ما هو اللاهوت؟

<p>في الحوار الديني تتردد كلمة اللاهوت، فما هو اللاهوت هل يعني الإله أم هو علم العقائد؟</p>

ملاحظتكم صحيحة، فالغالبية من الحوارات بين الأديان، ستردد على مسامعك كلمة "لاهوت" و"لاهوتي"، وهو مصطلح يحتاج إلى توضيح لمعرفة معناه ومقاصده؛ لأن تحرير المصطلح ذو أهمية في النقاش والحوار.

 

في البداية فـاللاهوت Theologia كلمة يونانية مركبة من كلمتين، الأولى Theo، وتعني "إله"، والثانية Logy وتعني علم، وبالتالي فإن كلمة اللاهوت في اللغة فتعني العلم المختص بالحديث عن الإله أو علم الإلهيات.

 

تقول الموسوعة البريطانية عن اللاهوت: إنه "يصعب استخلاص وتحديد مفهوم اللاهوت الذي ينطبق كعلم في جميع الأديان، والذي يتسم بالتالي بالحياد، وتكمن المشكلة في أن اللاهوت، كمفهوم، نشأ في التراث اليوناني القديم، بينما لم يكتسب محتواه ومنهجه إلا في المسيحية. لذا، فإن اللاهوت، نظرًا لطابعه المسيحي المميز، لا يمكن نقله بسهولة بمعناه الضيق إلى أي دين آخر. ومع ذلك، فإن اللاهوت كموضوع وثيق الصلة بالأديان الأخرى".

 

وأول من استخدم كلمة "اللاهوت" هو الفيلسوف أفلاطون، وذلك للتدليل على عقلانية الطبيعة الإلهية لآلهة اليونان القديمة، ثم توالى حضور المفهوم في كتابات الفلاسفة اليونان بعد ذلك.

 

وقد انتقل المفهوم من التراث اليوناني إلى التراث المسيحي، وأصبح يعني في الخبرة المسيحية، محاولة فهم الإله بحسب ما ورد في الكتاب المقدس، وقد قدم المفكر اللاهوتي الشهير "توما الإكويني" المتوفى (1274م) تعريفًا لعلم اللاهوت قال فيه: "إنه علم جامع يتحدث عن جميع الأمور من وجهة نظر الله، فالله هو موضوع كل الأمور التي تشير إليه"، وتوالت التعريفات في التراث المسيحي لتعريف اللاهوت، ووضع معالم وحدود لهذا المفهوم المركزي في المسيحية، حيث رآه بعض مفكري المسيحية عقيدة، ورآه آخرون أنه علم دراسة العقيدة .

 

وقد أوجد المختصون في اللاهوت تقسيمات لهذا العلم، منها: علم اللاهوت النظري أو الوضعي، وهو يعتمد على العقل في دراسة العقيدة المسيحية، وعلم اللاهوت الروحي وهو يعتمد على ما جاء في الكتاب المقدس، وهناك علم اللاهوت المقارن.

 

وتشير بعض المصادر إلى أن كلمة اللاهوت لم تحضر في الكاثوليكية إلا متأخرًا، ويرجح هؤلاء أنها بدأت في الظهور في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي، ثم أخذ بعض المهتمين بالشأن العقائدي في استخدام الكلمة في كتاباتهم العقدية التي تتحدث عن الله، وكان ذلك في كتابات قديس يسمى "أنسليم" أسقف كانتربري المتوفى (1109م)، تلك الكنيسة التي لها هيمنة روحية على المسيحيين الإنجليين في بريطانيا، وكان رأيه ضرورة أين يسبق الإيمان المعرفة، وأنه يجب عليك أن تؤمن لتعرف، وكان يقول: "لا يستطيع الإنسان أن يبحث عن الله إلا إذا علّمه الله نفسه، ولا أن يجده إلا إذا كشف هو عن ذاته".

 

ولجأ "أنسليم" إلى الحجج المنطقية في الحديث عن العقيدة، وهو صاحب حجج شهيرة في هذا الشأن، وكان يقول: "بما أن الرب موجود في عقولنا، فلتمام عظمته يجب أن يوجد في الواقع"، وهذا البرهان ما زال يستخدم حتى الآن حول حقيقة وجود الإله.

 

ونشير هنا إلى ملاحظة أحد باحثي الأديان حول مفهوم اللاهوت إذ يقول: "اللاهوت محاولة روحية أو دينية من "المؤمنين" لشرح إيمانهم. وبهذا المعنى، فهو ليس محايدًا، على اعتبار أنه مفهوم بأصوله في التقاليد اليونانية والمسيحية، مما يعني أن تحويل هذا المفهوم إلى ديانات أخرى مُعرّض للخطر بسبب ظروف نشأته ذاتها"، وبذلك فإن اللاهوت يختلف عن علم تاريخ الأديان الذي يدرس تطور الأديان عبر التاريخ، ويتضمن تحليلاً لمعتقدات وممارسات وشعائر وتقاليد الديانات المختلفة، ويهدف إلى فهم الدين كظاهرة إنسانية واجتماعية وثقافية، وكيفية تأثيره على المجتمعات والثقافات المختلفة.