<p>السلام عليكم، كيف أوازن بين احتياجاتي العاطفية وكرامة زوجتي؟ أنا شخص مقبل على الزواج، وأريد أن أعز زوجتي وما تحتاج أحد، وأتمنى حرفيًا أن تكون معي في جنات الدنيا والآخرة، أنا رجل يمكن شغلي يأخذ وقتًا طويلًا جدًا، بس كل هذا عشان نوصل لمرحلة نكون فيها مرتاحين نفسيًا وماديًا، وبيننا حب ومودة ورحمة واحترام، بدون ضرب، أنا ناوي أسوي جدول خاص فينا للطلعات والهدايا والسفرات، لكن برضو حتى أنا عندي طلبات، وأتمنى حرفيًا بدون تمثيل ولا تلميح.</p> <p>أنا رجل أبغى أرجع من الشغل - وللعلم شغلي من الصباح لليل - أبغى أرجع من الشغل وألقى اللي تهتم فيني، ترمي ملابس الشغل، تعطيني ملابس البيت، تغسل يدي وتقبلها، وتوكلني، وتغسل أقدامي من تعب الشغل وتنشفهم، ولو مرة وحدة تقبّلهم، وتقبل رأسي، وتدلك جسمي كله من تعب اليوم، وترقص لي، وتحضني، وتدور رضاي، أنا ما أقصد أذلها أو أستعبدها أو أهينها، لكن حرفيًّا هذا نوع من الاهتمام أبغاه، ودي نأسس حياتنا بدون مساعدات أو شفقة من الناس، أنا أبي أعزها وأكرمها، لكن برضو أبيها تعزني وتكرّمني وتدور رضاي.</p> <p>السؤال اللي أبي أوصله: أنا أسمع كلام يقول إنه عشان توصل للحياة اللي فيها خير لازم تشد على المرأة، أو تضربها، أو حتى "تكسر راسها" (كتعبير مجازي)، فمتى يكون وقت الشدة أو الضرب؟ هل بعد الزواج بأيام أو شهور؟ خصوصًا إننا تونا في بداية الحياة، وما أبغى أعاني ولا هي تعاني.</p> <p>وللمعلومية: أعمارنا صغيرة، أنا بين 20–25 وهي بين 15–20 وش تنصحوني أسوي؟ ومعلومة أخيرة: أنا ممكن أستحي أسوي هذي الأشياء في بداية الزواج، لكن هل تنصحوني أسويها؟ يعني: إني قبل الشغل وبعده أحضنها؟ أحضنها قبل ما أروح، وأحضنها بعد ما أرجع؟ وشكرًا</p>
ابني الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.. حقيقي سعدت باستشارتك واهتمامك وطلبك للنصيحة من أجل حياة زوجية سعيدة إن شاء الله تعالى.
ابني الفاضل، لمست في رسالتك جدية وتحمل للمسئولية ورغبة في إسعاد زوجتك ورغبة في إسعاد نفسك أنت أيضًا، ولكن هناك عدة أمور تبدو ملتبسة عليك وأحب أن أوضحها لك.
الزواج والضرب
لعل أكثر الأمور التباسًا في رسالتك اعتقادك أو ما سمعته (إنه عشان توصل للحياة اللي فيها خير لازم تشد على المرأة، أو تضربها، أو حتى "تكسر راسها")، ثم تساؤلك بعد ذلك (فمتى يكون وقت الشدة أو الضرب؟ هل بعد الزواج بأيام أو شهور؟).
والحقيقة أن ما سمعته خاطئ تمامًا ولا أساس له من الصحة لا شرعًا ولا عرفًا ولا عقلاً، فمن الناحية الشرعية لم يضرب النبي ﷺ زوجة من زوجاته أبدًا، وكانت وصيته الدائمة (استوصوا بالنساء خيرًا)، وكانت من آخر وصاياه قبل الوفاة الوصية بالنساء.
وما جاء في القرآن عن ضرب النساء في قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾، فهذا بحق المرأة الناشز التي تمنع عن زوجها، ولا يحق للزوج الضرب إلا بعد استنفاد المراحل الأخرى.
المرحلة الأولى تسمى مرحلة العظة.. فيتحدث معها ويحاورها ويذكرها بالله ويحذرها النتائج الوخيمة المترتبة على النشوز، ويستخدم كل طرق التأثير العاطفي عليها لاستمالتها.
المرحلة الثانية تسمى مرحلة الهجر، وهي أن يهجرها في الفراش فيعطيها ظهره دلالة على غضبه، ومن المعلوم أن العلاقة الزوجية ما لم تكن طيبة فلن تتأثر الزوجة بهجره لها.
أما المرحلة الثالثة والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة الضرب فلها شروط ليست سهلة، والمقصود بالضرب هنا الضرب الرمزي كالضرب بالسواك ونحوه كلون من التحذير الشديد أن الحياة الزوجية تحتضر، ولا يصح أن يقوم بالضرب كلون من الإيذاء أو الانتقام، ولا يجوز له الضرب ما لم يغلب على ظنه أن زوجته ستستجيب لهذا اللون من التعامل. وأريد أن أقول لك إن الأغلبية الساحقة من النساء ترفض أسلوب الضرب ولو بصورة رمزية ويأتي معها بنتيجة عكسية.
الخلاصة أن الضرب المذكور في القرآن هو ممارسة استثنائية لفئة من النساء النواشز الاستثنائية وليس أسلوب حياة نسأل متى يبدأ.
هذه الأحكام الشرعية متفقة تمامًا مع العقل الذي يشير إلى أن زوجتك هذه إنسانة وليست حيوانًا يضرب، بل إن الحيوان أيضًا له حقوق ولا يتم ضربه، فكيف تتصور أن حياة زوجية سعيدة يمكن أن تؤسس على فكرة الضرب.. حتى العرف -يا بني- يرى أن ضرب الزوج لزوجته جريمة لا تغتفر ولا يقبل بها إلا بعض البيئات المتدنية الأقرب للمجتمعات الهمجية، ولا أظنك تنتمي لمثل هذه البيئة وأنت تفكر في سعادة زوجتك وكرامتها وأن تكون زوجتك في الدنيا والآخرة.
الاهتمام المتبادل
ابني العزيز، من الأمور المهمة التي ينبغي أن تلتفت لها مسألة الاهتمام المتبادل، أنت تريد منها أن تهتم بك.. تريد أن تعود من عملك فتجد كل صور الاهتمام والتدليل الذي يجعلك تنسى جهد العمل وأنت ذكرت كثير من التفاصيل التي ربما شاهدتها في السينما والدراما وسمعت عنها وما أضافه لها خيالك...
لا أقصد أن هذه تفاصيل خيالية لا تتحقق على أرض الواقع، وإنما أقول هناك مبالغة وسقف توقعات عال، وفكرة أنك تريد هذا الروتين من الاهتمام يوميًّا هو أمر غير واقعي، وأنا لا أريدك أن تعيش طموحات عالية جدًّا ثم تصطدم عندما تجد أن الواقع غير ذلك.. فهذه الفتاة سيأتي يوم وتشعر بالإرهاق وسيأتي عليها يوم وهي ليست في حالة مزاجية جيدة وسيأتي عليها يوم آخر تعاني من اضطراب في الهرمونات..
أما لو حدث حمل فمن المحتمل أنها ستعاني أكثر ولن تستطيع عمل كثير مما تحلم به، خاصة مع تقدم شهور الحمل؛ لذلك فحنانيك في طلباتك، فأنت في تجربة إنسانية لا يمكن أن تحسب هكذا بصورة آلية، فالآلات وحدها التي لا تخطئ، والآلات وحدها التي يمكن برمجتها على هذا النحو الدقيق.
ابني العزيز، أنا لا أقول لك لا تحلم، ولا أقول لك لا تخطط لتحقيق أحلامك، ولكن فقط أقول كن واقعيًّا من حيث الكم والكيف فتتقبل أن يكون هناك أيام فيها اهتمام فائق وأحيانًا اهتمام متوسط أو عادي وقد تمر أيام دون اهتمام...
تقبّل أيضًا أن بعض صور الاهتمام قد ترفضها زوجتك (غالبًا سترفضها) مثل تقبيل قدميك مثلاً، فهذا لا يقول به شرع أو عرف، ولو أن هذا الأمر يشغلك بشكل شديد فأخشى أن يكون وراءه اضطراب نفسي ما؛ فراجع نفسك، لكن على أي حال الأمر ليس مستحيلاً، وإذا أردته بشدة فعليك أن تقدم المقابل من الاهتمام والحب، وربما أن تقوم بنفس الأمر حتى تستسيغه هي.. أما العنف والأمر والتوبيخ إن رفضت فأنت تحكم على حياتك الزوجية بالفشل.
بني، لمست في رسالتك اهتمامًا بزوجتك فأنت تخطط أن تجعلها تعيش في مستوى مادي مرتفع وتخطط أن تخرج معها وتسافرا معًا، وهذا أمر رائع للغاية يدل على نوايا طيبة، وأيضًا فكرة أن تحتضنها قبل ذهابك للعمل وعودتك منه فكرة ممتازة جدًّا تبني بينكما لغة عميقة للحب وتساعد على التواصل العاطفي بينكما، وليس في ذلك ما يدعو للحياء فهي زوجتك، ولعل ذلك يكون خير عون لها في أن تبدع هي الأخرى حتى ترضيك؛ فالعلاقة الزوجية الصحية تعتمد على تبادل الاهتمام وتبادل الأخذ والعطاء.. اهتم بها وسوف تهتم بك.. أغدق عليها حبك وحنانك وسترى كيف يكون رد فعلها.. أنصت إليها واهتم بما تقول وبما تريد وسيكون لك الأمر نفسه.
بقيت نصيحتان:
النصيحة الأولى: لا تُسرف كثيرًا في قضاء الوقت في العمل بحجة تأمين مستوى معيشي مرتفع حتى لا تكونا بحاجة لأحد؛ فحاول أن توازن الأمور، وسدد وقارب حتى لا تعود من عملك منهكا وتطالب زوجتك بدفع ثمن هذا الإنهاك، وإلا تدخل في دائرة الانفعال والعصبية وربما رثاء الذات وارتداء ثوب الضحية التي تضحي وتتفانى ولا تجد المقابل، وأيضًا لأن زوجتك بحاجة لوجودك في حياتها والمال لن يعوضها ذلك.. فلو أنتما في علاقة صحية فسوف تكون نزهة صغيرة أكثر من كافية ولن تحتاجا وقتها لكثير من المال.
النصيحة الثانية: زوجتك صغيرة السن جدّا فارفق بها واجعل الرفق شعارك في كل أمر، فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، وبالرفق والصبر والاهتمام تكسب قلبها وحبها ومن ثم تقر عينك بها.. أسعد الله قلبك ورزقك وزوجتك السعادة ولا تتردد في طلب الاستشارة مرة أخرى.