<p>السلام عليكم..</p> <p> </p> <p>أنا سيدة متزوجة منذ عدة سنوات ولا زلت حتى هذه اللحظة أشعر بالندم على زواجي بين الحين والآخر، فعلى الرغم من أن زوجي فيه كثير من الصفات الجميلة، فهو شخص مجتهد وكريم ومهذب ويعاملني معاملة راقية ويحبني جدًّا، إلا أن الصورة التي كانت في خيالي عن الزوج لم تكن تشبهه فقد كنت أتمنى الزواج من رجل ملتحي ذو سمت إسلامي واضح يحفظ القرآن ويحضر حلقات العلم بينما زوجي لا يعرف أحكام التلاوة حتى.</p> <p> </p> <p>وعلى الرغم من اجتهاده في كثير من الطاعات وتقديمه للصدقات في السر والعلن، إلا أنني وبداخلي أشعر أنه أقل من الصورة التي كانت في خيالي ومع أي مشكلة أشعر بقلة التقدير له والندم على الزواج منه.</p> <p> </p> <p>وآخر مشكلة أنني فوجئت بأنه يكلم عميلة تجمعه معها بعض صور التجارة دون سبب.. فالسيدة قامت بنشر منشور ديني على صفحتها وفوجئت بزوجي بعد السلام عليها يشكرها على ما تكتبه ويشيد بها دون أي مبرر، فكل علاقته بها هي علاقة عمل وهو لم يكن يقبل أن يحدث معي مثل هذا الأمر.</p> <p> </p> <p>وعموما أشعر أنه يتعامل مع النساء بلطف زائد وبعض المرح غير المبرر وإذا انتقدته لا يتقبل النقد فلم أعد أنتقد، ولكنني حزينة من داخلي وأشعر بالندم على الزواج منه وأحلم كثيرا أنه يتحدث للبنات أو أنه يخونني.. أصلي وأقرأ قرآن أهدأ قليلا وتخف الأحلام ثم تعاودني، وكثيرًا لا أجد حلا غير الطلاق، وأحيانا أشعر أن بي مس من الجن هو الذي يلقي في روعي هذه المشاعر والأفكار.. أتمنى أن أجد لديكم بعض الكلمات التي تمنع زواجي من الانهيار<span dir="LTR">.</span></p>
مقدمة:
رغم أنني لست من هواة البكاء على اللبن المسكوب، وهذه استشارة يجب أن يستفيد منها كل القراء وليس فقط صاحبة الرسالة؛ لذا سأعود إلى أصل المشكلة ألا وهي أهمية فترة الخطبة.
دائما ما أكرر: الخطبة ليست وعدًا بالزواج، لكنها وعد بجدية النية بالزواج بعد دراسة وتقييم مدى قدرة الخطيبين على التعايش معًا كأزواج. فعلى كل من الخطيبين أن يُقيّم إلى أي مدى يمكن أن يتوافق مع الطرف الآخر على بناء بيت زوجية. فمن الطبيعي أن يكون لكل فرد مقبل على الزواج صورة ذهنية وتصورات عن سمات شريك حياته المرتقب، كما أنه من الطبيعي أيضًا ألا يجد من يتوافق مع ما تمناه، لذا فهو يقبل بالأقرب حلمه.
في فترة الخطبة يبذل كل طرف جهده للتعرف على المرشح له كزوج، وحثه على الاقتراب أكثر لما يتمناه. بناء على البذل الذي يبذله كل منهما ونتائج التغيير والقدرة على إدارة الخلافات بينهما، وعليه يقرر الاستمرار والانتقال إلى مرحلة عقد القران أو الاعتذار.
المهم أنه إذا استشار واستخار وتوكل على الله وقرر الاستمرار فعليه الرضا وحمد الله والاستمرار في تطوير علاقته بمن اختاره حتى تزداد الألفة بينهما، وعدم طرح تساؤل "كنت أتمنى ولكن وبتحسر: هل أستمر؟".
عادة ما تتكشف سمات شخصية أخرى بعد عقد الزواج وقبل البناء، لا حرج من إعادة التقييم لما تم التعرف عليه من سمات جديدة. وهكذا في كل مراحل رحلة الزواج فنحن نتعبد لله في طلاقنا كما نتعبد لله في زواجنا ولكن لأسباب شرعية وموضوعية.
إلى كاتبة الرسالة:
جزاك الله خيرًا على الصورة التي كانت في خيالك عن الزوج: "رجل ملتحٍ ذو سمت إسلامي واضح يحفظ القرآن ويحضر حلقات العلم"، قبلت زوجك لأنه كان به صفات طيبة أخرى، ولكنه "لا يعرف أحكام التلاوة حتى، وعلى الرغم من اجتهاده في كثير من الطاعات وتقديمه للصدقات في السر والعلن"، ماذا فعلت معه؟ وما كان دورك حتى يعلم ما هو معلوم من الدين بالضرورة "التلاوة"؟ يقول الرسول ﷺ: "فواللهِ لأنْ يهْدي اللهُ بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أنْ يكونَ لك حُمرِ النعمِ" (صححه الألباني)، وقال ﷺ: "خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ" (رواه البخاري).
إن من أهم واجبات الزوج على زوجه دعوته وأن يكون سندًا ومعينًا له على طاعة الله عز وجل، وليس انتقاده. والحمد لله فزوجك به كما تقولين: "كثير من الصفات الجميلة؛ فهو شخص مجتهد وكريم ومهذب، ويعاملني معاملة راقية ويحبني جدًّا"، للأسف بعض ممن يدعون التدين ويجيدون التلاوة والتشدق بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، يسقطون في جانب الأخلاق وتعاني زوجاتهم منهم الأمرين! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فالحمد لله على حسن خلق زوجك معك، وعليك أن تبذلي جل وكل جهودك لدعوته للحق والالتزام بخلق المسلم مع من يتعامل معهن من النساء.
تقولين: "حزينة من داخلي وأشعر بالندم على الزواج منه وأحلم كثيرًا أنه يتحدث للبنات أو أنه يخوننني".
يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة: 10)، إن من مكائد الشيطان بالإنسان أنه يوقعه في الحزن، ولعل من أخطر أساليبه محاولة طمس بصيرة الإنسان عن نعم الله، فلا يشكره، ولا يرضى بما قدر الله له، فيسخط ويبتعد عن معية الله فيسهل على الشيطان غيه، يقول الله -عز وجل- على لسان سيدنا محمد ﷺ مطمئنًا الصديق رضي الله عنه في أثناء الهجرة: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} (التوبة: 40)، ومن القيم العظيمة التي تُفهم من هذه الآية المباركة والتي يجب على كل مسلم تدبرها والحرص عليها "معية الله" فهي تذهب الحزن.
ومعية الله شعور يقيني وإحساس دفين بالنفس أن الله معي، وهذه النعمة الجليلة لا تتأتى إلا إذا كنا مع الله ليس فقط طاعة لأوامره واجتنابا لنواهيه؛ بل بالقرب منه عز وجل بالنوافل حتى يحبنا، ورد في الحديث القدسي: "إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ" (صحيح البخاري).
إن تلاوة القرآن لتدبر معانيه والعمل بها، من أهم المعينات على الحياة في معية الله، وقد علمنا الرسول ﷺ هذا الدعاء الطيب المبارك الذي يقوله المسلم إذا أصابه الشيطان بمس من الهم والغم: "ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزَنٌ فقال اللَّهمَّ إنِّي عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك عدلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيْتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندك أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حزَني وذهابَ همِّي إلَّا أذهب اللهُ عزَّ وجلَّ همَّه وأبدله مكانَ حزَنِه فرحًا قالوا يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أن نتعلَّمَ هؤلاء الكلماتِ قال أجل ينبغي لمن سمِعهنَّ أن يتعلَّمَهنَّ" (أخرجه أحمد في مسنده).
لذا فإن نعمة الشعور بالنعمة خير من نعمة النعمة؛ فنعمة البصر من النعم العظيمة لكن الأهم منها نعمة الشعور بنعمة البصر، لأنها الدافع على شكر االله وحمده والرضا كل الرضا بما قضى وقدر.
وفي النهاية ألخص نصائحي لك فيما يلي:
1. الإخلاص: اخلاص النية لله في العمل والأخذ بأسباب هداية زوجك.
2. الدعاء: اجتهدي بالدعاء له بالصلاح وأن يفقهه الله في الدين.
3. الحرص على ذكر الله والتلاوة والتدبر وتذكر نعم الله وحمده. وكما يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: "إن بعد نعمة الإيمان العظيمة، ليست هناك نعمة في الدنيا خالصة مكتملة ولكنها تكمل بالرضا وحمد الله".
4. دعوته للتلاوة معك الورد اليومي، مع ملاحظة مهمة وهي ألاّ تثقلي عليه، فقط صفحة من القرآن الكريم في البداية مع تصحيح تلاوته فقط مرتين.
5. تناقشا في المعاني، وتدبر الآيات، وأثرها على سلوك المسلم وأخلاقه، وليتك تبدئين بنقد بعض سلوكياتك ورغبتك في تعديلها بناء على ما يفهم من الآيات.
6. الرجوع إلى تفسير مبسط مثل ملخص تفسير ابن كثير أو ما شابهه، أو بعض المقاطع المصورة.
7. الرجوع من وقت لآخر لأحد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول المعنى المفهوم من الآيات الكريمة.
8. أرى أنه في البداية ألا يزيد اللقاء عن 15 دقيقة.
9. يجب التهيئة لهذه الجلسة المباركة بمشروب يفضله، وإشادة بقيمته.
10. احذري كل الحذر أن تشعريه بأي نقص أو أنه تلميذك وأن تتقمصي دور الأستاذة.
وأسأل الله لكما تمام المودة والرحمة. وتابعينا بأخبارك.