأحمال ما لا يطيق.

 

وورد في السنة النبوية أحاديث صحيحة تبشر من يرحم الحيوان بالجنة والمغفرة؛ ففي حديث أن الله غفر لرجل سقى كلبًا أجهده العطش، وفي حديث آخر أن الله تعالى غفر لبغي من بني إسرائيل سقت كلبًا، كما أن الإسلام اعتبر الحيوانات أممًا مثلها مثل البشر، وأن خالقها هو الله سبحانه الذي خلق البشر أيضًا.

 

ومن الحقوق التي أقرتها الشريعة للحيوان، وتجلت في الحضارة الإسلامية:

 

* الإحسان إلى الحيوان في حال ذبحه: فقد أكدت النصوص الشرعية الصحيحة على الرفق بالحيوان في حال ذبحه، مثل حد شفرة السكين حتى يسرع إلى الموت ولا يتعذب من الشفرة غير الحادة، كذلك عدم ذبح حيوان أمام آخر لأن تلك الحيوانات تعرف الموت وترهبه، كذلك ضرورة دفع العطش عن هذا الحيوان قبل ذبحه، إلى غير ذلك من الآداب والسنن التي طبقها المسلمون.

 

* ضرورة المنفعة: من روائع الشريعة الإسلامية أنها ترفض أن يذبح الحيوان من غير منفعة، ولذلك نهت عن اتخاذه غرضًا في الرمي، وعن قتله للتسلية، أو عن التحريش بين الحيوانات لتقتل بعضها بعضًا، أو قتلها للحفاظ على ثبات أسعارها في حال كثرتها.

 

* النهي عن تكليف الحيوان ما لا يطيق: فقد نصت الشريعة على عدم زيادة أحمال الحيوان فوق ما لا يطيق، ونهت أن يركب الحيوان مثل الحصان أو الحمار فوق ثلاثة أشخاص حتى لا يتأذى، ونهت عن تجويعه وتعطيشه أو ضربه على وجهه أو أسفل بطنه أو وسمه في وجهه أو كيه بالنار أو ضربه ضربًا مؤذيًا، أو عدم إعطائه وقتًا للراحة في حال السفر الطويل، أو حرمانه من وفرة طعام في فترات الخصب، أو الوقوف فوق ظهر الدابة إذا تسبب ذلك في إلحاق الضرر بها، أو ركوب ظهور الحيوانات التي لم تُخلق لذلك مثل الأبقار والجاموس والتي يكفي الإنسان منها جهدها في الحرث وإنتاج اللبن.

 

* النهي عن سب الحيوان ولعنه: وتلك من روائع الشريعة والحضارة الإسلامية التي لن تراها إلا في الإسلام، فهناك نصوص تنهى عن لعن الدواب، وأخرى تنهى عن سب الديكة أو لعنها إذا صاحت.

 

* اعتبار الإحسان إلى الحيوان في الطعام أو الشراب نوعًا من الصدقات التي يتحصل منها المسلم على الأجر والثواب؛ فنصت الأحاديث أن في كل ذات كبد رطب أجرًا، ودعت السنة النبوية ألا يمنع المسلم الإبل العطاش التي لا يملكها إذا وردن الماء الخاص به، كذلك توفير المأوى الملائم للحيوان الذي يدفع عنه الشرد والبرد، فلا يترك الحيوان في الحر اللافح، بغير ظل، ولا في البرد القارص بغير مأوى.

 

* الوقف على الحيوان: عرفت الحضارة الإسلامية أوقافًا خُصصت للحيوانات مثل القطط والكلاب والبغال والخيول الكبيرة السن، وأوقافًا للطيور المهاجرة، التي تقطع المسافات الطويلة، فخصصت لها أوقافًا لإطعامها أثناء سفرها الطويل المجهد.