<p>السلام عليكم.</p> <p>عمري صار 33 سنة، وأهلي كثير قلقانين وملحّين عليّ بموضوع الزواج، وهذا الشي حاططني تحت ضغط نفسي كبير<span dir="LTR">. </span>أنا بدي أستقر وأكوّن أسرة، بس ما لقيت الشريك اللي بيناسبني دينيًا وفكريًا<span dir="LTR">. </span>كل ما يجي حدا يخطب، ما بحس بـ قبول أو ارتياح إله<span dir="LTR">.</span></p> <p>هذا الوضع بيخليني حاسة إني محصورة بين ضغط الأهل وعدم وجود الشريك المناسب<span dir="LTR">. </span>بخاف أوافق بس عشان أريحهم وينتهي فيي الأمر بعلاقة مو سعيدة<span dir="LTR">.</span></p> <p>سؤالي إلكم<span dir="LTR">:</span></p> <ol> <li>هل لازم أوافق على أي عريس بيتقدم بس عشان إني تأخرت بالعمر وأخفف الضغط؟</li> <li>كيف أوازن بين الإيمان بتقدير الله وإنه الزواج رزق، وبين السعي لإيجاد الشريك الصالح مع تقدم العمر؟</li> </ol> <p><span dir="RTL">شو نصيحتكم لي لأخفف هذا الضغط النفسي والديني؟ وكيف أتعامل مع قلق أهلي بحكمة؟</span></p>
مرحبًا بكِ -ابنتي الغالية- ونسأل الله أن يبارك فيكِ وفي عمركِ، وأن يفتح لكِ أبواب الخير والرزق، وأن يرزقكِ الزوج الصالح الذي تقر به عينكِ وتسكن إليه نفسكِ، وبعد...
فيا ابنتي، إن الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد اجتماعي، ولا هو وسيلة للتخلص من ضغط الأهل أو المجتمع؛ بل هو كما سمّاه الله عز وجل: «ميثاق غليظ»، وسكن ومودة ورحمة. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
فالهدف الأساسي من الزواج هو السكن النفسي والراحة القلبية، وبناء أسرة صالحة على أساس من الدين والأخلاق. فإذا وافقتِ على شخص لا تشعرين تجاهه بالقبول أو الارتياح، وخصوصًا إذا كان لا يناسبكِ دينيًّا ولا فكريًّا كما ذكرتِ، فإن هذا قد يؤدي إلى حياة زوجية غير سعيدة، مليئة بالشقاق والنزاع، وهذا ما لا يرضاه الله لكِ ولا يرضاه لكِ أهلكِ في الحقيقة، حتى لو كان قلقهم يدفعهم للضغط عليكِ.
لقد أوصانا النبي ﷺ باختيار الزوج الصالح، الذي لديه دين وخلق. قال رسول الله ﷺ: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [رواه الترمذي]. وهذا يؤكد على أهمية الدين والخلق بوصفهما معيارين أساسيين للقبول، فكيف بمن لا تشعرين تجاهه بالارتياح أصلًا؟
لذا، نصيحتي لكِ يا ابنتي ألا توافقي على أي عريس لمجرد تخفيف الضغط. اصبري، واحتسبي، وتذكري أن الله لا يرضى لعباده إلا الخير. وسن الزواج ليس مقياسًا للسعادة، فكم من زيجات تمت في سن مبكرة وانتهت بالشقاء، وكم من زيجات تأخرت ولكنها كانت مباركة وسعيدة.
إن ثقتكِ بالله وصبركِ على اختيار ما يناسبكِ دينيًّا وفكريًّا هو عين الحكمة.
الزواج رزق نسعى لنواله:
إن الإيمان بأن الزواج رزق من الله وتقدير منه هو أساس الطمأنينة والسكينة. فالله -سبحانه وتعالى- هو الرزاق، وهو الذي يقدِّر الأرزاق والأقدار. قال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22]. ولكن الإيمان بالقدر لا يعني الجلوس والانتظار دون سعي؛ بل يجب أن يكون هناك سعيٌ حكيمٌ ومباركٌ لإيجاد الشريك الصالح.
وهذا السعي يكون على عدة مستويات:
- الدعاء الصادق واللجوء إلى الله:
هذا هو السلاح الأقوى. فأكثري من الدعاء في أوقات الإجابة، في السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل. ادعي الله أن يرزقكِ الزوج الصالح الذي يكون قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
- الأخذ بالأسباب المشروعة:
ومنها:
الاستشارة والاستخارة: فعندما يتقدم لكِ أحد، استشيري أهل الخبرة والصلاح، ثم استخيري الله بقلب صادق. إن صلاة الاستخارة هي مفتاح كل خير.
التعارف الشرعي: إذا تقدم لكِ من ترين فيه صلاحًا مبدئيًّا، فامنحي نفسكِ فرصة للتعرف عليه ضمن الضوابط الشرعية، لتقييم مدى التوافق الديني والفكري والنفسي. ولا تستعجلي في الرفض ولا في القبول.
الاستعانة بالثقات: اطلبي من أهلكِ وقريباتكِ وصديقاتكِ الصالحات أن يساعدنكِ في البحث عن الشريك المناسب، مع توضيح المعايير التي ترضينها.
تنمية الذات: استمري في تطوير نفسكِ دينيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا. فكلما ازددتِ صلاحًا ونضجًا، كنتِ أكثر جاذبية للشريك الصالح الذي يشارككِ هذه القيم.
اليقين بحكمة الله: تذكري أن الله -سبحانه وتعالى- حكيم عليم، وهو يختار لنا الأوقات المناسبة والأشخاص المناسبين. قد يكون تأخر الزواج فيه خير لا تعلمينه، وقد يكون الله يدخر لكِ الأفضل. قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
كيف نخفف الضغط النفسي؟
- عززي صلتكِ بالله:
حافظي على صلواتكِ في أوقاتها، وأكثري من النوافل.
اجعلي لكِ وردًا يوميًّا من القرآن الكريم تدبرًا وتلاوةً. فالقرآن شفاء لما في الصدور.
اجعلي لسانكِ رطبًا بذكر الله والاستغفار؛ «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» [الرعد: 28].
وسلمي أمركِ لله، واعلمي أن ما أصابكِ لم يكن ليخطئكِ، وما أخطأكِ لم يكن ليصيبكِ. فالرضا يجلب السكينة والطمأنينة.
- استثمري وقتك واهتمي بنفسكِ:
استثمري وقتكِ وطاقتكِ في تطوير مهاراتكِ، تعلمي شيئًا جديدًا، مارسي هواياتكِ، أو انخرطي في عمل تطوعي. هذا يملأ حياتكِ ويقلل من شعور الفراغ والنقص.
اهتمي بصحتكِ الجسدية من خلال التغذية السليمة والرياضة، وبصحتكِ النفسية من خلال التفكير الإيجابي وتجنب الأفكار السلبية.
- الصحبة الصالحة:
احرصي على أن تكوني محاطة بصديقات صالحات مؤمنات، يدعمنكِ ويذكرنكِ بالله، ويبعدنكِ عن الأفكار المحبطة.
- تذكري قيمتكِ الحقيقية:
قيمتكِ -يا ابنتي- ليست مرتبطة بوجود زوج أو عدمه. قيمتكِ تكمن في إيمانكِ، وأخلاقكِ، وعِلمكِ، وعطائكِ، وقربكِ من الله. أنتِ جوهرة ثمينة بذاتك.
كيف تتعاملين مع قلق الأهل؟
إن قلق الأهل نابع في الغالب من حبهم لكِ وحرصهم على مستقبلك، ولكن قد يعبرون عن هذا القلق بطريقة تزيد الضغط عليكِ. فإليكِ بعض النصائح للتعامل معهم بحكمة:
- التواصل الهادئ والمحترم:
تحدثي معهم بصراحة وهدوء، واشرحي لهم مشاعرك ومخاوفك. قولي لهم إنك تقدرين اهتمامهم وحبهم، ولكنك تخافين من اتخاذ قرار قد تندمين عليه لاحقًا.
- أكدي لهم رغبتكِ في الزواج:
طمئنيهم بأنكِ ترغبين فعلًا في الزواج وتكوين أسرة، وأن هذا هدف مهم في حياتكِ، ولكنكِ تبحثين عن الشريك المناسب الذي يضمن لكِ السعادة والاستقرار.
- وضحي معاييركِ:
اشرحي لهم المعايير التي تبحثين عنها في الشريك (الدين، الخلق، التوافق الفكري)، وأن هذه المعايير ليست تعجيزية؛ بل هي أساسية لنجاح الزواج.
- اطلبي دعمهم:
اطلبي منهم أن يساعدوكِ في البحث عن الشريك الذي يتوافق مع هذه المعايير، بدلًا من الضغط عليكِ لقبول أي شخص. اجعليهم شركاء في البحث عن الخير لكِ.
- اصبري على ضغطهم:
إنهم قد لا يتفهمون الأمر بسرعة، وقد يستمر الضغط لفترة. فتحلِّي بالصبر، وادعي الله أن يشرح صدورهم ويوفقهم لفهمك.
- أظهري لهم أنك بخير وسعيدة:
فإنهم عندما يرونكِ مستقرة نفسيًّا، منشغلة بما ينفع، وسعيدة بحياتكِ، فإن قلقهم قد يقل تدريجيًّا.
وختامًا -ابنتي الغالية- تذكري دائمًا أن الله أرحم بكِ من نفسكِ، وهو أدرى بما يصلح لكِ. فلا تيأسي من رحمة الله، ولا تقنطي من روح الله. أسأل الله أن يرزقكِ الزوج الصالح التقي النقي الهني، وأن يبارك لك في عمرك، وأن يملأ قلبك سكينة وطمأنينة. كوني قوية بإيمانكِ، صابرة محتسبة، واثقة بأن الله لن يخذلكِ أبدًا، وتابعينا بأخبارك.