قصص الفاشلين تخيفني من الزواج.. اعقليها وتوكلي

<p>أنا بنت لسه متجوزتش، ومحتارة جدًّا في موضوع جوازي. الحمد لله، كل ما يتقدم لي عريس كويس وعلى خلق ودين، ألاقي نفسي بخاف جدًا من فكرة الجواز نفسها. بحس إنها سجن أو حمل تقيل، فالدنيا بتقف ومفيش حاجة بتكمل<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا حاسة إن الخوف ده مش طبيعي، بس في نفس الوقت له أسباب. سمعت وشفت قصص كتير في محيط العيلة والمعارف عن المشاكل الزوجية والطلاق والبهدلة اللي بتحصل، وده خلاني أخاف أفشل في جوازي أو أكون سبب في ظلم راجل كويس، أو إنه هو يظلمني وأعيش تعيسة. خايفة من المسؤولية ومن إني أفقد حريتي وأندم في الآخر<span dir="LTR">.</span></p> <p>سؤالي لحضرتك: هل الخوف ده طبيعي وبيحصل لكل البنات؟ وللا دي وسوسة من الشيطان عشان يوقف حالي؟</p> <p>وإزاي أقدر آخد قرار صح وأنا واثقة من نفسي، من غير ما أعطل نصيبي؟</p> <p><span dir="RTL">وشكرًا.</span></p>

مرحبًا بك يا ابنتي العزيزة، وأشكر لك ثقتك الغالية، وأسأل الله أن يرزقك السكينة والطمأنينة ويجعل لك من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر عينك به، ويملأ حياتك سعادة وهناءً، وبعد...

 

فأعلمُ تمامًا وأقدِّر المشاعر التي تعيشينها الآن، وأتفهم خوفك وقلقك من فكرة الزواج؛ خصوصًا مع ما نراه كلنا ونسمعه في مجتمعنا من مآس ومشكلات زوجية وقصص سلبية. والزواج في حد ذاته قرار خطير يغير مجرى الحياة بالكامل، ولذلك فمن الطبيعي أن تشعر فتاة مثلك بالتردد أو الخوف من المجهول.

 

وهذا الخوف ليس بالضرورة أن يكون وسوسةً من الشيطان؛ بل هو في جزء كبير منه رد فعل طبيعي لمشاهداتك وتجاربك السابقة، فأنتِ تخشين أن تُعيدي التجارب المؤلمة التي رأيتها، وهذا الخوف هو بمثابة جرس إنذار داخلي يجعلك تتريثين وتفكرين بعمق قبل الإقدام على هذه الخطوة؛ كل ذلك جيد وطبيعي، ومع ذلك يجب أن نكون حذرين، فالشيطان قد يستغل هذا الخوف الطبيعي ليضخمه، ويجعله حاجزًا يمنعك من إكمال نصيبك، ويُصوِّر لك الزواج وكأنه سجن أو بلاء، حتى يُفسد عليك سعادتك ويُعطّل حياتك.

 

لذا، فالتفريق بين الخوف الطبيعي ووسوسة الشيطان يكمن في كيفية تعاملك مع هذه المشاعر:

 

- الخوف الطبيعي: يجعلك تفكرين بحكمة، وتتخذين قرارات مبنية على دراسة وتأمل.

 

- وسوسة الشيطان: تجعلك تشعرين باليأس والتشاؤم، وتدفعك لرفض أي فرصة دون سبب منطقي، وتُسيطر على قلبك حتى تُعطّل حياتك.

 

ابنتي الفاضلة، لا تجعلي قصص الآخرين هي مرآتك التي تنظرين بها إلى حياتك؛ فكل إنسان له قصة مختلفة، ولا يُشترط أن تكون قصتك نسخة مكررة من قصص غيرك. كثير من الزيجات ناجحة ومستقرة، ولكنها قد لا تحظى بالقدر نفسه من الظهور مثل القصص السلبية.

 

كيفية اتخاذ القرار الصحيح:

 

لتجاوز هذه المشاعر واتخاذ قرار سليم، عليك أن تأخذي بالأسباب التي تضمن -بإذن الله- نجاح زواجك المستقبلي، ثم تتوكلي على الله وتسلِّمي له النتائج. تذكري نصيحة النبي ﷺ عندما سأله رجل: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ؟ قال: «اعقِلْها وتوكَّلْ» [رواه ابن حبان]، أي اتخذي الأسباب ثم فوِّضي أمرك لله. والأخذ بالأسباب لا يتنافى أبدًا مع التوكل، بل هو جزء منه. ومن هذه الأسباب:

 

1- تعميق الصلة بالله والتوكل عليه

 

فأهم سبب على الإطلاق هو اللجوء إلى الله -تعالى- بالدعاء، وسؤاله أن يختار لك الخير حيث كان، واستخارته على الهيئة التي علَّمنا إياها النبي ﷺ: «إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسميه) خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسّره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به» [رواه البخاري].

 

وتيقني يا ابنتي أن الزواج رزق من الله، وأن النصيب المكتوب لك لا يغيره خوفك أو قلقك. فأحسني الظن بالله، وتوكلي على الله حق التوكل.

 

2- تقييم المتقدم بموضوعية

 

عند التفكير في «عريس» متقدم، لا تدَعي الخوف يسيطر عليك؛ بل انظري إلى أهم صفات يجب أن تتوفر فيه. قال رسول الله ﷺ: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [رواه الترمذي]. فالدين والخلق هما الأساس الذي تبنى عليه السعادة الزوجية، وهما الأمان لك بعد الله.

 

ومن حقك أن تسأليه عن كل ما يشغل بالك ويقلقك، وتريدين أن تتحققي منه وتطمئني إليه. اجلسي معه في وجود محرَم، وتحدثي معه عن أفكارك وتخوفاتك، وعن رؤيتك للحياة الزوجية.

 

ولا بد أن يتولى وليُّ أمرك مهمة السؤال عن هذا المتقدم في محيط سكنه ومحل عمله، ليتحرى عن أحواله من مصادر موثوقة، ويسأل عن أصله وأسرته، وطباعهم وسلوكهم، وعن علاقاته الاجتماعية، وسمعته. هذا البحث والتحري يساعد على تكوين صورة واضحة وموضوعية عن الرجل المتقدم وأسرته، ويمنحك اطمئنانًا أكبر قبل اتخاذ القرار.

 

3- تغيير النظرة إلى الزواج

 

يا ابنتي، إن الزواج ليس سجنًا؛ بل هو سكن ومودَّة ورحمة. الزواج ليس فقدانًا للحرية؛ بل هو مشاركة وحب ودعم متبادل. الزواج هو مدرسة يتعلم فيها الزوجان كيف يسعد بعضهما بعضًا، وكيف يواجهان تحديات الحياة معًا. والزوج هو أنيس الروح، وشريك الحياة، وهو الحصن الذي يحفظك من الفتن. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكمْ مِنْ أَنْفُسِكمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِك لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ﴾ [الروم: 21].

 

4- إعداد النفس للزواج

 

إن خشيتك من المشاكل الزوجية ورغبتك في تجنبها يجب أن تكونا دافعًا إيجابيًا لكي تستعدي لهذه المرحلة المهمة. فكما نستعد للمراحل الدراسية والوظيفية، يجب أن نستعد للحياة الزوجية. ومن وسائل ذلك:

 

- القراءة والاطلاع: ابحثي عن كتب ومقالات أو حتى دورات، تتحدث عن الحياة الزوجية من منظور صحيح، ومن علماء ثقات، وعن كيفية حل المشكلات، وعن حقوق وواجبات كل من الزوجين.

 

- الاستفادة من خبرات الآخرين: اسألي النساء الناجحات في حياتهن الزوجية، خصوصًا من تثقين في دينهن وعقلهن، عن تجاربهن، وكيف واجهن الصعوبات وتغلبن عليها، مع تجنب التركيز على القصص السلبية.

 

- تنمية المهارات الشخصية: طوري مهاراتك في التواصل والحوار، وتعلمي كيفية إدارة الغضب وحل الخلافات بهدوء؛ فكل هذه المهارات ستساعدك كثيرًا في بناء علاقة زوجية مستقرة وسعيدة.

 

وختامًا يا ابنتي، تذكري أن القدر خيره وشره بيده سبحانه وتعالى. ثقي بقلبك، واستشيري أهل الخبرة والعقل، واعملي بالاستخارة، واتركي الأمر لله، وهو نعم المولى ونعم النصير.

 

أسأل الله أن ييسر لك أمرك، ويختار لك الخير، ويرزقك الزوج الصالح الذي تهدأ به نفسك، وتطمئن به روحك. ولا تترددي في التواصل معنا إذا احتجتِ إلى مزيد من المشورة.